البداية والنهاية/الجزء الثالث/فصل نزول فرضية الصلاة صبيحة الإسراء
ولما أصبح رسول الله ﷺ من صبيحة ليلة الإسراء جاءه جبرائيل عند الزوال فبين له كيفية الصلاة وأوقاتها، وأمر رسول الله ﷺ أصحابه فاجتمعوا وصلى به جبرائيل في ذلك اليوم إلى الغد، والمسلمون يأتمون بالنبي ﷺ وهو يقتدي بجبرائيل كما جاء في الحديث عن ابن عباس وجابر: «أمني جبرائيل عند البيت مرتين».
فبيـَّن له الوقتين الأول والآخر فهما وما بينهما الوقت الموسع، ولم يذكر توسعة في وقت المغرب.
وقد ثبت ذلك في حديث أبي موسى، وبريدة، وعبد الله بن عمرو، وكلها في (صحيح مسلم) وموضع بسط ذلك في كتابنا (الأحكام) ولله الحمد.
فأما ما ثبت في (صحيح البخاري) عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: «فرضت الصلاة أول ما فرضت ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر».
وكذا رواه الأوزاعي عن الزهري، ورواه الشعبي عن مسروق عنها وهذا مشكل من جهة أن عائشة كانت تتم الصلاة في السفر وكذا عثمان بن عفان وقد تكلمنا على ذلك عند قوله تعالى: { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا } [النساء: 101] ..
قال البيهقي: وقد ذهب الحسن البصري إلى أن صلاة الحضر أول ما فرضت أربعا كما ذكره مرسلا من صلاته عليه السلام صبيحة الإسراء: الظهر أربعا، والعصر أربعا، والمغرب ثلاثا يجهر في الأوليين، والعشاء أربعا يجهر في الأوليين، والصبح ركعتين يجهر فيهما.
قلت: فلعل عائشة أرادت أن الصلاة كانت قبل الإسراء تكون ركعتين ركعتين، ثم لما فرضت الخمس فرضت حضرا على ما هي عليه، ورخص في السفر أن يصلى ركعتين كما كان الأمر عليه قديما وعلى هذا لا يبقى إشكال بالكلية والله أعلم.