البداية والنهاية/الجزء الثالث/قصة الأراشي
قال يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، حدثنا عبد الملك بن أبي سفيان الثقفي.
قال: قدم رجل من إراش بإبل له إلى مكة، فابتاعها منه أبو جهل بن هشام، فمطله بأثمانها.
فأقبل الأراشي حتى وقف على نادي قريش ورسول الله ﷺ جالس في ناحية المسجد.
فقال: يا معشر قريش مَنْ رجل يعديني على أبي الحكم بن هشام، فإني غريب وابن سبيل، وقد غلبني على حقي؟
فقال أهل المجلس: ترى ذلك - يهزون به - إلى رسول الله ﷺ لما يعلمون ما بينه وبين أبي جهل من العداوة، اذهب إليه فهو يعديك عليه.
فأقبل الأراشي حتى وقف على رسول الله ﷺ، فذكر ذلك له، فقام معه.
فلما رأوه قام معه قالوا لرجل ممن معهم: اتبعه فانظر ما يصنع؟
فخرج رسول الله ﷺ حتى جاءه فضرب عليه بابه.
فقال: من هذا؟
قال: «محمد فاخرج!» فخرج إليه وما في وجهه قطرة دم، وقد انتقع لونه.
فقال: «أعط هذا الرجل حقه».
قال: لا تبرح حتى أعطيه الذي له.
قال: فدخل فخرج إليه بحقه فدفعه إليه، ثم انصرف رسول الله ﷺ.
وقال للأراشي: الحق لشأنك.
فأقبل الأراشي حتى وقف على ذلك المجلس فقال: جزاه الله خيرا، فقد أخذت الذي لي.
وجاء الرجل الذي بعثوا معه فقالوا: ويحك ماذا رأيت؟
قال: عجبا من العجب، والله ما هو إلا أن ضرب عليه بابه فخرج وما معه روحه فقال: أعط هذا الرجل حقه.
فقال: نعم! لا تبرح حتى أخرج إليه حقه، فدخل فأخرج إليه حقه فأعطاه إياه.
ثم لم يلبث أن جاء أبو جهل فقالوا له: ويلك مالك فوالله ما رأينا مثل ما صنعت؟
فقال: ويحكم والله ما هو إلا أن ضرب عليّ بابي وسمعت صوته فملئت رعبا، ثم خرجت إليه وإن فوق رأسه لفحلا من الإبل، ما رأيت مثل هامته، ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط، فوالله لو أبيت لأكلني.