البداية والنهاية/الجزء الثالث/فصل في مبالغتهم في الأذية لآحاد المسلمين المستضعفين
قال ابن إسحاق: ثم إن قريشا تذامروا بينهم على من في القبائل من أصحاب رسول الله ﷺ الذين أسلموا معه، فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين يعذبونهم، ويفتنونهم عن دينهم، ومنع الله منهم رسول الله ﷺ بعمه أبي طالب.
وقد قام أبو طالب، حين رأى قريشا يصنعون ما يصنعون، في بني هاشم، وبني عبد المطلب، فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله ﷺ والقيام دونه، فاجتمعوا إليه وقاموا معه، وأجابوه إلى ما دعاهم إليه، إلا ما كان من أبي لهب عدو الله الملعون.
فقال في ذلك يمدحهم ويحرضهم على ما وافقوه عليه من الحدب والنصرة لرسول الله ﷺ:
إذا اجتمعت يوما قريشٌ لمفخرٍ * فعبدُ منافٍ سرُّها وصميمُها
وإن حصلت أشرافُ عبدِ منافِها * ففي هاشم أشرافُها وقديمُها
وإن فخرتْ يوما فإن محمدا * هو المصطفى من سرِّها وكريمها
تداعت قريشٌ غُّثها وسمينها * علينا فلم تظفر وطاشت حلومها
وكنَّا قديما لا نقرُّ ظُلامة * إذ ما ثنوا صُعر الرقاب نُقيمُها
ونحمي حماها كلَّ يوم كريهةٍ * ونضربُ عن أحجارِها من يرومها
بنا انتعشَ العودُ الذواء وإنما * بأكنافنا تندَى وتنمى أرومها