البداية والنهاية/الجزء الثالث/فصل كفر بعض المنافقين من الأوس والخزرج بعد إسلامهم
ثم ذكر ابن إسحاق من مال إلى هؤلاء الأضداد من اليهود من المنافقين من الأوس والخزرج فمن الأوس: زوى بن الحارث، وجلاس بن سويد بن الصامت الأنصاري، وفيه نزل: { يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ } [التوبة:74] وذلك أنه قال حين تخلف عن غزوة تبوك: لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمر، فنماها ابن امرأته عمير بن سعد إلى رسول الله ﷺ فأنكر الجلاس ذلك وحلف ما قال فنزل فيه ذلك.
قال: وقد زعموا أنه تاب وحسنت توبته حتى عرف منه الإسلام والخير.
قال: وأخوه الحارث بن سويد، وهو الذي قتل المجذر بن ذياد البلوي، وقيس بن زيد أحد بني ضبيعة يوم أحد، خرج مع المسلمين وكان منافقا فلما التقى الناس عدا عليهما فقتلهما ثم لحق بقريش.
قال ابن هشام: وكان المجذر قد قتل أباه سويد بن الصامت في بعض حروب الجاهلية فأخذ بثأر أبيه منه يوم أحد، كذا قال ابن هشام.
وقد ذكر ابن إسحاق أن الذي قتل سويد بن الصامت إنما هو معاذ بن عفراء قتله في غير حرب قبل يوم بعاث رماه بسهم فقتله.
وأنكر ابن هشام أن يكون الحارث قتل قيس بن زيد، قال: لأن ابن إسحاق لم يذكره في قتلى أحد.
قال ابن إسحاق: وقد كان رسول الله ﷺ، أمر عمر بن الخطاب بقتله إن هو ظفر به، فبعث الحارث إلى أخيه الجلاس يطلب له التوبة ليرجع إلى قومه، فأنزل الله - فيما بلغني عن ابن عباس -: { كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْما كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [آل عمران:86] إلى آخر القصة.
قال: وبجاد بن عثمان بن عامر، ونبتل بن الحارث وهو الذي قال فيه رسول الله ﷺ: «من أحب أن ينظر إلى شيطان فلينظر إلى هذا».
وكان جسيما أدلم ثائر شعر الرأس أحمر العينين أسفع الخدين، وكان يسمع الكلام من رسول الله ﷺ ثم ينقله إلى المنافقين وهو الذي قال: إنما محمد أذن، من حدثه بشيء صدقه.
فأنزل الله فيه: { وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ } [التوبة:61] الآية.
قال: وأبو حبيبة بن الأزعر وكان ممن بنى مسجد الضرار، وثعلبة بن حاطب، ومعتب بن قشير، وهما اللذان عاهدا الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ثم نكثا، فنزل فيهما ذلك، ومعتب هو الذي قال يوم أحد: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا فنزل فيه الآية.
وهو الذي قال يوم الأحزاب: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يؤمن أن يذهب إلى الغائط فنزل فيه: { وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا }.
قال ابن إسحاق: والحارث بن حاطب.
قال ابن هشام: ومعتب بن قشير، وثعلبة والحارث ابنا حاطب، وهما من بني أمية بن زيد من أهل بدر وليسوا من المنافقين فيما ذكر لي من أثق به من أهل العلم.
قال: وقد ذكر ابن إسحاق: ثعلبة والحارث في بني أمية بن زيد في أسماء أهل بدر.
قال ابن إسحاق: وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف وبخرج، وكان ممن بني مسجد الضرار وعمرو بن حرام وعبد الله بن نبتل، وجارية بن عامر بن العطاف، وابناه يزيد ومجمع ابنا جارية وهم ممن اتخذ مسجد الضرار، وكان مجمع غلاما حدثا قد جمع أكثر القرآن وكان يصلي بهم فيه، فلما خرب مسجد الضرار - كما سيأتي بيانه بعد غزوة تبوك - وكان في أيام عمر سأل أهل قباء عمر أن يصلي بهم مجمع فقال: لا والله، أو ليس أمام المنافقين في مسجد الضرار؟
فحلف بالله ما علمت بشيء من أمرهم فزعموا: أن عمر تركه فصلى بهم.
قال: ووديعة بن ثابت وكان ممن بنى مسجد الضرار وهو الذي قال: إنما كنا نخوض ونلعب فنزل فيه ذلك.
قال: وخذام بن خالد وهو الذي أخرج مسجد الضرار من داره.
قال ابن هشام مستدركا على ابن إسحاق في منافقي بني النبيت من الأوس وبشر ورافع ابنا زيد.
قال ابن إسحاق: ومربع بن قيظي - وكان أعمى - وهو الذي قال لرسول الله ﷺ حين أجاز في حائطه وهو ذاهب إلى أحد: لا أحل لك إن كنت نبيا أن تمر في حائطي وأخذ في يده حفنة من تراب ثم قال: والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك لرميتك بها، فابتدره القوم ليقتلوه فقال رسول الله ﷺ: «دعوه فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر».
وقد ضربه سعد بن زيد الأشهلي بالقوس فشجه.
قال: وأخوه أوس بن قيظي وهو الذي قال لرسول الله ﷺ يوم الخندق: إن بيوتنا عورة.
قال الله: { وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارا } [الأحزاب:13] .
قال: وحاطب بن أمية بن رافع وكان شيخا جسيما قد عسا في جاهليته، وكان له ابن من خيار المسلمين يقال له: يزيد بن حاطب أصيب يوم أحد حتى أثبتته الجراحات، فحمل إلى دار بني ظفر.
فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: فإنه اجتمع إليه من بها من رجال المسلمين ونسائهم وهو يموت فجعلوا يقولون: أبشر بالجنة يا ابن حاطب.
قال: فنجم نفاق أبيه فجعل يقول: أجل جنة من حرمل، غررتم والله هذا المسكين من نفسه.
قال: وبشير بن أبيرق أبو طعمة سارق الدرعين الذي أنزل الله فيه: { ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم } الآيات.
قال: وقزمان حليف لبني ظفر الذي قتل يوم أحد سبعة نفر، ثم لما آلمته الجراحة قتل نفسه وقال: والله ما قاتلت إلا حمية على قومي ثم مات لعنه الله.
قال ابن إسحاق: لم يكن في بني عبد الأشهل منافق ولا منافقة يعلم إلا أن الضحاك بن ثابت كان يتهم بالنفاق وحب يهود فهؤلاء كلهم من الأوس.
قال ابن إسحاق: ومن الخزرج: رافع بن وديعة، وزيد بن عمرو، وعمرو بن قيس، وقيس بن عمرو بن سهل، والجد بن قيس وهو الذي قال: يا محمد ائذن لي ولا تفتني.
وعبد الله بن أبي بن سلول، وكان رأس المنافقين ورئيس الخزرج والأوس أيضا، كانوا قد أجمعوا على أن يملكوه عليهم في الجاهلية، فلما هداهم الله للإسلام قبل ذلك شرق اللعين بريقه وغاظه ذلك جدا، وهو الذي قال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، وقد نزلت فيه آيات كثيرة جدا.
وفيه وفي وديعة - رجل من بني عوف - ومالك بن أبي قوقل، وسويد وداعس، وهم من رهطه نزل قوله تعالى: { لئن أخرجوا لا يخرجون معهم } الآيات حين مالوا في الباطن إلى بني النضير.