البداية والنهاية/الجزء الثالث/غزوة العشيرة
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد.
قال الواقدي: وكان لواؤه مع حمزة بن عبد المطلب.
قال: وخرج عليه السلام يتعرض لعيرات قريش ذاهبة إلى الشام.
قال ابن إسحاق: فسلك على نقب بني دينار، ثم على فيناء الخيار، فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر يقال لها: ذات الساق فصلى عندها فثم مسجده، فصنع له عندها طعام فأكل منه وأكل الناس معه، فرسوم أثافي البرمة معلوم هناك، واستسقى له من ماء يقال له: المشيرب.
ثم ارتحل فنزك الخلائق بيسار وسلك شعبة عبد الله، ثم صب للشاد حتى هبط ملل، فنزل بمجتمعه ومجتمع الضبوعة، ثم سلك فرش ملل حتى لقي الطريق بصخيرات اليمام، ثم اعتدل به الطريق حتى نزل العشيرة من بطن ينبع فأقام بها جمادى الأولى وليال من جمادى الآخرة ووادع فيها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا.
وقد قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا وهب، ثنا شعبة، عن أبي إسحاق.
قال: كنت إلى جنب زيد بن أرقم فقيل له: كم غزا رسول الله ﷺ من غزوة؟
قال: تسع عشرة.
قلت: كم غزوة أنت معه؟
قال: سبع عشرة غزوة، قلت: فأيهن كان أول؟
قال: العشير - أو العسير - فذكرت لقتادة فقال: العشير.
وهذا الحديث ظاهر في أن أول الغزوات العشيرة، ويقال: بالسين وبهما مع حذف التاء، وبهما مع المد اللهم إلا أن يكون المراد غزاة شهدها مع النبي ﷺ زيد بن أرقم العشيرة وحينئذً لا ينفي أن يكون قبلها غيرها لم يشهدها زيد بن أرقم وبهذا يحصل الجمع بين ما ذكره محمد بن إسحاق وبين هذا الحديث والله أعلم.
قال محمد بن إسحاق: ويومئذٍ قال رسول الله ﷺ لعلي ما قال.
فحدثني يزيد بن محمد بن خيثم، عن محمد بن كعب القرظي، حدثني أبو يزيد محمد بن خيثم، عن عمار بن ياسر.
قال: كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة من بطن ينبع، فلما نزلها رسول الله ﷺ أقام بها شهرا فصالح بها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة فوادعهم.
فقال لي علي بن أبي طالب: هل لك يا أبا اليقظان أن نأتي هؤلاء النفر - من بني مدلج يعملون في عين لهم - ننظر كيف يعملون؟
فأتيناهم فنظرنا إليهم ساعة فغشينا النوم فعمدنا إلى صور من النخل في دقعاء من الأرض فنمنا فيه.
فوالله ما أهبنا إلا ورسول الله ﷺ يحركنا بقدمه فجلسنا وقد تتربنا من تلك الدقعاء فيومئذٍ قال رسول الله ﷺ لعلي: «يا أبا تراب» لما عليه من التراب فأخبرناه بما كان من أمرنا فقال: «ألا أخبركم بأشقى الناس رجلين؟»
قلنا: بلى يا رسول الله.
فقال: «أحيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضر بك يا علي على هذه - ووضع رسول الله ﷺ يده على رأسه - حتى تبل منها هذه - ووضع يده على لحيته -».
وهذا حديث غريب من هذا الوجه له شاهد من وجه آخر في تسمية علي أبا تراب كما في (صحيح البخاري): أن عليا خرج مغاضبا فاطمة، فجاء المسجد فنام فيه فدخل رسول الله ﷺ فسألها عنه فقالت: خرج مغاضبا فجاء إلى المسجد فأيقظه وجعل يمسح التراب عنه ويقول: «قم أبا تراب قم أبا تراب».