البداية والنهاية/الجزء الثالث/مقتل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط لعنهما الله

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



مقتل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط لعنهما الله


قال ابن إسحاق: حتى إذا كان رسول الله بالصفراء قتل النضر بن الحارث، قتله علي بن أبي طالب كما أخبرني بعض أهل العلم من أهل مكة، ثم خرج حتى إذا كان بعرق الظبية قتل عقبة بن أبي معيط.

قال ابن إسحاق: فقال عقبة حين أمر رسول الله بقتله: فمن للصبية يا محمد؟

قال: «النار».

وكان الذي قتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح أخو بني عمرو بن عوف كما حدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر.

وكذا قال موسى بن عقبة في (مغازيه) وزعم أن رسول الله لم يقتل من الأسارى أسيرا غيره.

قال: ولما أقبل إليه عاصم بن ثابت قال: يا معشر قريش علام أقتل من بين من ههنا؟

قال: على عداوتك الله ورسوله.

وقال حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب، عن الشعبي قال: لما أمر النبي بقتل عقبة قال: أتقتلني يا محمد من بين قريش؟

قال: «(نعم! أتدرون ما صنع هذا بي؟ جاء وأنا ساجد خلف المقام فوضع رجله على عنقي وغمزها فما رفعها حتى ظننت أن عيني ستندران، وجاء مرة أخرى بسلا شاة فألقاه على رأسي وأنا ساجد فجاءت فاطمة فغسلته عن رأسي».

قال ابن هشام: ويقال: بل قتل عقبة علي بن أبي طالب فيما ذكره الزهري وغيره من أهل العلم.

قلت: كان هذان الرجلان من شر عباد الله وأكثرهم كفرا وعنادا وبغيا وحسدا وهجاءً للإسلام وأهله لعنهما الله وقد فعل.

قال ابن هشام: فقالت قتيلة بنت الحارث أخت النضر بن الحارث في مقتل أخيها:

يا راكباً إن الأثيل مظنةٌ * من صبح خامسةٍ وأنت موفق

أبلغ بها ميتاً بأن تحيةً * ما إن تزال بها النجائب تخفق

مني إليك وعبرةً مسفوحةً * جادت بوابلها وأخرى تخنق

هل يسمعن النضر إن ناديته * أم كيف يسمع ميتٌ لا ينطق

أمحمداً يا خير ضيء كريمة * من قومها والفحل فحل معرق

ما كان ضرك لو مننت وربما * من الفتى وهو المغيظ المحنق

أو كنت قابل فديةٍ فلينفقن * بأعز ما يغلو به ما ينفق

والنضر أقرب من أسرت قرابةً * وأحقهم إن كان عتق يعتق

ظلت سيوف بني أبيه تنوشه * لله أرحامٌ هناك تشقق

صبرا يقاد إلى المنية متعباً * رسف المقيد وهو عانٍ موثق

قال ابن هشام: ويقال والله أعلم: أن رسول الله لما بلغه هذا الشعر قال: «لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه».

قال ابن إسحاق: وقد تلقى رسول الله بهذا الموضع أبو هند، مولى فروة بن عمرو البياضي حجامه عليه السلام ومعه زق خمر مملوء حيسا - وهو التمر والسويق بالسمن - هدية لرسول الله فقبله منه ووصى به الأنصار.

قال ابن إسحاق: ثم مضى رسول الله حتى قدم المدينة قبل الأسارى بيوم.

قال ابن إسحاق: وحدثني نبيه بن وهب أخو بني عبد الدار: أن رسول الله حين أقبل بالأسارى فرقهم بين أصحابه، وقال: «استوصوا بهم خيرا».

قال: وكان أبو عزيز بن عمير بن هاشم أخو مصعب بن عمير لأبيه وأمه في الأسارى، قال أبو عزيز: مرَّ بي أخي مصعب بن عمير ورجل من الأنصار يأسرني فقال: شديد يك به فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك.

قال أبو عزيز: فكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز وأكلوا التمر لوصية رسول الله إياهم بنا ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها فأستحي فأردها فيردها علي ما يمسها.

قال ابن هشام: وكان أبو عزيز هذا صاحب لواء المشركين ببدر بعد النضر بن الحارث، ولما قال أخوه مصعب لأبي اليسر - وهو الذي أسره - ما قال: قال له أبو عزيز: يا أخي هذه وصاتك بي؟

فقال له مصعب: إنه أخي دونك فسألت أمه عن أغلى ما فدى به قرشي فقيل لها: أربعة آلاف درهم، فبعثت بأربعة آلاف درهم ففدته بها.

قلت: وأبو عزيز هذا اسمه زرارة فيما قاله ابن الأثير في (غابة الصحابة)، وعدَّه خليفة بن خياط في أسماء الصحابة.

وكان أخ مصعب بن عمير لأبيه، وكان لهما أخ آخر لأبويهما وهو أبو الروم بن عمير وقد غلط من جعله قتل يوم أحد كافرا ذاك أبو عزة كما سيأتي في موضعه والله أعلم.

قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر أن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة قال: قدم بالأسارى حين قدم بهم وسودة بنت زمعة زوج النبي عند آل عفراء في مناحتهم على عوف ومعوذ ابني عفراء، قال: وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب.

قال: تقول سودة: والله إني لعندهم إذ أتينا فقيل: هؤلاء الأسارى قد أتي بهم، قالت: فرجعت إلى بيتي ورسول الله فيه وإذا أبو يزيد سهيل بن عمرو في ناحية الحجرة مجموعة يداه إلى عنقه بحبل.

قالت: فلا والله ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد كذلك أن قلت: أي أبا يزيد أعطيتم بأيديكم ألا متم كراما؟ فوالله ما أنبهني إلا قول رسول الله من البيت: «يا سودة أعلى الله وعلى رسوله تحرضين؟».

قال: قلت يا رسول الله: والذي بعثك بالحق ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه أن قلت ما قلت.

ثم كان من قصة الأسارى بالمدينة ما سيأتي بيانه وتفصيله فيما بعد من كيفية فدائهم وكميته إن شاء الله.

البداية والنهاية - الجزء الثالث
باب كيفية بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم | عمره صلى الله عليه وسلم وقت بعثته وتاريخها | فصل حزن النبي صلى الله عليه وسلم عندما فترعنه الوحي | فصل في منع الجان ومردة الشياطين من استراق السمع حين أنزل القرآن | فصل في كيفية إتيان الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم | فصل ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه | فصل تتابع الوحي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام | فصل أول من أسلم من متقدمي الإسلام والصحابة وغيرهم | إسلام حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم | ذكر إسلام أبي ذر رضي الله عنه | ذكر إسلام ضماد | باب الأمر بابلاغ الرسالة | قصة الأراشي | فصل أشد ما صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم | فصل تأليب الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه | فصل في مبالغتهم في الأذية لآحاد المسلمين المستضعفين | فصل اعتراض المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم | فصل تعذيب قريش للمسلمين لاتباعهم النبي عليه الصلاة والسلام | باب مجادلة النبي صلى الله عليه وسلم الكفار وإقامة الحجة الدامغة عليهم | باب هجرة أصحاب رسول الله من مكة إلى أرض الحبشة | فصل كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي | فصل ذكر مخالفة قبائل قريش بني هاشم وعبد المطلب في نصر رسول الله | المستهزئون بالنبي صلى الله عليه وسلم وما ظهر فيهم | عزم الصديق على الهجرة إلى الحبشة | فصل تعليق على القصص | فصل ذكر عداوة قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتنفير أحياء العرب والقادمين إلى مكة | قصة أعشى بن قيس | قصة مصارعة ركانة وكيف أراه صلى الله عليه وسلم الشجرة التي دعاها فأقبلت | فصل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على قريش حين استعصت عليه | فصل قصة فارس والروم | فصل الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس | فصل نزول فرضية الصلاة صبيحة الإسراء | فصل في انشقاق القمر في زمان النبي صلى الله عليه وسلم | فصل في وفاة أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم | فصل موت خديجة بنت خويلد | فصل في تزويجه صلى الله عليه وسلم بعد خديجة رضي الله عنها بعائشة بنت الصديق وسودة بنت زمعة رضي الله عنهما | فصل اجتراء قريش على رسول الله بعد وفاة عمه أبي طالب | فصل في ذهابه صلى الله عليه وسلم إلى أهل الطائف يدعوهم إلى دين الله | فصل سماع الجن لقراءة رسول الله عليه الصلاة والسلام | فصل في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه الكريمة على أحياء العرب | فصل قدوم وفد الأنصار لمبايعة رسول الله عليه الصلاة والسلام | حديث سويد بن صامت الأنصاري | إسلام إياس بن معاذ | باب بدء إسلام الأنصار رضي الله عنهم | قصة بيعة العقبة الثانية | فصل إظهار الأنصار إسلامهم بعد بيعة العقبة الثانية | فصل يتضمن أسماء من شهد بيعة العقبة الثانية ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان | باب الهجرة من مكة إلى المدينة | فصل في سبب هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة | باب هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة من مكة إلى المدينة ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه | قصة أم معبد الخزاعية | فصل في دخوله عليه السلام المدينة وأين استقر منزله بها | فصل تشريف المدينة بهجرته عليه السلام | وقائع السنة الأولى من الهجرة | فصل تأسيس مسجد قباء | فصل في إسلام عبد الله بن سلام | فصل خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ | ذكر خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ | فصل في بناء مسجده الشريف ومقامه بدار أبي أيوب | تنبيه على فضل هذا المسجد الشريف | فصل بناء الحجرات لرسول الله حول مسجده الشريف | فصل فيما أصاب المهاجرين من حمى المدينة | فصل في عقده عليه السلام الألفة بين المهاجرين والأنصار بالكتاب | دستور المدينة | فصل في مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار | فصل في موت أبي أمامة أسعد بن زرارة | فصل في ميلاد عبد الله بن الزبير في شوال سنة الهجرة | فصل بناؤه صلى الله عليه وسلم بعائشة | فصل الزيادة في صلاة الحضر في السنة الأولى من الهجرة | فصل في الأذان ومشروعيته | فصل في سرية حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه | فصل في سرية عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب | فصل في سرية سعد بن أبي وقاص إلى الخرار | فصل ميلاد عبد الله بن الزبير وهو أول مولود ولد في الإسلام | من توفي في السنة الأولى من الصحابة | ذكر ما وقع في السنة الثانية من الهجرة | كتاب المغازي | فصل كفر بعض المنافقين من الأوس والخزرج بعد إسلامهم | فصل في إسلام بعض أحبار يهود نفاقا | أول المغازي وهي غزوة الأبواء أو غزوة ودان | سرية عبيدة بن الحارث | فصل في سرية حمزة بن عبد المطلب | غزوة بواط من ناحية رضوى | غزوة العشيرة | غزوة بدر الأولى | باب سرية عبد الله بن جحش | فصل في تحويل القبلة في سنة ثنتين من الهجرة قبل وقعة بدر | فصل في فريضة شهر رمضان سنة ثنتين قبل وقعة بدر | غزوة بدر العظمى يوم الفرقان يوم التقى الجمعان | مقتل أبي البختري بن هشام | فصل في مقتل أمية بن خلف | مقتل أبي جهل لعنه الله | ردُّه عليه السلام عين قتادة | فصل قصة أخرى شبيهة بها | طرح رؤوس الكفر في بئر يوم بدر | فصل اختلاف الصحابة في الأسارى على قولين | فصل عدد القتلى والأسرى من المشركين يوم بدر سبعون | فصل اختلاف الصحابة يوم بدر في المغانم لمن تكون | فصل رجوع النبي عليه السلام من بدر إلى المدينة | مقتل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط لعنهما الله | ذكر فرح النجاشي بوقعة بدر رضي الله عنه | وصول خبر مصاب أهل بدر إلى أهاليهم بمكة | بعث قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فداء أسراهم | فصل نزول سورة الأنفال في بدر | فصل تسمية من شهد بدرا من المسلمين | أسماء أهل بدر مرتبة على حروف المعجم وأوله حرف الألف | حرف الباء | حرف التاء | حرف الثاء | حرف الجيم | حرف الحاء | حرف الخاء | حرف الذال | حرف الراء | حرف الزاي | حرف السين | حرف الشين | حرف الصاد | حرف الضاد | حرف الطاء | حرف الظاء | حرف العين | حرف الغين | حرف الفاء | حرف القاف | حرف الكاف | حرف الميم | حرف النون | حرف الهاء | حرف الواو | حرف الياء | باب الكنى | فصل عدد الذين شهدوا بدرا ثلثمائة وأربعة عشر رجلا | فصل في فضل من شهد بدرا من المسلمين | قدوم زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة | ما قيل من الأشعار في بدر العظمى | فصل رثاء المشركين قتلاهم يوم بدر | غزوة بني سليم في سنة ثنتين من الهجرة | فصل في غزوة السويق | فصل في دخول علي بن أبي طالب على زوجته فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم | فصل جمل من الحوادث سنة ثنتين من الهجرة