البداية والنهاية/الجزء الثالث/إسلام إياس بن معاذ
قال ابن إسحاق: وحدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، عن محمود بن لبيد، قال: لما قدم أبو الحيسر، أنس بن رافع، مكة ومعه فتية من بني عبد الأشهل، فيهم إياس بن معاذ يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج، سمع بهم رسول الله ﷺ فأتاهم فجلس إليهم، فقال لهم: «هل لكم في خير مما جئتم له؟»
قال: قالوا: وما ذاك؟
قال: «أنا رسول الله إلى العباد أدعوهم إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا، وأنزل عليَّ الكتاب».
ثم ذكر لهم الإسلام وتلا عليهم القرآن.
قال: فقال إياس بن معاذ - وكان غلاما حدثا -: يا قوم هذا والله خير مما جئتم له.
فأخذ أبو الحيسر أنس بن رافع حفنة من تراب البطحاء فضرب بها وجه إياس بن معاذ وقال: دعنا منك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا.
قال: فصمت إياس وقام رسول الله ﷺ عنهم، وانصرفوا إلى المدينة، وكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج.
قال: ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك.
قال محمود بن لبيد: فأخبرني من حضرني من قومه أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل الله ويكبره ويحمده ويسبحه حتى مات فما كانوا يشكون أنه قد مات مسلما، لقد كان استشعر الإسلام في ذلك المجلس، حين سمع من رسول الله ﷺ ما سمع.
قلت: كان يوم بعاث - وبعاث موضع بالمدينة - كانت فيه وقعة عظيمة قتل فيها خلق من أشراف الأوس والخزرج وكبرائهم، ولم يبق من شيوخهم إلا القليل.
وقد روى البخاري في (صحيحه)، عن عبيد بن إسماعيل، عن أبي أمامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان يوم بعاث يوما قدَّمه الله لرسوله، قدم رسول الله ﷺ إلى المدينة وقد افترق ملاؤهم، وقتل سراتهم.