مستخدم:Nehaoua/ملعب
نقلت
[عدل]يدخلها إلّا رجل واحد صفته كذا وكذا. وكانت تلك الصفة صفة عبد الله ابن قلابة ؛ فقال له معاوية : أمّا أنت يا عبد الله فأحسنت النصح ولكن لا سبيل لها. وأمر له بجائزة.
وحكي أنّهم عرفوا قبر شدّاد بن عاد بحضرموت وذلك أنّهم وقعوا في حفيرة وهي بيت في جبل منقورة مائة ذراع في أربعين ذراعا وفي صدره سرير عظيم من ذهب عليه رجل عظيم الجسم وعند رأسه لوح فيه مكتوب:
والله الموفّق للصواب.
بلاد متّصلة بأعلى عيذاب في غرب منه أهلها صنف من الحبش بها معادن الزمرذ. يحمل منها إلى سائر الدنيا ومعادنه في جبال هناك وزمرذها أحسن أصناف الزمرذ الأخضر السّلقي الكثير المائية يسقى المسموم منه فيبرأ وإذا نظرت الأفعى إليه سالت حدقتها.
مخلاف باليمن ؛ قال عمارة في تاريخه : بهذا المخلاف نوع من الشجر لأقوام معيّنين في أرض لهم وهم يشحّون به ويحفظونه من غيرهم مثل شجر البلسان بأرض مصر ؛ وليس ذلك الشجر إلّا لهم يأخذون منه سمّا يقتل به الملوك وذكر أن ملوك بني نجاح ووزراءهم أكثرهم قتلوا بهذا السمّ.
هي بلاد السودان في جنوب المغرب ؛ قال ابن الفقيه : هذه البلاد حرّها شديد جدّا. أهلها بالنهار يكونون في السراديب تحت الأرض والذهب ينبت في رمل هذه البلاد كما ينبت الجزر بأرضنا وأهلها يخرجون عند بزوغ الشمس ويقطفون الذهب وطعامهم الذّرة واللوبيا ولباسهم جلود الحيوانات وأكثر ملبوسهم جلد النمر والنمر عندهم كثير.
ومن سجلماسة إلى هذه البلاد ثلاثة أشهر والتجار من سجلماسة يمشون إليها بتعب شديد وبضايعهم الملح وخشب الصنوبر وخشب الأرز وخرز الزجاج والاسورة والخواتيم منه والحلق النحاسيّة.
وعبورهم على براري معطشة فيها سمايم بماء فاسد لا يشبه الماء إلّا في 11
في الميعان والسمايم تنشف المياه في الأسقية فلا يبقى الماء معهم إلّا أيّاما قلائل. فيحتالون بأن يستصحبوا معهم جمالا فارغة من الأحمال ويعطشونها قبل ورودهم الماء الذي يدخلون منه في تلك البراري ثمّ أوردوها على الماء نهلا وعللا حتى تمتلي أجوافها ويشدون أفواهها كي لا تجتر فتبقى الرطوبة في أجوافها فإذا نشف ما في أسقيتهم واحتاجوا إلى الماء نحروا جملا جملا وترمّقوا بما في بطونها وأسرعوا بالسير حتى يردوا مياها أخرى وحملوا منها في أسقيتهم.
وهكذا ساروا بعناء شديد حتى قدموا الموضع الذي يحجز بينهم وبين أصحاب التبر فعند ذلك ضربوا طبولا ليعلم القوم وصول القفل. يقال : انّهم في مكان وأسراب من الحرّ وعراة كالبهائم لا يعرفون الستر. وقيل : يلبسون شيئا من جلود الحيوان فإذا علم التجار أنّهم سمعوا صوت الطبل أخرجوا ما معهم من البضائع المذكورة فوضع كلّ تاجر بضاعته في جهة منفردة عن الأخرى وذهبوا وعادوا مرحلة فيأتي السودان بالتبر ووضعوا بجنب كلّ متاع شيئا من التبر وانصرفوا. ثمّ يأتي التجار بعدهم فيأخذ كلّ واحد ما وجد بجنب بضاعته من التبر ويترك البضاعة وضربوا بالطبول وانصرفوا ولا يذكر أحد من هؤلاء التجّار أنّه رأى أحدا منهم.
هي أرض واسعة شمالها الخليج البربري وجنوبها البرّ. وشرقها الزنج وغربها البجة. الحرّ بها شديد جدّا وسواد لونهم لشدّة الاحتراق وأكثر أهلها نصاري يعاقبة والمسلمون بها قليل. وهم من أكثر الناس عددا وأطولهم أرضا لكن بلادهم قليلة وأكثر أرضهم صحارى لعدم الماء وقلّة الأمطار وطعامهم الحنطة والدخن وعندهم الموز والعنب والرمان ولباسهم الجلود والقطن.
ومن الحيوانات العجيبة عندهم : الفيل والزرافة. ومركوبهم البقر يركبونها بالسرج واللجام مقام الخيل وعندهم من الفيلة الوحشيّة كثير وهم يصطادونها.
فأمّا الزرافة فإنّها تتولّد عندهم من الناقة الحبشيّة والضبعان وبقر الوحش يقال لها بالفارسيّة «اشتركاوپلنك» رأسها كرأس الإبل وقرنها كقرن البقر وأسنانها كأسنانه وجلدها كجلد النمر وقوائمها كقوائم البعير وأظلافها كأظلاف البقر وذنبها كذنب الظباء ورقبتها طويلة جدّا ويداها طويلتان ورجلاها قصيرتان.
وحكى طيماث الحكيم أنّه بجانب الجنوب قرب خطّ الاستواء في الصيف تجتمع حيوانات مختلفة الأنواع على مصانع الماء من شدّة العطش والحرّ فيسفد نوع غير نوعه فتولد حيوانات غريبة مثل الزرافة فإنّها من الناقة
الحبشيّة والبقرة الوحشيّة والضبعان وذلك أن الضبعان يسفد الناقة الحبشيّة فتأتي بولد عجيب من الضبعان والناقة فإن كان ذلك الولد ذكرا ويسفد البقرة الوحشيّة أتت بالزرافة.
ولهم ملك مطاع يقال له أبرهة بن الصبّاح. ولمّا مات ذو يزن وهو آخر الأذواء من ملوك اليمن استولى الحبشة على اليمن وكان عليها أبرهة من قبل النجاشي فلمّا دنا موسم الحجّ رأى الناس يجهزّون للحجّ فسأل عن ذلك فقالوا : هؤلاء يحجّون بيت الله بمكّة. قال : فما هو؟ قالوا : بيت من حجارة.
قال : لأبنينّ لكم بيتا خيرا منه! فبنى بيتا من الرخام الأبيض والأحمر والأصفر والأسود وحلّاه بالذهب والفضّة ورصّعه بالجواهر وجعل أبوابه من صفائح من ذهب وجعل للبيت سدنة ودخنه بالمندليّ وأمر الناس بحجّه وسمّاه القليّس وكتب إلى النجاشي : إني بنيت لك كنيسة ما لأحد من الملوك مثلها! أريد أصرف إليه حجّ العرب. فسمع بذلك رجل من بني مالك بن كنانة انتهز الفرصة حتى وجدها خالية فقعد فيها ولطخها بالنجاسة.
فلّا عرف ابرهة ذلك اغتاظ وآلى أن يمشي إلى مكّة ويخرّب الكعبة غيظا على العرب. فجمع عساكره من الحبشة ومعه اثنا عشر فيلا فلمّا دنا من مكّة أمر أصحابه بالتأهّب والغارة فأصابوا مائتي إبل لعبد المطّلب جدّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وبعث أبرهة رسولا إلى مكّة يقول : إني ما جئت لقتالكم إلّا أن تقاتلوني! وإنّما جئت لخراب هذا البيت والانصراف عنكم! فقال عبد المطّلب وهو رئيس مكّة إذ ذاك : ما لنا قوّة قتالك وللبيت ربّ يحفظه هو بيت الله ومبنى خليله! فذهب عبد المطّلب إليه فقيل له : إنّه صاحب عير مكّة وسيّد قريش فأدخله وكان عبد المطّلب رجلا وسيما جسيما فلمّا رآه أكرمه فقال له الترجمان : الملك يقول ما حاجتك؟ فقال : حاجتي مائتا بعير أصابها. فقال ابرهة للترجمان : قد كنت أعجبتني حين رأيتك وقد زهدت فيك لأني جئت لهدم بيت هو دينك ودين آبائك! جئت ما تكلّمت فيه وتكلّمت في الإبل! فقال عبد المطّلب : أنا ربّ هذه العير وللبيت ربّ سيمنعه! فردّ إليه إبله فعاد عبد المطّلب وأخبر القوم بالحال فهربوا وتفرّقوا في شعاب الجبال خوفا فأتى عبد المطّلب الكعبة وأخذ بحلقة الباب وقال :
وترك عبد المطّلب الحلقة وتوجّه مع قومه في بعض الوجوه فالحبش قاموا بفيلهم قاصدين مكّة فبعث الله من جانب البحر طيرا أبابيل مثل الخطّاف مع كلّ طائر ثلاثة أحجار : حجران في رجليه وحجر في منقاره على شكل الحمّص. فلمّا غشين القوم أرسلنها عليهم فلم تصب أحدا إلّا هلك فذلك قوله تعالى : وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجّيل فجعلهم كعصف مأكول.
ومنها النجاشي الذي كان في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واسمه أصحمة كان وليّا من أولياء الله يبعث إلى رسول الله الهدايا والنبي صلّى الله عليه وسلّم يقبلها. وفي يوم مات أخبر جبرائيل عليه السلام رسول الله بذلك مع بعد المسافة وكان ذلك معجزة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في يوم موته صلّى عليه الصلاة مع أصحابه وهو ببلاد الحبشة.
مسيرة شهرين شمالها اليمن وجنوبها الفيافي وشرقها النوبة وغربها الحبشة وجميع السودان من ولد كوش بن كنعان بن حام وبلاد الزنج شديدة الحرّ جدّا وحلكة سوادهم لاحتراقهم بالشمس. وقيل : إن نوحا عليه السلام دعا على ابنه حام فاسودّ لونه وبلادهم قليلة المياه قليلة الأشجار سقوف بيوتهم من عظام الحوت.
زعم الحكماء أنّهم شرار الناس ولهذا يقال لهم سباع الإنس. قال جالينوس : الزنج خصّصوا بأمور عشرة : سواد اللون وفلفلة الشعر وفطس الأنف وغلظ الشفة وتشقق اليد والكعب ونتن الرائحة وكثرة الطرب وقلّة العقل وأكل بعضهم بعضا فإنّهم في حروبهم يأكلون لحم العدو ومن ظفر بعدوّ له أكله.
وأكثرهم عراة لا لباس لهم ولا يرى زنجيّ مغموما الغمّ لا يدور حولهم والطرب يشملهم كلّهم ؛ قال بعض الحكماء : سبب ذلك اعتدال دم القلب وقال آخرون : بل سببه طلوع كوكب سهيل عليهم كلّ ليلة فإنّه يوجب الفرح.
وعجائب بلادهم كثيرة منها كثرة الذهب ومن دخل بلادهم يحبّ القتال وهواؤهم في غاية اليبوسة لا يسلم أحد من الجرب حتى يفارق تلك البلاد.
والزنوج إذا دخلوا بلادنا وآنقهم هذه البلاد استقامت أمزجتهم وسمنوا.
ولهم ملك اسمه اوقليم يملك سائر بلاد الزنج في ثلاثمائة ألف رجل. ودوابهم البقر يحاربون عليها بالسرج واللجم تمشي مشي الدواب ولا خيل لهم ولا بغال ولا إبل وليس لهم شريعة يراجعونها بل رسوم رسمها ملوكهم وسياسات.
وفي بلادهم الزرافة والفيل كثيرة وحشيّة في الصحارى يصطادها الزنوج.
ولهم عادات عجيبة منها أنّ ملوكهم إذا جاروا قتلوهم وحرموا عقبة الملك
ويقولون : الملك إذا جار لا يصلح أن يكون نائب ملك السموات والأرض.
ومنها أكل العدوّ إذا ظفر به. وقيل : إن عادة بعضهم ليس عادة الكلّ. ومنها اتّخاذ نبيذ من شربها طمس عقله ؛ قيل : إنّها مأخوذة من النارجيل يسقون منها من أرادوا الكيد به. ومنها التحلّي بالحديد مع كثرة الذهب عندهم يتّخذون الحليّ من الحديد كما يتّخذ غيرهم من الذهب والفضّة يزعمون أن الحديد ينفرّ الشيطان ويشجّع لابسه. ومنها قتالهم على البقر وانّها تمشي كالخيل قال المسعودي : رأيت من هذا البقر وانّها حمر العيون يبرك كالإبل بالحمل ويثور بحمله. ومنها اصطيادهم الفيل وتجاراتهم على عظامها وذلك لأن الفيل الوحشيّة ببلاد الزنج كثيرة والمستأنسة أيضا كذلك والزنج لا يستعملونها في الحرب ولا في العمل بل ينتفعون بعظامها وجلودها ولحومها وذاك أن عندهم ورقا يطرحونها في الماء فإذا شرب الفيل من ذلك الماء أسكره فلا يقدر على المشي فيخرجون إليه ويقتلونه وعظام الفيل وأنيابها تجلب من أرض الزنج وأكثر أنيابه خمسون منّا إلى مائة منّ وربّما يصل إلى ثلاثمائة منّ.
هي بلاد كثيرة وأرض واسعة ينتهي شمالها إلى أرض البربر وجنوبها إلى البراري وشرقها إلى الحبشة وغربها إلى البحر المحيط. أرضها محترقة لتأثير الشمس فيها والحرارة بها شديدة جدّا لأنّ الشمس لا تزال مسامتة لرؤوسهم وأهلها عراة لا يلبسون من شدّة الحرّ منهم مسلمون ومنهم كفّار.
أرضهم منبت الذهب وبها حيوانات عجيبة : كالفيل والكركدن والزرافة.
وبها أشجار عظيمة لا توجد في غيرها من البلاد.
وحدّثني الفقيه علي الجنحاني المغربي أنّه شاهد تلك البلاد ذكر أنّ أهلها اتّخذوا بيوتهم على الأشجار العظيمة من الأرضة وان الأرضة بها كثيرة جدّا ولا يتركون شيئا من الأثاث والطعام على وجه الأرض إلّا وأفسده الارضة فجميع قماشهم وطعامهم في البيوت التي اتّخذوها على أعالي الأشجار. وذكر رحمه الله انّه أوّل ما نزل بها نام في طرف منها فما استيقظ إلّا والارضة قرضت من ثيابه ما كان يلاقي وجه الأرض. بلاد النّوبة
أرض واسعة في جنوبي مصر وشرقي النيل وغربيّه. هي بلاد واسعة وأهلها أمّة عظيمة نصارى بعامتهم ولهم ملك اسمه كابيل يزعمون أنّه من نسل حمير ؛ قال صلّى الله عليه وسلّم : خير سبيكم النوبة. وقال أيضا : من لم يكن له أخ فليتّخذ أخا نوبيّا.
ومن عاداتهم تعظيم الملك الذي اسمه كابيل وهو يوهم أنّه لا يأكل ويدخلون الطعام عليه سرّا فإن عرف ذلك أحد من الرعيّة قتلوه لوقته
ويشرب شرابا من الذّرة مقوّى بالعسل ولبسه الثياب الرفيعة من الصوف والخزّ والديباج وحكمه نافذ في رعيته ويده مطلقة يسترق من شاء ويتصرّف في أموالهم وهم يعتقدون أنّه يحيي ويميت ويصحّ ويمرض.
وجرى ذكر ملك النوبة في مجلس المهدي أمير المؤمنين فقال بعض الحاضرين إن له مع محمّد بن مروان قصّة عجيبة فأمر المهدي بإحضار محمّد بن مروان وسأله عمّا جرى بينه وبين ملك النوبة فقال : لمّا التقينا أبا مسلم بمصر وانهزمنا وتشتّت جمعنا وقعت أنا بأرض النوبة فأحببت أن يمكنني ملكهم من المقام عنده زمانا فجاءني زائرا وهو رجل طويل أسود اللون فخرجت إليه من قبّتي وسألته أن يدخلها فأبى أن يجلس إلّا خارج القبّة على التراب. فسألته عن ذلك فقال : إن الله تعالى أعطاني الملك فحقّ عليّ أن أقابله بالتواضع.
ثمّ قال لي : ما بالكم تشربون النبيذ وانّها محرّمة في ملّتكم؟ قلت : نحن ما نفعل ذلك وإنّما يفعله بعض فساق أهل ملّتنا! فقال : كيف لبست الديباج ولبسه حرام في ملّتكم؟ قلت : إن الملوك الذين كانوا قبلنا وهم الأكاسرة كانوا يلبسون الديباج فتشبّهنا بهم لئلا تنقص هيبتنا في غير الرعايا. فقال : كيف تستحلّون أخذ أموال الرعايا من غير استحقاق؟ قلت : هذا شيء لا نفعله نحن ولا نرضى به وإنّما يفعله بعض عمّالنا السوء! فأطرق وجعل يردّد مع نفسه : يفعله بعض عمّالنا السوء! ثمّ رفع رأسه وقال : إن لله تعالى فيكم نعمة ما بلغت غايتها اخرج من أرضي حتى لا يدركني شؤمك! ثمّ قام ووكّل بي حتى ارتحلت من أرضه والله الموفق.
بلدة في جنوبي المغرب بقرب البحر المحيط حدّثني الفقيه علي الجنحاني أنّه دخلها فوجد سور المدينة من الملح وكذلك جميع حيطانها وكذلك السواري والسقوف وكذلك الأبواب فإنّها من صفائح ملحيّة مغطاة بشيء من جلد الحيوان كي لا يتشعّب أطرافها. وذكر أن جميع ما حول هذه المدينة من الأراضي سبخة وفيها معدن الملح والشبّ وإذا مات بها شيء من الحيوان يلقى في الصحراء فيصير ملحا والملح بأرض السودان عزيز جدّا والتجّار يجلبونه من تغارة إلى سائر بلادهم يبتاع كلّ وقر بمائة دينار.
ومن العجب أن هذه المدينة أرضها سبخة جدّا ومياه آبارهم عذبة وأهلها عبيد مسوّفة ومسوفة قبيلة عظيمة من البربر. وأهل تغارة في طاعة امرأة من إماء مسوّفة شغلهم جمع الملح طول السنة. يأتيهم القفل في كلّ سنة مرّة يبيعون الملح ويأخذون من ثمنه قدر نفقاتهم والباقي يؤدّونه إلى ساداتهم من مسوّفة وليس بهذه
المدينة زرع ولا ضرع ومعاشهم على الملح كما ذكرنا.
مدينة في بلاد السودان عظيمة مشهورة قال الفقيه علي الجنحاني المغربي : شاهدتها وهي مدينة عظيمة لا سور لها وأهلها مسلمون وكفّار والملك فيها للمسلمين وأهلها عراة رجالهم ونساؤهم إلّا أشراف المسلمين فإنّهم يلبسون قميصا طولها عشرون ذراعا ويحمل ذيلهم معهم خدمهم للحشمة ونساء الكفّار يسترن قبلهنّ بخرزات العقيق ينظمنها في الخيوط ويعلقنها عليهن ومن كانت نازلة الحال فخرزات من العظم.
وذكر أيضا أن الزرافة بها كثيرة يجلبونها ويذبحونها مثل البقر والعسل والسمن والأرز بها رخيص جدّا. وبها حيوان يسمّى لبطى يؤخذ من جلده المجنّ يبتاع كلّ مجنّ بثلاثين دينارا وخاصيّته أن الحديد لا يعمل فيه البتّة.
وحكى أنّه لمّا كان بها إذ ورد قاصد من بعض عمّال الملك يقول : قد دهمنا سواد عظيم لا نعرف ما هو. فاستعدّ الملك للقتال وخرج بعساكره فإذا فيلة كثيرة جاوزت العدّ والحصر فجاءت حتى ترد الماء بقرب تكرور فقال الملك : احشوها بالنبل. فلم يكن يعمل فيها شيء من النبال وكانت تخفي خراطيمها تحت بطنها لئلّا يصيبها النبل وإذا أصاب شيئا من بدنها أمرّت عليها الخرطوم ورمتها فشربت الماء ورجعت. والله الموفق.
مدينة بأقصى بلاد المشرق عن ابن عبّاس رضي الله عنه قال : إن بأقصى المشرق مدينة اسمها جابرس أهلها من ولد ثمود وبأقصى المغرب مدينة اسمها جابلق أهلها من ولد عاد ففي كلّ واحد بقايا من الأمّتين. يقول اليهود : إن أولاد موسى عليه السلام هربوا في حرب بخت نصّر فسيّرهم الله تعالى وأنزلهم بجابرس وهم سكّان ذلك الموضع لا يصل إليهم أحد ولا يحصى عددهم. وعن ابن عبّاس رضي الله عنه أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في ليلة أسري به قال لجبريل عليه السلام : إني أحبّ أن أرى القوم الذين قال الله تعالى فيهم : ومن قوم موسى أمّة يهدون بالحقّ وبه يعدلون. فقال جبريل عليه السلام : بينك وبينهم مسيرة ستّ سنين ذاهبا وستّ سنين راجعا وبينك وبينهم نهر من رمل يجري كجري السهم لا يقف إلّا يوم السبت لكن سل ربّك فدعا النبي صلّى الله عليه وسلّم وأمّن جبريل عليه السلام فأوحى الله إلى جبريل أن أجبه إلى ما سأل فركب البراق وخطا خطوات فإذا هو بين أظهر القوم فسلّم عليهم فسألوه : من أنت؟ فقال : أنا النبيّ الاميّ! فقالوا : نعم أنت الذي بشّر بك موسى عليه السلام وإن أمّتك لولا
ذنوبها لصافحتها الملائكة قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : رأيت قبورهم على باب دورهم فقلت لهم : لم ذاك؟ قالوا : لنذكر الموت صباحا ومساء وإن لم نفعل ذلك ما نذكر إلّا وقتا بعد وقت! فقال صلّى الله عليه وسلّم : ما لي أرى بنيانكم مستويا؟ قالوا : لئلّا يشرف بعضنا على بعض ولئلّا يسدّ بعضنا الهواء عن بعض. فقال صلّى الله عليه وسلّم : ما لي لا أرى فيكم سلطانا ولا قاضيا؟ فقالوا : أنصف بعضنا بعضا وأعطينا الحقّ من أنفسنا فلم نحتج إلى أحد ينصف بيننا فقال صلّى الله عليه وسلّم : ما لأسواقكم خالية؟ فقالوا : نزرع جميعا ونحصد جميعا فيأخذ كلّ رجل منّا ما يكفيه ويدع الباقي لأخيه. فقال صلّى الله عليه وسلّم : ما لي أرى هؤلاء القوم يضحكون؟ قالوا : مات لهم ميت! قال : ولم يضحكون؟ قالوا : سرورا بأنّه قبض على التوحيد! قال صلّى الله عليه وسلّم : وما لهؤلاء يبكون؟ قالوا : ولد لهم مولود وهم لا يدرون على أيّ دين يقبض. قال صلّى الله عليه وسلّم : إذا ولد لكم مولود ذكر ماذا تصنعون؟ قالوا : نصوم لله شهرا شكرا. قال : وإن ولدت لكم انثى؟ قالوا : نصوم لله شهرين شكرا لأنّ موسى عليه السلام أخبرنا أن الصبر على الأنثى أعظم أجرا من الصبر على الذكر. قال صلّى الله عليه وسلّم : أفتزنون؟ قالوا : وهل يفعل ذلك أحد إلّا حصبته السماء من فوقه وخسفت به الأرض من تحته؟ قال : افتربون؟
قالوا : إنّما يربي من لا يؤمن رزق الله! قال : أفتمرضون؟ قالوا : لا نذنب ولا نمرض وإنّما تمرض أمّتك ليكون كفّارة لذنوبهم. قال صلّى الله عليه وسلّم : أفلكم سباع وهوام؟ قالوا : نعم تمرّ بنا ونمرّ بها فلا تؤذينا.
فعرض عليهم النبيّ. صلّى الله عليه وسلّم شريعته فقالوا : كيف لنا بالحجّ وبيننا وبينه مسافة بعيدة؟ فدعا النبي صلّى الله عليه وسلّم قال ابن عبّاس : تطوى لهم الأرض حتى يحجّ من يحجّ منهم مع الناس.
قال : فلمّا أصبح النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخبر من حضر من قومه وكان فيهم أبو بكر رضي الله عنه قال : إن قوم موسى بخير فعلم الله تعالى ما في قلوبهم فأنزل : وممّن خلقنا أمّة يهدون بالحقّ وبه يعدلون. فصام أبو بكر شهرا واعتق عبدا إذ لم يفضل الله أمة موسى على أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
هي بلاد على ساحل بحر الصين ممّا يلي بلاد الهند وفي زماننا هذا لا يصل التجّار من أرض الصين إلّا إلى هذه البلاد والوصول إلى ما سواها من بلاد الصين متعذّر لبعد المسافة واختلاف الأديان والتجّار يجلبون من هذه البلاد العود الجاوي والكافور والسنبل والقرنفل والبسباسة والغضائر الصيني منها يجلب إلى سائر البلاد.
ويقال لها أيضا جزاير السعادات وانّها في البحر
المحيط في أقصى المغرب كان بها مقام جمع من الحكماء بنوا عليها ابتداء طول العمارات قال أبو الريحان الخوارزمي : هي ستّ جزاير واغلة في البحر المحيط قريبات من مائتي فرسخ وإنّما سميّت بجزاير السعادات لأن غياطها أصناف الفواكه والطيب من غير غرس وعمارة وأرضها تحمل الزرع مكان العشب وأصناف الرياحين العطرة بدل الشوك.
قالوا : في كلّ جزيرة صنم طوله مائة ذراع كالمنار ليهتدى بها وقيل : إنّما عملوا ذلك ليعلم أن ليس بعد ذلك مذهب فلا يتوسّط البحر المحيط والله أعلم بذلك.
في بحر الصين ؛ قال محمّد بن زكريّاء الرازي : بها ناس عراة لا يفهم كلامهم لأنّه مثل الصفير طول أحدهم أربعة أشبار شعورهم زغب أحمر يتسلّقون على الأشجار وبها الكركدن وجواميس لا أذناب لها وبها من الجواهر والافاويه ما لا يحصى وبها شجر الكافور والخيزران والبقمّ وعروق هذا البقّم دواء من سمّ الأفاعي وحمله شبه الخرنوب وطعمه طعم العلقم.
وقال ابن الفقيه : بها ناس عراة رجال ونساء على أبدانهم شعور تغطي سوآتهم وهم أمّة لا يحصى عددها مأكولهم ثمار الأشجار وإذا اجتاز بهم شيء من المراكب يأتونه بالسباحة مثل هبوب الريح وفي أفواههم عنبر يبيعونه بالحديد.
إنّها جزيرة عظيمة في حدود الصين ممّا يلي بلاد الهند بها أشياء عجيبة ومملكة بسيطة وملك مطاع يقال له المهراج ؛ قال محمّد بن زكريّاء : للمهراج جباية تبلغ كلّ يوم مائتي منّ ذهبا يتّخذها لبنات ويرميها في الماء والماء بيت ماله وقال أيضا : من عجائب هذه الجزيرة شجر الكافور وانّه عظيم جدّا يظلّ مائة إنسان وأكثر يثقب أعلى الشجر فيسيل منه ماء الكافور عدّة جرار ثمّ يثقب أسفل من ذلك وسط الشجرة فينساب منها قطع الكافور وهو صمغ تلك الشجرة غير أنّه في داخلها فإذا أخذت ذلك منه يبست الشجرة.
وحكى ماهان بن بحر السيرافي قال : كنت في بعض جزاير زانج فرأيت بها وردا كثيرا أحمر وأصفر وأزرق وغير ذلك فأخذت ملاءة حمراء وجعلت فيها شيئا من الورد الأزرق فلمّا أردت حملها رأيت نارا في الملاءة واحترق ما فيها من الورد ولم تحترق الملاءة فسألت عنها فقالوا : إن في هذا الورد منافع كثيرة لكن لا يمكن إخراجها من هذه الغيطة.
وقال ابن الفقيه :
بهذه الجزيرة قوم على صورة البشر إلّا أن أخلاقهم بالسباع أشبه يتكلّم بكلام لا يفهم ويطفر من شجرة إلى شجرة. وبها صنف من السنانير لها أجنحة كأجنحة الخفافيش من الأذن إلى الذنب وبها وعول كالبقر الجبليّة ألوانها حمر منقّطة ببياض وأذنابها كأذناب الظباء ولحومها حامضة وبها دابّة الزباد وهي شبيهة بالهرّ يجلب منها الزباد وبها فارة المسك.
وبها جبل النصبان وهو جبل فيه حيّات عظام تبلع البقر والجاموس ومنها ما يبلع الفيل وبها قردة بيض كأمثال الجواميس والكباش وبها صنف آخر بيض الصدر سود الظهر.
وقال زكرياء بن محمّد بن خاقان : بجزيرة زانج ببغاء بيض وصفر وحمر يتكلّم بأيّ لغة يكون وبها طواويس رقط وخضر وبها طير يقال له الحوارى دون الفاختة أبيض البطن أسود الجناحين أحمر الرجلين أصفر المنقار وهو أفصح من الببغاء والله الموفق للصواب.
جزيرة بعيدة عن العمران في بحر الجنوب حكى يعقوب بن إسحاق السرّاج قال : رأيت رجلا في وجهه خموش فسألته عن ذلك فقال : خرجنا في مركب فألقتنا الريح إلى جزيرة لم نقدر أن نبرح عنها فأتانا قوم وجوههم وجوه الكلاب وسائر بدنهم كبدن الناس فسبق إلينا واحد ووقف الآخرون فساقنا إلى منازلهم فإذا فيها جماجم الناس وأسوقهم وأذرعهم فأدخلنا بيتا فإذا فيه إنسان أصابه مثل ما أصابنا فجعلوا يأتوننا بالفواكه والمأكول فقال لنا الرجل : إنّما يطعمونكم لتسمنوا فمن سمن أكلوه قال : فكنت أقصّر في الأكل حتى لا أسمن فأكلوا الكلّ وتركوني وذاك الرجل لأني كنت أقصّر في الأكل حتى لا أسمن فأكلوا الكلّ وتركوني وذاك الرجل لأني كنت نحيفا والرجل كان عليلا فقال لي الرجل : قد حضر لهم عيد يخرجون إليه بأجمعهم ويمكثون ثلاثا فإن أردت النجاة فانج بنفسك! وأمّا أنا فقد ذهبت رجلاي لا يمكنني الذهاب. واعلم أنّهم أسرع شيء طلبا وأشدّ اشتياقا وأعرف بالاثر إلّا من دخل تحت شجرة كذا فإنّهم لا يطلبونه ولا يقدرون عليه. قال : فخرجت أسير ليلا وأكمن النهار تحت الشجرة فلمّا كان اليوم الثالث رجعوا وكانوا يقصّون أثري فدخلت تحت الشجرة فانقطعوا عني ورجعوا فأمنت.
حكى الرجل المخموش وقال : بينا أنا أسير في تلك الجزيرة إذ رفعت لي أشجار كثيرة فانتهيت إليها فإذا بها من كلّ الفواكه وتحتها رجال كأحسن ما يكون صورة فقعدت عندهم لا أفهم كلامهم ولا يفهمون كلامي فبينا أنا جالس معهم إذ وضع أحدهم يده على عاتقي فإذا هو على رقبتي ولوى رجليه عليّ وأنهضني فجعلت أعالجه لأطرحه
فخمشني في وجهي فجعلت أدور به على الأشجار وهو يقطف ثمرها يأكل ويرمي إلى أصحابه وهم يضحكون فبينا أنا أسير به في وسط الأشجار إذ أصاب عينيه عيدان الأشجار فعمي فعمدت إلى شيء من العنب وأتيت نقرة في صخرة عصرته فيها ثمّ أشرت إليه أن اكرع فكرع منها فتحلّلت رجلاه فرميت به فأثر الخموش من ذلك في وجهي.
حدّث يعقوب بن إسحاق السرّاج قال : رأيت رجلا من أهل رومية قال : خرجت في مركب فانكسر وبقيت على لوح فألقتني الريح إلى بعض الجزائر فوصلت بها إلى مدينة فيها أناس قاماتهم قدر ذراع وأكثرهم عور فاجتمع عليّ جماعة وساقوني إلى ملكهم فأمر بحبسي فانتهوا بي إلى شيء مثل قفص الطير أدخلوني فيه فقمت فكسرته وصرت بينهم فآمنوني فكنت أعيش فيهم.
فإذا في بعض الأيّام رأيتهم يستعدّون للقتال فسألتهم عن ذلك فأومأوا إلى عدوّ لهم يأتيهم في هذا الوقت فلم تلبث أن طلعت عليهم عصابة من الغرانيق وكان عورهم من نقر الغرانيق أعينهم فأخذت عصا وشددت على الغرانيق فطارت ومشت فأكرموني بعد ذلك إلى أن وجدت جذعين وشددتهما بلحاء الشجر وركبتهما فرمتني الريح إلى رومية.
وقد حكى أرسطاطاليس في كتاب الحيوان تصحيح ما ذكر وقال : إن الغرانيق تنتقل من خراسان إلى ما بعد مصر حيث يسيل ماء النيل وهناك تقاتل رجالا قاماتهم قدر ذراع.
في بحر الصين فيها نساء لا رجل معهنّ أصلا وإنّهنّ يلقحن من الريح ويلدن النساء مثلهن وقيل : إنّهنّ يلقحن من ثمرة شجرة عندهن يأكلن منها فيلقحن ويلدن نساء.
حكى بعض التجّار أن الريح ألقته إلى هذه الجزيرة قال : فرأيت نساء لا رجال معهن ورأيت الذهب في هذه الجزيرة مثل التراب ورأيت من الذهب قضبانا كالخيزران فهممن بقتلي فحمتني امرأة منهن وحملتني على لوح وسيّبتني في البحر فألقتني الريح إلى بلاد الصين فأخبرت صاحب الصين بحال الجزيرة وما فيها من الذهب فبعث من يأتيه بخبرها فذهبوا ثلاث سنين ما وقعوا بها فرجعوا.
إنّها في بحر الصين وتتّصل بجزائر زانج والمسير إليها بالنجوم قالوا : إنّها ألف وستّمائة جزيرة وإنّما سمّيت بهذا الاسم لأن بها شجرة لها ثمرة على صور النساء معلّقات من الشجرة بشعورها وإذا أدركت يسمع
منها صوت واق واق وأهل تلك البلاد يفهمون من هذا الصوت شيئا يتطيّرون به.
قال محمّد بن زكرياء الرازي : هي بلاد كثيرة الذهب حتى ان أهلها يتّخذون سلاسل كلابهم وأطواق قرودهم من الذهب ويأتون بالقمصان المنسوجة من الذهب.
وحكى موسى بن المبارك السيرافي أنّه دخل هذه البلاد وقد ملكتها امرأة وأنّه رآها على سرير عريانة وعلى رأسها تاج وعندها أربعة آلاف وصيفة عراة أبكارا.
واد بأرض عاد كان ذا ماء وشجر وعشب وخيرات كثيرة منها حمار بن مويلع كان له بنون خرجوا يتصيّدون فأصابتهم صاعقة فماتوا عن آخرهم فكفر حمار كفرا عظيما وقال : لا أعبد ربّا فعل بي هذا! ودعا قومه إلى الكفر فمن عصاه قتله وكان يقتل من مرّ به من الناس فأقبلت نار من أسفل الجوف فأحرقته ومن فيه وغاض ماؤه فضربت العرب به المثل وقالوا : أكفر من حمار! وقالوا أيضا : أخلى من جوف حمار. وقال شاعرهم :
أرض واسعة باليمن كثيرة الرياض والمياه طيّبة الهواء عذبة الماء منها ذو حرث الحميري واسمه مثوّب ؛ قال هشام بن محمّد الكلبي : كان ذو حرث من أهل بيت الملك يعجبه سياحة البلاد فأوغل في بعض أوقاته في بلاد اليمن فهجم على أرض فيحاء كثيرة الرياض فأمر أصحابه بالنزول وقال : يا قوم إن لهذه الأرض شأنا لما رأى من مياهها ورياضها ولم ير بها أنيسا فأوغل فيها حتى هجم على عين عظيمة نظيفة بها غاب ويكتنفها ثلاث آكام عظام
فإذا على شريعتها بيت صنم من الصخر حوله من مسوك الوحش وعظامها تلال.
فبينا هو كذلك إذ أبصر شخصا كالفحل المقرم قد تجلّل بشعره وذلاذله تنوش على عطفه وبيده سيف كاللجّة الخضراء فنكصت منه الخيل وأصرّت بآذانها ونفضت بأبوالها فقلنا : من أنت؟ فأقبل يلاحظنا كالقرم الصّؤول ووثب وثبة الفهد على ادنانا فضربه ضربة فقطّ عجز فرسه وثنّى بالفارس جزله جزلتين. فقال القيل : ليلحق فارسان برجالنا ليأتينا عشرون راميا.
فلم يلبث أن أقبلت الرماة ففرّقهم على الآكام الثلاث وقال : احشوه بالنبل
وان طلع عليكم فدهدهوا عليه الصخر وليحمل عليه الخيل من ورائه ففرّقنا الخيل للحملة وإنّها تشمئزّ عنه فأقبل يدنو ويختل وكلّما خالطه سهم أمرّ عليه ساعده وكسره في لحمه فضرب فارسا آخر فقطع فخذه بسرجه وما تحت السرج من
فرسه فصاح به القيل : ويلك! من أنت؟ فقال بصوت الرعد : أنا حرث لا أراع ولا ألاع! فمن أنت؟ قال : أنا مثوّب قال : إنّك لهو؟ قال : نعم. فقهقر وقال : اليوم انقضت المدّة وبلغت نهايتها العدّة لك كانت هذه السرارة ممنوعة.
ثمّ جلس وألقى سيفه وجعل ينزع النبل من بدنه فقلنا للقيل : قد استسلم؟ قال : كلّا لكنّه اعترف دعوة فإنّه ميّت فقال : عهد عليكم لتحفرنّني! فقال القيل : آكد عهد ثمّ كبا لوجهه فأقبلنا إليه فإذا هو ميت فأخذنا سيفه فلم يقدر أحد منّا يحمله على عنقه فأمر مثوّب فحفر له اخدود ألقي فيه واتّخذ مثوّب تلك الأرض منزلا وسمّاها حرث وسمّي مثوّب ذا حرث.
ووجد على أكمة صخرة مكتوب عليها : باسمك اللهمّ إله من سلف ومن غبر إنّك الملك الكبّار الخالق الجبّار ملكنا هذه المدّة وحمى لنا أقطارها وأصبارها وأسرابها وحيطانها وعيونها وصيرانها إلى انتهاء عدّة وانقضاء مدّة ثمّ يظهر علينا غلام ذو الباع الرحب والمضاء العضب فيتّخذها معمرا أعصرا ثمّ يجوز كما بدا وكلّ محتوم آت وكلّ مترقّب قريب ولا بدّ من فقدان الموجود وخراب المعمور.
ناحية باليمن مشتملة على مدينتين يقال لاحداهما شبام وللأخرى تريم وهي بقرب البحر في شرقي عدن وانّها بلاد قديمة.
حكى رجل من حضرموت قال : وجدنا بها فخّارا فيه سنبلة حنطة وامتلأ الظرف منها وزنّاها كانت منّا وكلّ حبّة منها كبيضة دجاجة.
وكان في ذلك الوقت شيخ له خمسمائة سنة وله ولد له أربعمائة سنة وولد ولد له ثلاثمائة سنة ؛ فذهبنا إلى ابن الابن قلنا : إنّه أقرب إلى الفهم والعقل فوجدناه مقيّدا لا يعرف الخير والشرّ. فقلنا : إذا كان هذا حال ولد الولد فكيف حال الأب والجدّ؟ فذهبنا إلى صاحب الأربعمائة سنة فوجدناه أقرب إلى الفهم من ولده فذهبنا إلى صاحب الخمسمائة سنة فوجدناه سليم العقل والفهم فسألناه عن حال ولد ولده فقال : انّه كانت له زوجة سيّئة الخلق لا توافقه في شيء أصلا فأثر فيه ضيق خلقها ودوام الغمّ بمقاساتها وأمّا ولدي فكانت له زوجة توافقه مرّة وتخالفه أخرى فلهذا هو أقرب فهما منه.
وأمّا أنا فلي زوجة موافقة في جميع الأمور مساعدة فلذلك سلم فهمي وعقلي! فسألناه عن السنبلة فقال : هذا زرع قوم من الأمم الماضية كانت ملوكهم عادلة وعلماؤهم أمناء وأغنياؤهم أسخياء وعوامّهم منصفة.
منها القاضي الحضرمي رحمه الله لمّا ولي القضاء أتى عليه سنتان لم يتقدّم إليه خصمان فاستعفى الملك وقال : إني آخذ معيشة القضاء ولا خصومة لأحد
فالأجرة لا تحلّ لي! فاستبقاه الملك وقال : لعلّ الحاجة تحدث إلى أن تقدّمه خصيمان فقال أحدهما : اشتريت منه أرضا فظهر فيها كنز قل له حتى يقبضها! وقال الآخر : إني بعت الأرض بما فيها والكنز له! فقال القاضي : هل لكما من الأولاد؟ قالا : نعم. فزوّج بنت البائع من ابن المشتري وجعل الكنز لولديهما وصالحا على ذلك. وبها القصر المشيد الذي ذكره الله في القرآن بناه رجل يقال له صدّ ابن عاد وذلك أنّه لمّا رأى ما نزل بقوم عاد من الريح العقيم بنى قصرا لا يكون للريح عليه سلطان من شدّة إحكامه وانتقل إليه هو وأهله وكان له من القوّة ما كان يأخذ الشجرة بيده فيقلعها بعروقها من الأرض ويأكل من الطعام مأكول عشرين رجلا من قومه وكان مولعا من النساء تزوّج بأكثر من سبعمائة عذراء وولد له من كلّ واحدة ذكر وأنثى فلمّا كثر أولاده طغى وبغى وكان يقعد في أعالي قصره مع نسائه لا يمرّ به أحد إلّا قتله كائنا من كان حتى كثر قتلاه فأهلكه الله تعالى مع قومه بصيحة من السماء وبقي القصر خرابا لا يجسر أحد على دخوله لأنّه ظهر فيه شجاع عظيم وكان يسمع من داخله أنين كأنين المرضى وقد أخبر الله تعالى عنهم وأمثالهم بقوله : فكأيّن من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطّلة وقصر مشيد والبئر المعطّلة كانت بعدن سنذكرها إن شاء الله تعالى.
وبها قبر هود النبيّ عليه السلام ؛ قال كعب الأحبار : كنت في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في خلافة عثمان رضي الله عنه فإذا برجل قد رمقه الناس لطوله فقال : أيّكم ابن عمّ محمّد؟ قالوا : أيّ ابن عمّه؟ قال : ذاك الذي آمن به صغيرا فأومأوا إلى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال عليّ : ممّن الرجل؟ فقال : من اليمن من بلاد حضرموت. فقال عليّ : أتعرف موضع الأراك والسدرة الحمراء التي يقطر من أوراقها ماء في حمرة الدم؟ فقال الرجل : كأنّك سألتني عن قبر هود عليه السلام؟ فقال عليّ : عنه سألتك فحدّثني فقال : مضيت في أيّام شبابي في عدّة من شبّان الحيّ نريد قبره فسرنا إلى جبل شامخ فيه كهوف ومعنا رجل عارف بقبره حتى دخلنا كهفا فإذا نحن بحجرين عظيمين قد أطبق أحدهما على الآخر وبينهما فرجة يدخلها رجل نحيف وكنت أنا أنحفهم فدخلت بين الحجرين فسرت حتى وصلت إلى فضاء فإذا أنا بسرير عليه ميت وعليه أكفان كأنّها الهواء فمسست بدنه فكان علبا وإذا هو كبير العينين مقرون الحاجبين واسع الجبهة أسيل الحدّ طويل اللحية وإذا عند
رأسه حجر على شكل لوح عليه مكتوب : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله وقضى ربّك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه وبالوالدين إحسانا أنا هود بن الحلود بن عاد رسول الله إلى بني عاد بن عوض ابن سام بن نوح جئتهم بالرسالة وبقيت فيهم مدّة عمري فكذّبوني فأخذهم الله بالريح العقيم فلم يبق منهم أحد وسيجيء بعدي صالح بن كالوة فيكذّبه قومه فتأخذهم الصيحة؛ قال له عليّ رضي الله عنه : صدقت هكذا قبر هود عليه السلام.
وبها بئر برهوت وهي التي قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : ان فيها أرواح الكفّار والمنافقين وهي بئر عاديّة قديمة عميقة في فلاة وواد مظلم.
وعن عليّ رضي الله عنه قال : ابغض البقاع إلى الله تعالى وادي برهوت بحضرموت فيه بئر ماؤها أسود منتن يأوي إليه أرواح الكفّار.
وذكر الأصمعيّ عن رجل حضرميّ انّه قال : إنا نجد من ناحية برهوت رائحة منتنة فظيعة جدّا فيأتينا الخبر أن عظيما من عظماء الكفّار مات.
وحكى رجل أنّه بات ليلة بوادي برهوت قال : فكنت أسمع طول الليل يا دومه يا دومه فذكرت ذلك لبعض أهل العلم فقال : إن الملك الموكّل بأرواح الكفّار اسمه دومه.
وبها ماء الخنوثة ؛ قال ابن الفقيه : بحضرموت ماء بينها وبين النّوب من شربه يصير مخنّثا.
قريتان بقرب ذمار من أرض اليمن. قالوا : ليس بأرض اليمن أحسن وجها من نساء هاتين القريتين. وقالوا : الفواجر بهما كثيرة يقصدهما الناس من الأماكن البعيدة للفجور! قالوا : إن دلان ودموران كانا ملكين أخوين وكلّ واحد بنى قرية وسمّاها باسمه وكانا مشغوفين بالنساء وينافسان في الحسن والجمال والناس يجلبون من الأطراف البعيدة ذوات الجمال لهما فمن هناك أتى أهل القريتين الجمال وإلّا فالجمال بأرض اليمن كالسمك على اليبس والله الموفق.
مدينة عظيمة ببلاد النوبة ممتدّة على ساحل النيل طولها مسيرة ثمانين ليلة وعرضها قليل وهي منزل ملكهم كابيل وأهلها نصارى يعاقبة أرضهم محترقة لغاية الحرارة عندهم ومع شدّة احتراقها ينبت الشعير والحنطة والذرة.
ولهم نخل وكرم ومقل وأراك. وبلادهم أشبه شيء باليمن وبيوتهم أخصاص كلّها وكذلك قصور ملكهم.
وأهلها عراة مؤتزرون بالجلود والنمر عندهم كثيرة يلبسون جلودها والزرافة أيضا وهي دابّة عجيبة منحنية إلى خلفها لطول يديها وقصر رجليها وعندهم صنف من الإبل صغيرة الخلق قصيرة القوائم.
مخلاف باليمن وقال محمّد بن السائب : حكى لنا رجل من ذي الكلاع أن سيلا أقبل باليمن فخرق موضعا فأبدى عن أزج فإذا فيه سرير عليه ميت عليه جباب وشي مذهبة وبين يديه محجن من ذهب في رأسه ياقوتة حمراء وإذا لوح فيه مكتوب : بسم الله ربّ حمير أنا حسّان بن عمرو القيل حين لا قيل إلّا الله متّ زمان خرهيد وماهيد هلك فيه اثنا عشر ألف قيل وكنت آخرهم قيلا فأتيت ذات الشّعبين ليجيرني فأجفرني قالوا : لعلّ كان ذلك وقت الطاعون فمات من مات لفساد الهواء فأتى حسّان ذات الشعبين ليكون الهواء فيه أصحّ بسبب هبوبها من الشعبين فيسلم من الطاعون وما سلم.
مدينة ببلاد اليمن حكى أبو الربيع سليمان الزنجاني : انّه شاهد ذمار ورأى على مرحلة منها آثار عمارة قديمة قد بقي منها ستّة أعمدة من رخام وفوق أربعة منها أربعة أعمدة ودونها مياه كثيرة جارية قال : ذكر لي أهل تلك البلاد أن أحدا لا يقدر على خوض تلك المياه إلى تلك الأعمدة وما خاض أحد إلّا عدم وأهل تلك البلاد متّفقون على أنّها عرش بلقيس.
مدينة كانت بينها وبين صنعاء ثلاثة أيّام بناها سبأ بن يشجب بن يعرب ابن قحطان كانت مدينة حصينة كثيرة الأهل طيّبة الهواء عذبة الماء كثيرة الأشجار لذيذة الثمار كثيرة أنواع الحيوان وهي التي ذكرها الله تعالى : لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنّتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربّكم واشكروا له بلدة طيّبة وربّ غفور ؛ ما كان يوجد بها ذباب ولا بعوض ولا شيء من الهوام كالحيّة والعقرب ونحوهما.
وقد اجتمعت في ذلك الموضع مياه كثيرة من السيول فيمشي بين جبلين ويضيع في الصحارى وبين الجبلين مقدار فرسخين فلمّا كان زمان بلقيس الملكة بنت بين الجبلين سدّا بالصخر والقار وترك الماء العظيم خارج السدّ وجعلت في السدّ مثاعب أعلى وأوسط وأسفل ليأخذوا من الماء كلّ ما احتاجوا إليه فجفّت داخل السدّ ودام سقيها فعمرها الناس وبنوا وغرسوا وزرعوا فصارت أحسن بلاد الله تعالى وأكثرها خيرا كما قال الله تعالى : جنّتان عن يمين وشمال. وكان أهلها اخوة وبنو عمّ بنو حمير وبنو كهلان فبعث الله تعالى إليهم ثلاثة عشر نبيّا فكذّبوهم فسلط الله تعالى الجرذ على سدّهم. منها عمران بن عامر وكانت سيادة اليمن لولد حمير ولولد كهلان وكان كبيرهم عمران بن عامر وكان جوادا عاقلا وله ولأقربائه من الحدائق
ما لم يكن لأحد من ولد قحطان.
وكانت عندهم كاهنة اسمها طريفة قالت لعمران : والظلمة والضياء والأرض والسماء ليقبلنّ إليكم الماء كالبحر إذا طما فيدع أرضكم خلاء يسفي عليها الصّبا! فقالوا لها : فجعتنا بأموالنا فبيّني مقالتك! فقالت : انطلقوا إلى رأس الوادي لتروا الجرذ العادي يجرّ كلّ صخرة صيخاد بأنياب حداد وأظفار شداد! فانطلق عمران في نفر من قومه حتى أشرفوا على السدّ فإذا هم بجرذ أحمر فيقلع الحجر الذي لا يستقلّه رجال ويدفعه بمخاليب رجليه إلى ما يلي البحر ليفتح السدّ.
فلمّا رأى عمران ذلك علم صدق قول الكاهنة فقال لأهله : اكتموا هذا القول من بني عمّكم بني حمير لعلّنا نبيع حدائقنا منهم ونرحل عن هذه الأرض ثمّ قال لابن أخيه حارثة : إذا كان الغد واجتمع الناس أقول لك قولا خالفني وإذا شتمتك ردّها عليّ وإذا ضربتك فاضربني مثله! فقال : يا عم كيف ذلك؟ فقال عمران : لا تخالف فإن مصلحتنا في هذا.
فلمّا كان الغد واجتمع عند عمران أشراف قومه وعظماء حمير ووجوه رعيّته أمر حارثة أمرا فعصاه فضربه بمخصرة كانت بيده فوثب حارثة عليه واطمه فأظهر عمران الغضب وأمر بقتل ابن أخيه فوقع في حقّه الشفاعات.
فلمّا أمسك عن قتله حلف أن لا يقيم في أرض امتهن بها وقال وجوه قومه : ولا نقيم بعدك يوما! فعرضوا ضياعهم على البيع واشتراها بنو حمير بأعلى الأثمان فارتحل عن أرض اليمن فجاء السيل بعد رحيلهم بمدّة يسيرة وخربت البلاد كما قال تعالى : فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدّلناهم بجنّتيهم جنّتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل. فتفرّقوا في البلاد ويضرب بهم المثل فيقال : تفرّقوا أيادي سبا.
وكانوا عشرة أبطن : ستّة تيامنوا وهم كندة والأشعريون والأزد ومذحج وانمار وحمير وأربعة تشاءموا وهم عامرة وجذام ولخم وغسّان. وكانت هذه الواقعة بين مبعث عيسى ونبيّنا صلّى الله عليهما وسلّم.
مدينة في جنوب المغرب في طرف بلاد السودان في مقطع جبل درن في وسط رمل بها نهر كبير غرسوا عليه بساتين ونخيلا مدّ البصر. حدّثني بعض الفقهاء من المغاربة وقد شاهدها : ان مزارعها اثنا عشر فرسخا من كلّ جانب لكن لا يزرع في كلّ سنة إلّا خمسها ومن أراد الزيادة على ذلك منعوه وذلك لأن الريع إذا كثر لا يبقى له قيمة فلا يشتري من الطّنّاء بشيء. وبها أصناف العنب والتمر وأمّا تمرها فستّة عشر صنفا ما بين عجوة
27
ودقل.
ولنسائها يد صناع في غزل الصوف ويعمل منه كلّ عجيب حسن بديع من الأزر التي تفوق القصب ويبلغ ثمن الازار ثلاثين دينارا وأربعين كأرفع ما يكون من القصب ويتّخذن منه عقارات يبلغ ثمنها مثل ذلك مصبوغة بأنواع الألوان وأهل هذه المدينة من أغنى الناس وأكثرهم مالا لأنّها على طريق غانة التي هي معدن الذهب ولأهلها جرأة على دخول تلك البرية مع ما ذكر من صعوبة الدخول فيها وهي في بلاد التبر يعرف منها والله الموفق.
جزيرة في بحر هركند بأقصى بلاد الصين ؛ قال محمّد بن زكرياء : هي ثمانون فرسخا في ثمانين فرسخا لها ثلاثة ملوك كلّ واحد عاص على الآخر.
ومن عاداتهم أن يأخذوا من الجاني سبعة دراهم على جنايته والمديون إذا تقاعد عن اداء الدين بعث الملك إليه من يخطّ حوله خطّا أي مكان وجده فلا يجسر أن يخرج من الخطّ حتى يقضي الدين أو يحصّل رضاء الغريم. فإن خرج من الخطّ بغير إذن أخذ الملك منه ثلاثة أضعاف الدين ويسلّم ثلثه إلى المستحقّ ويأخذ الملك ثلثيه.
وإذا مات الملك يجعل في صندوق من العود والصندل ويحرق بالنار وترافقه زوجته حتى يحتزقا معا.
وبها أنواع العطر والافاويه والعود والنارجيل ودابّة المسك وأنواع اليواقيت ومعدن الذهب والفضّة ومغاص اللؤلؤ.
وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : خير بقعة ضربت إليها آباط الإبل مكّة ومسجدي هذا والمسجد الأقصى وجزيرة سرنديب فيها نزل أبونا آدم عليه السلام بها جبل أهبط عليه آدم عليه السلام وهو ذاهب في السماء يراه البحريّون من مسافة أيّام وفيه أثر قدم آدم عليه السلام وهي قدم واحدة مغموسة في الحجر. ويرى على هذا الجبل كلّ ليلة مثل البرق من غير سحاب وغيم ولا بدّ له كلّ يوم من مطر يغسل موضع قدم آدم عليه السلام.
ويقال إن الياقوت الأحمر يوجد على هذه الجبال يحدّره السيل منها إلى الحضيض وقطاع الماس أيضا والبلّور. وقالوا : أكثر أهل سرنديب مجوس وبها مسلمون أيضا ودوابّها في غاية الحسن لا تشبه دوابّنا إلّا بالنوع وبها كبش له عشرة قرون.
منها الشيخ الظريف سديد الدين السرنديبي ورد قزوين وأهل قزوين تبرّكوا به. وكان قاضي قزوين يدخل مع الولاة في الأمور الديوانيّة والعوامّ يكرهون ذلك فربّما عملوا غوغاة ونهبوا دار القاضي وخرّبوها فلمّا سكن السرنديبي قزوين وتبرّك القوم به كلّما كرهوا من القاضي وخرّبوها فلمّا سكن السرنديبي قزوين وتبرّك القوم به كلّما كرهوا من القاضي شيئا ذهبوا إلى السرنديبي وقالوا : قم ساعدنا على القاضي! فإذا خرج السرنديبي تبعه ألوف فالقاضي لقي من
السرنديبي التباريح.
فطلبه ذات يوم فلمّا دخل عليه تحرّك له وانبسط معه وسأله عن حاله ثمّ قال : إني أرى في هذه المدينة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متروكا ولست أرى من لا يأخذه في الله لومة لائم غيرك. وأخرج من داره قميصا غسل مرارا وعمامة عتيقة وأركبه على دابّة وغلمان الاحتساب في خدمته وكلّ من سمع بهذا استحسن وصار السرنديبي محتسبا.
فإذا في بعض الأيّام جاء شخص إلى السرنديبي وقال : في موضع كذا جماعة يشربون. فقام بأصحابه وذهب إليهم فأراق خمورهم وكسر ملاهيهم.
وكان القوم صبيانا جهّالا قاموا إليه وضربوه وضربوا أصحابه ضربا وجيعا فجاء السرنديبي إلى القاضي وعرّفه ذلك فالقاضي غضب وحولق وقال : ابصروا من كانوا أولئك فقالوا : ما نعرف منهم أحدا. ثمّ بعد أيّام قالوا للسرنديبي : في بستان كذا جماعة يشربون فذهب إليهم بأصحابه وأراق خمورهم وكسر ملاهيهم فقاموا وقتاوا أصحاب السرنديبي وجرحوه فعاد السرنديبي إلى بيته وأخذ القميص والعمامة وذهب إلى القاضي وقال : اخلع هذا على غيري فإني لست أهلا لذلك فقال القاضي : لا تفعل يا سديد الدين ولا تمنع الثواب! فقال له : دع هذا الكلام أنت غرضك اني أقتل وأجرح على يد غيرك وإني قد عرفت المقصود ولا أنخدع بعد ذلك.
آخر مدينة تعرف بأرض الزنج بها معدن الذهب والحكاية عنها كما مرّ في بلاد التبر من أن التجّار يحملون إليها الأمتعة ويضعونها في أرض قريبة منهم ويرجعون. ثمّ ان أهل سفالة وهم سودان يأتون ويتركون ثمن كلّ متاع بجنبه والذهب السّفالي معروف عند تجّار الزنج.
وبها الحواي وهو صنف من الطير يعيد ما سمع بصوت رفيع ولفظ صحيح أصحّ من الببغاء ولا يبقى أكثر من سنة وبها ببغاء بيض وحمر وخضر وقال محمّد بن الجهم : رأيت قوما يأكلون الذباب ويزعمون أنّه دافع للرمد ولا يرمدون شيئا البتّة.
مدينة بأرض اليمن ؛ قال ابن الحايك : كانت مدينة عظيمة ولها آثار عظيمة باقية يوجد بها قطاع الذهب والفضّة والحليّ وكان بها صنّاع الدروع المحكمة النسج قال الشاعر :
وبها الكلاب الضّواري وذاك لأن الكلاب بها يسفدها الذئاب فتأتي بالكلاب السلوقيّة وهي أخبث الكلاب ؛ قال الشاعر :
قرية بالحبشة بها صنّاع الرماح السّمهريّة وهي أحسن الرّماح ؛ قاله الصولي وقال غيره : إنّ هذه القرية في جوف النيل يأتيها من أرض الهند على رأس الماء كثير من القنا يجمعها أهل هذه القرية يستوقدون رذاله ويثقّفون جيّده ويبيعونه وهو بأرض الحبشة معروف يحمل منها إلى سائر البلاد والله الموفّق.
قصبة بلاد الصين ودار المملكة يشقّها نهر أحد شقيّه للملك والشقّ الآخر للعامّة ؛ قال مسعر بن مهلهل : دخلتها وهي مدينة عظيمة قطرها مسيرة يوم ولها ستّون شارعا كلّ شارع ينفذ إلى دار الملك ولها سور ارتفاعه تسعون ذراعا وعلى رأس السور نهر عظيم يتفرّق ستّين جزءا كلّ جزء ينزل على باب من أبوابها تلقاه رحى يصبّ إليها ثمّ إلى غيرها حتى يصبّ في الأرض. ثمّ يخرج نصفه تحت السور يسقي البساتين ويدخل نصفه المدينة ويدور في الشوارع كلّها وكلّ شارع فيه نهران : داخل يسقيهم وخارج يخرج بفضلاتهم.
وفيها من الزروع والبقول والفواكه والخيرات وأنواع الطيب كالقرنفل والدارصيني. وبها أنواع الجواهر كاليواقيت ونحوها والذهب الكثير. وأهلها حسان الوجوه قصار القدود عظام الرؤوس لباسهم الحرير وحليهم عظام الفيل والكركدن وأبوابهم آبنوس وفيهم عبدة الأوثان والمانويّة والمجوس ويقولون بالتناسخ.
ومنها خاقان ملك الصين الموصوف بالعدل والسياسة له سلسلة من ذهب أحد طرفيها خارج القصر والطرف الآخر عند مجلس الملك ليحرّكها المظلوم فيعلم الملك. ومن عادته ركوب الفيل كلّ جمعة والظهور للناس ومن كان مظلوما يلبس ثوبا أحمر فإذا وقعت عليه عين الملك يحضره ويسأله عن ظلامته.
ومن ولد في رعيّته أو مات يكتب في ديوان الملك لئلّا يخفى عليه أحد.
وبها بيت عبادة عظيم فيه أصنام وتماثيل ولأهلها يد باسطة في الصناعات الدقيقة يعبدون الأوثان ولا يذبحون الحيوان ومن فعل أنكروا عليه.
ولهم آداب حسنة للرعيّة مع الملك وللولد مع الوالد : فإن الولد لا يقعد في حضور أبيه ولا يمشي إلا خلفه ولا يأكل معه.
قال ابن الفقيه : أهل الصين يقولون بالتناسخ ويعملون بالنجوم ولهم كتب يشتغلون بها والزنا عندهم مباح ولهم غلمان وقفوهم للواطة. كما أن الهند وقفوا الجواري على البدّ للزنا وذلك عند سفلتهم لا عند أهل التمييز.
والملك وكلّ بالصّنّاع ليرفع إلى الملك جميع المعمول فما أراد من ذلك اشتراه لخزانته وإلّا يباع في السوق وما فيه عيب يمزّقه.
وحكي أنّه ارتفع ثوب إلى الملك فاستحسنه المشايخ كلّهم إلّا واحدا فسئل عن عيبه فقال : إن هذا
30
الثوب عليه صورة الطاووس وقد حمل قنو موز والطاووس لا يقدر على حمل قنو الموز فلو بعث الملك هذا الثوب هدية إلى بعض الملوك يقولون : أهل الصين ما يعرفون أن الطاووس لا يقدر على حمل قنو الموز.
ناحية بين عدن وعمان على ساحل البحر. ينسب إليها العنبر الشّحريّ لأنّه يوجد في سواحلها. وبها غياض كثيرة يوجد بها النسناس.
حكى بعض العرب قال : قدمت الشحر فنزلت عند بعض رؤسائها وسألت عن النسناس فقال : إنّا لنصيده ونأكله وهو دابّة كنصف بدن الإنسان له يد واحدة ورجل واحدة وكذلك جميع الأعضاء فقلت : أنا أحبّ أن أراه فقال لغلمانه : صيدوا لنا شيئا منه. فلمّا كان من الغد جاءوا بشيء له وجه كوجه الإنسان إلّا أنّه نصف الوجه وله يد واحدة في صدره وكذلك رجل واحدة فلمّا نظر إليّ قال : أنا بالله وبك. فقلت لهم : خلّوا عنه. فقالوا :لا تغترّ بكلامه فإنّه مأكولنا فلم أزل بهم حتى أطلقوه فمرّ مسرعا كالريح.
فلمّا جاء الرجل الذي كنت عنده قال لغلمانه : أما قلت لكم صيدوا لنا شيئا؟ فقالوا : فعلنا لكن ضيفك خلّى عنه. فضحك وقال : خدعك والله! ثمّ أمرهم بالغدو إلى الصيد فغدوا بالكلاب وكنت معهم فصرنا إلى غيضة في آخر الليل فإذا واحد يقول : يا أبا مجمر إن الصبح قد أسفر واللّيل قد أدبر والقيض قد حضر فعليك بالوزر. فقال الآخر : كلي ولا تراعي فأرسلوا الكلاب عليهم فرأيت أبا مجمر وقد اعتوره كلبان وهو يقول :
فالتقياه وأخذاه فلمّا حضر الرجل على عادته أتوا بأبي مجمر مشويّا وذكر خبر النسناس في وبار أبسط من هذا.
جبل باليمن فيه بلاد وقرى يقال لأهلها الشّعبيّون قتل بها الشّنفرى فقال تأبّط شرّا وهو خال الشنفرى :
منها أبو عمرو عامر بن شراحيل الشعبي كان عالما ورعا فريد دهره ولّي القضاء من قبل عبد الملك بن مروان بعثه إلى الروم رسولا فأدخلوه على الملك من باب لصّ حتى ينحني للدخول فيقولون : خدّم للملك فعرف الشعبي ذلك فدخله
30 من خلفه فلمّا رأى صاحب الروم كمال عقله وحسن جوابه وخطابه قال له : أمن بيت الخلافة أنت؟ قال : لا أنا رجل من العرب.
فكتب إلى عبد الملك : عجبت من قوم عندهم مثل هذا الرجل وولّوا غيره أمرهم! فقال عبد الملك للشعبي : حسدني عليك أراد أن أقتلك! فقال الشعبي : إنّما كهر أمير المؤمنين لأنّه لم يرك! فقال : لله درّك ما عدا ما في نفسي.
وحكي أن الشعبي جلس يوما للقضاء فاحتكم إليه زوجان وكانت المرأة من أجمل النساء فأظهرت المرأة حجّتها. فقال للزوج : هل لك ما تدفع هذه؟ فأنشأ يقول :
قال للجوّار قرّب|ها وقرّب شاهديها}}
قال الشعبي : دخلت على عبد الملك بن مروان فلمّا نظر إليّ تبسّم وقال :
فتن الشّعبيّ لمّا رفع الطّرف إليها
ثمّ قال : ما فعلت بقائل هذا؟ قلت : أوجعت ظهره ضربا يا أمير المؤمنين لما هتك حرمتي! فقال : أحسنت والله وأجملت!
وحكي أن الشعبي دخل على قوم وهم يذكرونه بالسوء فقال :
وسبّه رجل فقال : يا هذا إن كنت صادقا غفر الله لي وإن كنت كاذبا غفر الله لك!
توفي سنة أربع ومائة عن اثنتين وثمانين سنة.
قرية بأرض اليمن من عجائبها أن بها شقّا ينفذ إلى الجانب الآخر فمن لم يكن ولد رشدة لا يقدر على النفوذ فيه.
حكى رجل من مراد قال : وليّت صدقات فبينا أنا أقسمها إذ قال لي رجل : ألا أريك عجبا؟ قلت : نعم. فأدخلني شعب جبل فإذا أنا بسهم من سهام عاد كأكبر ما يكون من رماحنا مفوّقا تشبّث بذروة الجبل وعليه مكتوب :
ثمّ أخذ بيدي إلى الساحل فإذا بحجر يعلوه الماء طورا ويظهر أخرى وعليه مكتوب : يا ابن آدم يا عبد ربّه اتّق الله ولا تعجل في رزقك فإنّك لن تسبق رزقك ولن ترزق ما ليس لك ومن لم يصدّق فلينطح هذا الحجر حتى ينفجر!
بلدة من أواخر بلاد الصين في غاية الطيب لا يرى بها ذو عاهة من صحّة هوائها وعذوبة مائها وطيب تربتها. أهلها أحسن الناس صورة وأقلّها
أمراضا وذكر أن الماء إذا رشّ في بيوتها تفوح منه رائحة العنبر وهي قليلة الآفات والعلل قليلة الذباب والهوام. إذا اعتلّ إنسان في غيرها ثم نقل إليها زالت علله.
قال محمّد بن زكرياء الرازي : من دخلها استوطنها ولا يخرج عنها لطيبها ووفور خيراتها وكثرة ذهبها. والله الموفق.
قصبة بلاد اليمن أحسن مدنها بناء وأصحّها هواء وأعذبها ماء وأطيبها تربة وأقلّها أمراضا ذكر أن الماء إذا رشّ في بيوتها تفوح منه رائحة العنبر وهي قليلة الآفات والعلل قليلة الذباب والهوام. إذا اعتلّ إنسان في غيرها ونقل إليها يبرأ وإذا اعتلّت الإبل وأرعيت في مروجها تصحّ واللحم يبقى بها أسبوعا لا يفسد.
بناها صنعاء بن ازال بن عنير بن عابر بن شالح شبّهت بدمشق في كثرة بساتينها وتخرّق مياهها وصنوف فواكهها. قال محمّد بن أحمد الهمذاني : أهل صنعاء في كلّ سنة يشتّون مرّتين ويصيّفون مرّتين فإذا نزلت الشمس نقطة الحمل صار الحرّ عندهم مفرطا فإذا نزلت أوّل السرطان زالت عن سمت رؤوسهم فيكون شتاء فإذا نزلت أوّل الميزان يعود الحرّ إليهم مرّة ثانية فيكون صيفا وإذا صارت إلى الجدي شتّوا مرّة ثانية غير أن شتاءهم قريب من الصيف في كيفيّة الهواء.
قال عمران بن أبي الحسن : ليس بأرض اليمن بلد أكبر من صنعاء وهو بلد بخطّ الاستواء بها اعتدال الهواء لا يحتاج الإنسان إلى رحلة الشتاء والصيف وتتقارب ساعات نهارها. وكان من عجائب صنعاء غمدان الذي بناه التبابعة ؛ قالوا : بانيه ليشرخ ابن يحصب ؛ قال ابن الكلبي : اتّخذه على أربعة أوجه : وجه أحمر ووجه أبيض ووجه أصفر ووجه أخضر وبنى في داخله قصرا على سبعة سقوف بين كلّ سقفين أربعون ذراعا فكان ظلّه إذا طلعت الشمس يرى على ماء بينهما ثلاثة أميال وجعل في أعلاه مجلسا بناه بالرخام الملوّن وجعل سقفه رخامة واحدة وصيّر على كلّ ركن من أركانه تمثال أسد إذا هبّت الريح يسمع منها زئير الأسد وإذا أسرجت المصابيح فيه ليلا كان سائر القصر يلمع من ظاهره كما يلمع البرق وفيه قال ذو جدن الهمداني : {{قصيدة|وغمدان الذي حدّثت عنه
بناه مشيّدا في رأس نيق
وقال أميّة بن أبي الصّلت يمدح سيف بن ذي يزن في قصيدة آخرها : 32
وذكر أن التبابعة إذا قعدوا على هذا القصر وأشعلوا شموعهم يرى ذلك على مسيرة أيّام. حكي أن عثمان بن عفّان رضي الله عنه لمّا أمر بهدم غمدان قالوا له :إن الكهنة يقولون هادم غمدان مقتول! فأمر بإعادته فقالوا له : لو أنفقت عليه خراج الارض ما أعدته كما كان فتركه ولمّا خربه وجد على خشبة من أخشابها مكتوبا : اسلم غمدان هادمك مقتول. فهدمه عثمان بن عفّان فقتل.
ووجد على حائط ايوان من مجالس تبع مكتوبا :
وبصنعاء جبل الشبّ وهو جبل على رأسه ماء يجري من كلّ جانب وينعقد حجرا قبل أن يصل إلى الأرض وهو الشبّ اليمانيّ الأبيض الذي يحمل إلى الآفاق. ومن عجائب صنعاء ما ذكر أنّه كان بها قبّة عظيمة من جمجمة رجل.
وبها نوع البرّ حبّتان منه في كمام ليس في شيء من البلاد غيرها وبها الورس وهو نبت له خريطة كالسمسم زرع سنة يبقى عشرين سنة.
وحكي أن أمير اليمن لمّا آل إلى الحبشة بنى أبرهة بن الصبّاح بها كنيسة لم ير الناس أحسن منها وسمّاها القلّيس وزيّنها بالذهب والفضّة والجواهر وكتب إلى النجاشي : إني بنيت لك كنيسة ليس لأحد مثلها من الملوك وأريد أصرف إليها حجّ العرب. فسمع ذلك بعض بني مالك بن كنانة فأتاها وأحدث فيها فسأل أبرهة عنه فقالوا : إنّه من أهل البيت الذي يحجّ إليه العرب.
فغضب وآلى ليسيرنّ إلى الكعبة ويهدمنّها ثمّ جاء بعسكره وفيلته فأرسل الله تعالى عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجّيل فجعلهم كعصف مأكول.
وبها الجنّة التي أقسم أصحابها لنصرمنّها مصبحين وهي على أربعة فراسخ من صنعاء وكانت تلك الجنّة لرجل صالح ينفق ثمراتها على عياله ويتصدّق على المساكين فلمّا مات الرجل عزم أصحابه على أن لا يعطوا للمساكين شيئا فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنّها اليوم عليكم مسكين فلمّا رأوها قالوا إنّا لضالّون يعني ما هذا طريق بستاننا فلمّا رأوا الجنّة محترقة قالوا : بل نحن محرومون. ويسمّى ذاك الوادي الضّروان وهو واد ملعون حجارته تشبه أنياب الكلاب لا يقدر أحد أن يطأها ولا ينبت شيئا ولا يستطيع طائر أن يطير فوقه فإذا قاربه مال عنه قالوا : كانت النار تتّقد فيها ثلاثمائة سنة.
34
بلاد واسعة في المشرق ممتدّة من الإقليم الأوّل إلى الثالث عرضها أكثر من طولها قالوا : نحو ثلاثمائة مدينة في مسافة شهرين. وانّها كثيرة المياه كثيرة الأشجار كثيرة الخيرات وافرة الثمرات من أحسن بلاد الله وأنزهها وأهلها أحسن الناس صورة وأحذقهم بالصناعات الدقيقة لكنّهم قصار القدود عظام الرؤوس لباسهم الحرير وحليهم عظام الفيل والكركدن ودينهم عبادة الأوثان.
وفيهم مانويّة ومجوس ويقولون بالتناسخ ولهم بيوت العبادات.
من عجائب الصين الهيكل المدوّر قال المسعودي : هذا الهيكل بأقصى بلاد الصين وله سبعة أبواب في داخله قبّة عظيمة البنيان عالية السمك وفي أعلى القبّة شبه جوهرة كرأس عجل يضيء منها جميع أقطار الهيكل وان جمعا من الملوك حاولوا أخذ تلك الجوهرة فما تمكّنوا من ذلك فمن دنا منها قدر عشرة أذرع خرّ ميتا وإن حاول أخذها بشيء من الآلات الطوال فإذا انتهت إليها هذا المقدار انعكست. وكذلك إن رمى إليها شيئا وإن تعرّض أحد لهمدم الهيكل مات وفي هذا الهيكل بئر واسعة الرأس من أكبّ عليها وقع في قعرها وعلى رأس البئر شبه طوق مكتوب عليه : هذه البئر مخزن الكتب التي هي تاريخ الدنيا وعلوم السماء والأرض وما كان فيها وما يكون وفيها خزائن الأرض لكن لا يصل إليها إلّا من وازن علمه علمنا فمن قدر عليه علمه كعلمنا ومن عجز فليعلم أنّه دوننا في العلم.
والأرض التي عليها هذا الهيكل أرض حجريّة عالية كجبل شامخ لا يرام قلعه ولا يتأتى نقبه وإذا رأى الناظر إلى تلك الهيكل والقبّة والبئر وحسن بنيتها مال قلبه إليها وتأسف على فساد شيء منها.
ومن عجائب الصين ما ذكر صاحب تحفة الغرائب ان بها طاحونة يدور حجرها التحتاني والفوقاني ساكن ويخرج من تحت الحجر دقيق لا نخالة فيه ونخالة لا دقيق فيها كلّ واحد منهما منفرد عن الآخر. وبها قرية عندها غدير فيه ماء في كلّ سنة يجتمع أهل القرية ويلقون فرسا في ذلك الغدير والناس يقفون على أطرافه كلّما أراد الفرس الخروج من الماء منعوه وما دام الفرس في الماء يأتيهم المطر فإذا أمطروا قدر كفايتهم وامتلأ الغدير أخرجوا الفرس وذبحوه على قلّة جبل وتركوه حتى يأكله الطير فإن لم يفعلوا ذلك في شيء من السنين لم يمطروا.
وبأرض الصين الذهب الكثير والجواهر واليواقيت في جبل من جبالها وبها من الخيرات الكثيرة من الحبوب والبقول والفواكه والسكر وفي جزائرها أشجار الطيب كالقرنفل والدارصيني ونحوها قالوا : القرنفل تأتي بها السيول من جبال
35 شامخة لا وصول إليها وبها من الهوام والحشرات والحيّات والعقارب شيء كثير ولا تظهر بالصيف لأنّها ملتفّة بأشجارها تأكل من ثمارها وأوراقها وتظهر في الشتاء. ولأهل الصين يد باسطة في الصناعات الدقيقة ولا يستحسنون شيئا من صناعات غيرهم وأيّ شيء رأوا أخذوا عليه عيبا ويقولون : أهل الدنيا ما عدانا عمي إلّا أهل كابل فإنّهم عور! وبالغوا في تدقيق صنعة النقوش حتى انّهم يصوّرون الإنسان الضاحك والباكي ويفصلون بين ضحك السرور والخجالة والشماتة. وإذا أراد ملكهم شيئا من المتاع يعرضه على أرباب الخبرة ولا يتركه في خزائنه إلّا إذا وافقوا على جودته.
وحكي أن صانعا اتّخذ ثوبا ديباجا عليه صورة السنابل وقعت عليها العصافير فعرضها الملك على أرباب الخبرة واستحسنوها إلّا صانع واحد قال : العصافير إذا وقعت على السنابل أمالتها وهذا المصوّر عملها قائمة لا ميل فيها. فصدّقه الحاضرون وتعجّبوا من دقّة نظره في الصنعة.
ومن خواص بلاد الصين انّه قلّما يرى بها ذو عاهة كالأعمى والزمن ونحوهما وان الهرّة لا تلد بها.
وقال محمّد بن أبي عبد الله : رأيت في غياض الصين إنسانا يصيح صياح القردة وله وبر كوبر القرد ويداه تنالان ساقيه إذا بسطهما قائما. ويكون على الأشجار يثب من شجرة إلى شجرة وبينهما عشرة أذرع.
وقال ابن الفقيه : بالصين دابّة المسك وهي دابّة تخرج من الماء في كلّ سنة في وقت معلوم فيصطاد منها شيء كثير وهي شديدة الشبه بالظباء فتذبح ويؤخذ الدم من سرّتها وهو المسك ولا رائحة له هناك حتى يحمل إلى غيرها من الأماكن.
وبها الغضائر الصيني التي لها خواصّ وهي بيضاء اللون شفّافة وغير شفّافة لا يصل إلى بلادنا منها شيء والذي يباع في بلادنا على أنّه صيني معمول بلاد الهند بمدينة يقال لها كولم والصيني أصلب منه وأصبر على النار وخزف الصين أبيض قالوا : يترشّح السمّ منه وخزف كولم أدكن.
وطرائف الصين كثيرة : الفرند الفائق والحديد المصنوع الذي يقال له طاليقون يشترى بأضعافه فضّة ومناديل الغمر من جلد السمندل والطواويس العجيبة والبرادين الغرّة التي لا نظير لها في البلاد.
مدينة قرب صنعاء كان بها مسكن ملوك حمير وفيها قيل : من دخل ظفار حمّر أي تكلّم بالحميريّة وسببه أنّه دخل رجل من العرب على ملك من ملوك حمير وهو على موضع عال فقال له الملك : ثب فوثب الرجل من العلو فانكسرت رجله ومعنى ثب بالحميريّة اقعد فقال الملك : ليس عندنا عربيّة من
36 دخل ظفار حمّر.
ينسب إليها الجزع الظفاري الجيّد وحكي انّه مكتوب على سور ظفار على حجر منها بقلم الأوائل : يوم شيّدت ظفار قيل لمن أنت؟ قالت : لحمير الأخيار! ثمّ سئلت بعد ذلك فقالت : للأحبش الأشرار! ثمّ سئلت بعد ذلك فقالت : للفرس الأخيار! ثمّ سئلت بعد ذلك فقالت : لقريش التجّار! ثمّ سئلت بعد ذلك فقالت : لحمير سنجار وقليلا ما يلبث القوم فيها ثمّ يأتيهم البوار من أسود يلقيهم في البحر ويشعل النار في أعلى الديار.
وبها اللّبان الذي لا يوجد في الدنيا إلّا في جبالها وانّه غلّة لسلطانها وانّه من شجر ينبت في تلك المواضع مسيرة ثلاثة أيّام في مثلها فيأتيها أهل ظفار ويجرحون أشجارها بالسكّين فيسيل منها اللبان فيجمعونه ويحملونه إلى ظفار فيأخذ السلطان قسطه ويعطيهم الباقي.
كورة على ساحل بحر اليمن في شرقي هجر تشتمل على مدن كثيرة سمّيت بعمان بن بغان بن إبراهيم الخليل عليه السلام والبحر الذي يليه منسوب إليه يقال بحر عمان.
روى ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال : إني لأعلم أرضا من أرض العرب يقال لها عمان على شاطىء البحر الحجّة منها أفضل أو خير من حجّتين من غيرها.
وعن الحسن البصري هو المراد من قوله تعالى : يأتين من كلّ فجّ عميق يعني من عمان وعن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : من تعذّر عليه الرزق فعليه بعمان. وأمّا حرّها فممّا يضرب به المثل. بها اجتماع الخوارج الإباضية في زماننا هذا وليس بها من غير هذا المذهب إلّا غريب وهم أتباع عبد الله بن اباض الذي ظهر في زمن مروانابن محمّد آخر بني أميّة وقد قتل وكفي شرّه.
وحكى ابن الأثير في تاريخه : إنّه في سنة خمس وسبعين وثلاثمائة خرج بعمان طائر من البحر أكبر من فيل ووقف على تلّ هناك وصاح بصوت عال ولسان فصيح : قد قرب! قد قرب! قد قرب! ثمّ غاص في البحر فعل ذلك ثلاثة أيّام ثمّ غاب ولم ير بعد ذلك.
مدينة كبيرة في جنوب بلاد المغرب متّصلة ببلاد التبر يجتمع إليها التجّار ومنها يدخلون بلاد التبر ولولاه لتعذّر عليهم ذلك وهي أكثر بلاد الله ذهبا لأنّها بقرب معدنها ومنها يحمل إلى سائر البلاد وبها من النمور شيء كثير وأكثر لباس أهلها جلد النمر.
وحكى الفقيه أبو الربيع الملتاني أن في طريق غانة من سجلماسة إليها أشجارا عظيمة مجوّفة يجتمع في تجاويفها مياه الأمطار فتبقى كالحياض والمطر في الشتاء بها كثير جدّا فتبقى المياه في
تجاويف تلك الأشجار إلى زمان الصيف فالسابلة يشربونها في مرورهم إلى غانة ولولا تلك المياه لتعذّر عليهم المرور إليها ويتّخذون أقتاب البعران من خشب الصنوبر فإن مات البعير فقتب رحله يفيء بثمنه.
مدينة بالمغرب في جنوبيّه ضاربة في بلاد السودان يجلب منها الجلود الغدامسيّة وهي من أجود الدباغ لا شيء فوقها في الجودة كأنّها ثياب الخزّ في النعومة.
بها عين قديمة يفيض الماء منها ويقسمها أهل البلد قسمة معلومة فإن أخذ أحد زائدا غاض ماؤها وأهل المدينة لا يمكنون أحدا يأخذ زائدا خوفا من النقصان. وأهلها بربر مسلمون صالحون.
برية بين عمان وحضر موت من العجائب أن التاجر يمرّ بها إلى عمان بسلعته ليبيعها فيسمع في تلك البرية : فلان بن فلان معه سلعة تساوي كذا دينارا أو درهما! فيدخل عمان لم يزد على ذلك شيء أصلا والله الموفق.
قلعة حصينة باليمن قرب زبيد لا يمكن استخلاصها قهرا لأنّها بين جبال لا يوصل إليها إلّا في مضيق لا يسع إلّا رجلا واحدا مسيرة يوم وبعض يوم ودونه غياض أوى إليه عليّ بن المهدي الحميري المستولي على زبيّد سنة خمسين وخمسمائة والله الموفق.
مدينة بأقصى المغرب جنوبيّ البحر متاخمة لبلاد السودان منها صنّاع أسلحة.
منها الرماح والدرق اللمطية من جلد حيوان يقال له اللمط لا يوجد إلّا هناك وهو شبه الظباء أبيض اللون إلّا أنّه أعظم خلقا يدبغ جلده في بلادهم باللبن وقشر بيض النعام سنة كاملة لا يعمل فيه الحديد أصلا إن ضرب بالسيوف نسبت عنه وإن أصابه خدش أو بتر يبلّ بالماء ويمسح باليد فيزول عنه يتّخذ منه الدرق والجواشن قيمة كل واحد منها ثلاثون دينارا وحكى الفقيه علي الجنحاني : انّه مرّ بقرب كاكدم بتلّ عال والناس يقولون من صعد هذا التلّ اختطفه الجنّ وعنده مدينة النحاس التي اشتهر ذكرها وسيأتي ذكرها في موضعه إن شاء الله تعالى.
بلدة بأرض الهند في منتصف الطريق بين عمان والصين موقعها في المعمورة في وسط خطّ الاستواء إذا كان منتصف النهار لا يبقى لشيء من الأشخاص ظلّ البتّة.
بها منابت الخيزران منها يحمل إلى سائر البلاد.
قال عبد الله بن عمرو بن العاص : هي أرض بين الصين والهند من عجائب الدنيا بها بطّة من نحاس على عمود من نحاس أيضا فإذا كان يوم
38
عاشوراء نشرت البطّة جناحيها ومدّت رقبتها فيفيض من الماء ما يكفيهم لزروعهم ومواشيهم إلى القابل.
ناحية من بلاد السودان جنوبي فزّان بها عين الفرس قيل : إن عقبة ابن عامر ذهب إلى كوّار غازيا فنزل ببعض منازلها فأصابهم عطش حتى أشرفوا على الهلاك فقام عقبة وصلّى ركعتين ودعا الله تعالى فجعل فرس عقبة يبحث في الأرض حتى كشف عن صفاة فانفجر منها الماء وجعل الفرس يمصّه فرأى عقبة ذلك فنادى في الناس أن احتفروا فحفروا وشربوا فسمّي ذلك الماء ماء الفرس وافتتح كوار وقبض على ملكها ومنّ عليه وفرض عليه مالا.
جزيرة عظيمة بأرض الزنج بها سرير ملك الزنج وإليها تقصد المراكب من جميع النواحي من عجائبها كروم بها تطعم في كلّ سنة ثلاث مرّات كلّما انتهى أحدها أخرج الآخر.
كورة بين حضر موت وصنعاء لم يبق بها عامرا إلّا ثلاث قرى يسمّونها الدروب كلّ قرية منسوبة إلى قبيلة من اليمن وهم يزرعونها على الماء الذي جاء من ناحية السدّ يسقون أرضهم سقية واحدة ويزرعون عليه ثلاث مرّات في كلّ عام فيكون بين زرع الشعير وحصاده في ذلك الموضع نحو شهرين.
وكان بها سيل العرم الذي جرى ذكره في سبأ.
ذكروا أن مياه جبالها تجتمع هناك وسيول كثيرة ولها مخرج واحد فالأوائل قد سدّوا ذلك المخرج بسدّ محكم وجعلوا لها مثاعب يأخذون منها قدر الحاجة فاجتمعت المياه بطول الزمان وصار بحرا عظيما خارج السدّ وداخله عمارات وبساتين ومزارع فسلّط الله تعالى الجرذ على السدّ يحفره بأنيابه ويقلعه بمخاليبه حتى سدّ الوادي الذي نحو البحر وفتح ممّا يلي السدّ فغرقت البلاد حتى لم يبق إلّا ما كان على رؤوس الجبال وذهبت الحدائق والجنان والضياع والدور والقصور وجاء السيل بالرمل فطمّها وهي على ذلك إلى اليوم كما أخبر الله تعالى فجعلهم الله أحاديث ومزّقهم كلّ ممزّق.
والعرم المسنّاة بنتها ملوك اليمن بالصخر والقار حاجزا بين السيول والضياع ففجرته فأرة ليكون أظهر في الأعجوبة قال الأعشى :
قلعة حصينة قرب عدن على قلّة جبل لا سبيل للفكر إلى استخلاصها إذ لا مصير إليها إلّا من طريق واحد وهو صعب جدّا وفيها عين عظيمة على رأس الجبل تسقي عدّة قرى.
قال الاصطخري : أعلى هذا الجبل نحو من عشرين فرسخا فيها مزارع ومياه كثيرة ونباتها الورس تغلّب عليها محمّد بن الفضل القرمطي الذي خرج من اليمن وقصّته مشهورة والله الموفق.
مدينة بين حضر موت وعمان وهي فرضة ظفار لأن ظفار مرساها غير جيّد بها اللبان يحمل منها إلى سائر البلدان وهو غلّة للملك.
أهلها عرب موصوفون بقلّة الغيرة وذلك ان كلّ ليلة نساؤهم يخرجن إلى خارج المدينة ويسامرن الرجال الأجانب ويجالسنهم ويلاعبنهم إلى نصف الليل فيجوز الرجل على زوجته وأخته وأمّه وهي تلاعب آخر وتحادثه فيعرض عنها ويمشي إلى زوجة غيره يحادثها.
وقال صاحب معجم البلدان : رأيت بجزيرة قيس رجلا عاقلا أديبا من مرباط فقلت له : بلغني منكم حديث أنكرته. فقال : لعلّك تقول عن السمر؟ فقلت : نعم أخبرني أصحيح أم لا؟ فقال : إنّه صحيح! وبالله أقسم إنّه لقبيح ولكن على ذلك نشأنا ولو استطعنا لأزلناه ولكن لا سبيل إلى إزالته!
مخلاف باليمن بها قرى كثيرة ومزارع وأودية كثيرة من خواصّها العجيبة أن البرّ والشعير والذرة يبقى بها مدّة طويلة لا يتغيّر وذكر أنّهم ادّخروا حنطة فرأوها بعد ثلاثين سنة ولم يتغيّر منها شيء.
مدينة في أوّل بلاد الزنج في جنوبي اليمن على ساحل البحر. وأهلها عرباء لا سلطان لهم ويدبّر أمرهم المتقدّمون على الاصطلاح وحكى التجّار أنّهم يرون بها القطب الجنوبي مقاربا لوسط السماء وسهيلا ولا يرون القطب الشمالي البتّة وانّهم يرون هناك شيئا مقدار جرم القمر شبه قطعة غيم بيضاء لا يغيب أبدا ولا يبرح مكانه يحمل منها الصندل والآبنوس والعنبر والعاج إلى غيرها من البلاد.
قرية على مرحلة من صنعاء بها معدن العقيق ونيله من أجود أنواع العقيق حكى معالجوه أنّهم يجدون قطعة نحو عشرين منّا فيكسر ويلقى في الشمس عند شدّة الحرّ ثمّ يسجر له التنّور بأبعار الإبل ويجعلونه في شيء يكنّه عن ملامسة النار فسيّر منه ماء يجري في مجرى وضعوه له ثمّ يستخرجونه لم يبق منه إلّا الجوهر وما عداه صار رمادا.
أرض باليمن قال ابن الفقيه : بها شجرة إذا كانت الأشهر الحرم هطل منها الماء فيمتلئ منه الحياض والمصانع وإذا مرّت الأشهر الحرم انقطع الماء.
منها النجائب المهريّة وانّها كريمة جدّا ذكر أن سليمان بن عبد الملك كتب إلى عامله باليمن ليشتري له نجائب مهرية فطلبوا فلم يجدوا شيئا فقدم رجل من بجيلة على جمل عظيم الهامة فساوموه فقال : لا أبيعه.
فقالوا : لا نغصبك ولا ندعك لكن نحبسك ونكاتب أمير المؤمنين حتى يأتينا أمره! فقال : هلّا خيرا من هذا؟ قالوا : وما هو؟ قال : معكم نجائب كرام وخيل سبّق دعوني حتى أركب جملي واتبعوني فإن لحقتموني فهو لكم بغير ثمن. ثمّ قال : تأهّبوا. فصاح في أذنه ثمّ أثاره فوثب وثبة شديدة فتبعوه فلم يدركوه.
قال اللّيث : هو أرض بين اليمن وجبال يبرين من محالّ عاد فلمّا أهلكوا أورث الله أرضهم الجنّ فلا يتقاربها أحد من الناس.
قال أهل السير : هي مسمّاة بوبار بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام وهي ما بين الشّحر إلى صنعاء زهاء ثلاثمائة فرسخ في مثلها.
قال أحمد بن محمّد الهمذاني : وبار كانت أكثر الأرضين خيرا وأخصبها ضياعا وأكثرها شجرا ومياها وثمرا فكثرت بها القبائل وعظمت أموالهم وكانوا ذوي أجسام فأشروا وبطروا لم يعرفوا حقّ نعم الله تعالى عليهم فبدّل الله تعالى خلقهم وصيّرهم نسناسا لأحدهم نصف رأس ونصف وجه وعين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة فخرجوا يرعون في تلك الغياض على شاطىء البحر كما ترعى البهائم وهم فيما بين وبار وأرض الشّحر وأطراف اليمن يفسدون الزرع فيصيدهم أهل تلك الديار بالكلاب ينفّرونهم عن زروعهم وحدائقهم.
حكى ابن الكيس النمري قال : كنّا في رفقة أضللنا الطريق فوقعنا في غيضة على ساحل البحر لا يدرك طرفاه فإذا أنا بشيخ طويل كالنخلة له نصف رأس ونصف بدن وعين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة فأسرع مثل حضر الفرس العتيق وهو يقول :
زعم العرب أن سكّان أرض وبار جنّ ولا يدخلها إنسي أصلا فإن دخلها غالطا أو عامدا حثوا في وجهه التراب فإن أبى إلّا الدخول خبّلوه أو قتلوه أو ضلّ فيها ولا يعرف له خبر ولهذا قال الفرزدق :
منها الإبل الحوشية تزعم العرب أنّها التي ضربها إبل الجنّ وهي إبل لم ير أحسن منها قال الشاعر :
حكي أن رجلا من أهل اليمن يوما رأى في إبله فحلا كأنّه كوكب بياضا وحسنا فأقرّه فيها حتى ضرب إبله فلمّا لقحها لم يره حتى كان العام المقبل وقد نتجت النوق أولادا لم ير أحسن منها وهكذا في السنة الثانية والثالثة. فلمّا ألقحها وأراد الانصراف هدر فاتبعه سائر ولده فتبعها الرجل حتى وصل إلى أرض وبار فرأى هناك أرضا عظيمة وبها من الإبل الحوشية والبقر والحمير والظباء ما لا يحصى كثرة ورأى نخلا كثيرا حاملا وغير حامل والتمر ملقى حول النخل قديما وحديثا بعضه على بعض ولم ير أحدا من الناس فبينا هو كذلك إذ أتاه آت من الجنّ وقال له : ما وقوفك هاهنا؟ فقصّ عليه قصّته وما كان من الإبل فقال له : لو كنت فعلت ذلك على معرفة لقتلتك!
وإياك والمعاودة فإن ذاك لفحل من إبلنا عمد إلى أولاده فجاء بها. وأعطاه جملا وقال : انج بنفسك وهذا الجمل لك.
قالوا : إن النجائب المهريّة من نسل ذلك الجمل.
حصن منيع في جبال صنعاء من استولى عليه يختلّ دماغه يدّعي نبوة أو خلافة أو سلطنة ولمّا استولى عليه عبد الله بن حمزة الزيدي ادّعى الإمامة وأجابه خلق من اليمن زعم أنّه من ولد أحمد بن الحسين بن القاسم بن إسمعيل ابن الحسن بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ورواة الأنساب يقولون : ان أحمد لم يعقب وكان ذا لسان وبلاغة وله تصانيف في مذهب الزيدية وله أشعار منها :
بلاد واسعة من عمان إلى نجران تسمّى الخضراء لكثرة أشجارها وزروعها تزرع في السنة أربع مرّات ويحصد كلّ زرع في ستّين يوما وتحمل أشجارهم في السنة مرّتين.
وأهلها أرقّ الناس نفوسا وأعرفهم للحقّ سمّاهم الله تعالى الناس حيث قال : ثمّ أفيضوا من حيث أفاض الناس وقال صلّى الله عليه وسلّم :إني لأجد نفس الرحمن من صوب اليمن. أراد به نصرة الأوس والخزرج.
وقال أيضا : الإيمان يمان والحكمة
42 يمانية.
قال الأصمعي : أربعة أشياء قد ملأت الدنيا ولا تكون إلّا باليمن : الورس والكندر والخطر والعقيق.
وبها الأحقاف وهي الآن تلال من الرمل بين عدن وحضر موت وكانت مساكن عاد أعمر بلاد الله وأكثرها عمارة وزرعا وشجرا فلمّا سلّط الله تعالى عليهم الريح طمّها بالرمل وهي إلى الآن تحت تلك الأحقاف جعلها الله تعالى عبرة للناظرين وخبرة للغابرين كما قال تعالى : أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشدّ قوّة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر ممّا عمروها.
وبها قصران من قصور عاد ولمّا بعث معاوية عبد الرحمن بن الحكم إلى اليمن واليا بلغه أن بساحل عدن قصرين من قصور عاد وان في بحرها كنزا فطمع فيه وذهب في مائة فارس إلى ساحل عدن إلى أقرب القصرين فرأى ما حولهما من الأرض سباخا بها آثار الآبار ورأى قصرا مبنيّا بالصخر والكلس وعلى بعض أبوابه صخرة عظيمة بيضاء مكتوب عليها :
ثمّ مضى إلى القصر الآخر وبينهما أربعة فراسخ فرأى حوله آثار الجنان والبساتين. قال : فدنونا من القصر فإذا هو من حجارة وكلس غلب عليه ماء البحر ورأينا على بابه صخرة عظيمة عليها مكتوب :
قال : فعجبنا من ذلك ثمّ مضينا إلى الساحل الذي ذكر أن فيه كنزا فأمرنا الغوّاصين فغاصوا وأخرجوا جرارا من صفر مطبقة بصفر فلم نشكّ انّه مال حتى جمعت جرار كثيرة ففتحنا بعضها فخرج منها شيطان وقال :يا ابن آدم إلى متى تحبسنا؟ فبينا نحن نتعجّب من ذلك إذ رأينا سوادا عظيما أقبل من جزيرة قريبة من الساحل ففزعنا فزعا فاقتحم الماء وأقبل نحونا فإذا هي قردة قد اجتمع منها ما لا يعلم عددها إلّا الله.
وكانت تلك الجزيرة مأواها وأمامها قرد عظيم في عنقه لوح حديد معلّق بسلسلة فأقبل إلينا ورفع اللوح نحونا فأخذنا اللوح من عنقه فإذا فيه كتابة بالسريانيّة وكان معنا من يحسن قراءتها فقرأها فإذا هي : بسم الله العظيم الأعظم. هذا كتاب من سليمان بن داود رسول الله لمن في هذه الجزيرة من القردة إني قد أمرتهم بحفظ هؤلاء الشياطين المحبّسين في هذه الناحية في هذه الجرار الصفر وجعلت لهن أمانا من جميع الجنّ والإنس فمن أرادهن أو عرض لهنّ فهو بريء مني وأنا بريء منه في الدنيا والآخرة.
فأردنا أن نمضي باللّوح إلى معاوية لينظر إليه فلمّا ولّينا وقفت القردة كلّها أمامنا وحاصرتنا وضجّت ضجّة فرددنا اللوح إليها فأخذته واقتحمت الماء وعادت إلى الجزيرة. ومن عجائب اليمن ما ذكر ابن فنجويه أن بأرض عاد تمثالا على هيئة فارس. ومياه تلك الأرض كلّها ملحة فإذا دخلت الأشهر الحرم يفيض من ذلك التمثال ماء كثير عذب لا يزال يجري إلى انقضاء الأشهر الحرم وقد تطفّحت حياضهم من ذلك الماء فيكفيهم إلى تمام السنة ؛ قال الشاعر :
وبها جبل الشّبّ وعلى رأس هذا الجبل ماء يجري من كلّ جانب وينعقد حجرا قبل أن يصل إلى الأرض والشبّ اليماني الأبيض من ذلك.
وبها جبل شبام ؛ قال محمّد بن أحمد بن إسحاق الهمذاني : إنّه جبل عظيم بقرب صنعاء بينها 44 وبينه يوم واحد وهو صعب المرتقى ليس إليه إلّا طريق واحد وذروته واسعة فيها ضياع كثيرة ومزارع وكروم ونخيل والطريق إليها في دار الملك وللجبل باب واحد مفتاحه عند الملك فمن أراد النزول إلى السهل استأذن الملك حتى يأذن بفتح الباب له وحول تلك الضياع والكروم جبال شاهقة لا تسلك ولا يعلم أحد ما وراءها إلّا الله. ومياه هذا الجبل تنكسب إلى سدّ هناك فإذا امتلأ السدّ ماء فتح ليجري إلى صنعاء ومخاليفها.
وبها جبل كوكبان إنّه بقرب صنعاء عليه قصران مبنيان بالجواهر يلمعان بالليل كالكوكبين ولا طريق إليهما. قيل : إنّهما من بناء الجنّ.
وبها نهر اليمن ؛ قال صاحب تحفة الغرائب : بأرض اليمن نهر عند طلوع الشمس يجري من المشرق إلى المغرب وعند غروبها من المغرب إلى المشرق.
وبها العلس وهو نوع من الحنطة حبّتان منه في كمام لا يوجد إلّا باليمن وهو طعام أهل صنعاء.
وبها الورس وهو نبت له خريطة كما للسمسم ذكروا انّه يزرع سنة ويبقى عشرين سنة.
وبها الموز وهي ثمرة شبيهة بالعنب إلّا أنّه حلو دسم لا تحمل شجرتها إلّا مرّة واحدة.
وبها نوع من الكمثرى من أكل منها واحدة يطلق عشر مرّات وان أكل اثنتين يطلق عشرين مرّة وإن أكل ثلاثا يطلق ثلاثين. ويتّخذ منه عسل يلعق منه صاحب القولنج فينفتح في الحال.
ويجلب منها سيوف ليس في شيء من البلاد مثلها ويجلب منها البرود اليمانية وقرودها أخبث القرود وأسرع قبولا للتعليم. وبها الغدار وهو نوع من المتشيطنة يوجد بأكناف اليمن يلحق الإنسان ويقع عليه فإذا أصيب الإنسان منه يقول أهل تلك النواحي : أمنكوح هو أم مذعور؟ فإن قالوا منكوح أيسوا منه وإن كان مذعورا سكن روعه وشجع ومن الناس من لم يكترث به لشجاعة نفسه.
وحكي عن الشافعي أنّه قال : دخلت بلدة من بلاد اليمن فرأيت فيها إنسانا من وسطه إلى أسفله بدن امرأة ومن وسطه إلى فوقه بدنان متفرّقان بأربع أيد ورأسين ووجهين وهما يتلاطمان مرّة ويصطلحان أخرى ويأكلان ويشربان.
ثمّ غبت عنهما سنين ورجعت فسألت عنها فقيل لي : أحسن الله عزاءك في أحد الجسدين! توفي فربط من أسفله بحبل حتى ذبل ثمّ قطع والجسد الآخر تراه في السوق ذاهبا وجائيا.
ومنها أبو عبد الرحمن طاووس بن كيسان اليماني افتخار اليمن كان من أعلم الناس بالحلال والحرام له نسل بقزوين مشايخ وعلماء إلى الآن وهو جدّي من قبل الأم ذكر يوسف بن اسباط أن طاووسا مرّ بنهر سلطاني فهمّت بغلته 45 أن تشرب منه فمنعها. وذكر بشر بن عبد الله أن طاووسا مرّ بالسوق فرأى رؤوسا مشويّة بارزة الأسنان فلم ينعس تلك الليلة وقال إن الله تعالى يقول : تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون. وقال منعم بن ادريس : صلّى طاووس اليماني صلاة الفجر بوضوء العتمة أربعين سنة. توفي سنة ستّ ومائة بمكّة قبل يوم التروية عن بضع وتسعين سنة.
وكان الناس يقولون : رحم الله أبا عبد الرحمن حجّ أربعين حجّة وصلّى عليه هشام بن عبد الملك وهو خليفة حجّ تلك السنة.
ومنها أويس بن عامر القرني. روى أبو هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن لله تعالى من خلقه الأصفياء الأحفياء الشعثة شعورهم الغبرة وجوههم الخمصة بطونهم الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذنوا وإن خطبوا المنعّمات لم ينكحوا وإن غابوا لم يفتقدوا وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم وإن مرضوا لم يعادوا وإن ماتوا لم يشهدوا.
قالوا : يا رسول الله كيف لنا برجل منهم؟ قال : ذاك أويس القرني! قالوا : وما أويس القرني؟ قال : أشهل ذو صهوبة بعيد ما بين الكتفين معتدل القامة آدم شديد الأدمة ضارب بذقنه إلى صدره رام ببصره إلى موضع سجوده واضع بيمينه على شماله يتلو القرآن يبكي على نفسه ذو طمرين لا يؤبه له متّزر بإزار صوف ورداء صوف مجهول في أهل الأرض معروف في أهل السماء لو أقسم على الله لأبرّ قسمه! الا وان تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء الا وانّه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد : ادخلوا الجنّة وقيل لأويس : قف واشفع! يشفّعه الله عزّ وجلّ في مثل عدد ربيعة ومضر. يا عمر ويا عليّ إذا أنتما لقيتماه فاطلبا إليه أن يستغفر لكما. فكانا يطلبانه عشرين سنة فلمّا كان سنة هلك فيها عمر قام على أبي قبيس ونادى بأعلى صوته : يا أهل الحجيج من اليمن أفيكم أويس؟ فقام شيخ كبير وقال : إنّا لا ندري ما أويس لكن لي ابن أخ يقال له أويس هو أخمل ذكرا وأقلّ مالا وأهون أمرا من أن نرفعه إليك! وإنّه ليرعى إبلنا حقين بين أظهرنا! فقال له عمر : إن ابن أخيك هذا عزمنا! قال : نعم. قال : فأين يصاب؟ قال : بأراك عرفات.
فركب عمر وعليّ سراعا إلى عرفات فإذا هو قائم يصلّي إلى شجرة والإبل حوله ترعى فأقبلا إليه وقالا : السلام عليك ورحمة الله وبركاته! فردّ عليهما جواب السلام. قالا له : من الرجل؟ قال : راعي إبل وأجير قوم! قالا :ما اسمك؟ قال : عبد الله. قالا : اسمك الذي سمّتك أمّك به؟ قال : يا هذان ما تريدان إليّ؟ قالا : وصف لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أويسا القرني وقد عرفنا الصهوبة والشهولة أخبرنا أن تحت منكبك الأيسر لمعة بيضاء أوضحها لنا. فأوضح منكبه فإذا اللمعة فابتدار يقبّلانه 46 وقالا : نشهد أنّك أويس القرني! فاستغفر لنا يغفر الله لك! فقال : ما أخصّ باستغفاري نفسي ولا أحدا من ولد آدم ولكنّه من في البحر والبرّ من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات. يا هذان قد شهر الله لكما حالي وعرّفكما أمري فمن أنتما؟ قال عليّ : أمّا هذا فعمر أمير المؤمنين وأمّا أنا فعليّ بن أبي طالب! فاستوى أويس وقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته وعليك يا عليّ بن أبي طالب فجزا كما الله عن هذه الأمّة خيرا! قالا : وأنت جزاك الله عن نفسك خيرا! فقال له عمر : مكانك يرحمك الله حتى أدخل مكّة وآتيك بنفقة من عطائي وفضل كسوة من ثيابي هذا المكان ميعاد بيني وبينك. فقال : يا أمير المؤمنين لا ميعاد بيني وبينك لا أراك بعد اليوم تعرفني ما أصنع بالنفقة وما أصنع بالكسوة؟ أما ترى عليّ إزارا ورداء من صوف متى تراني أبليهما؟ أما ترى أني أخذت رعائي أربعة دراهم متى تراني آكلها؟ يا أمير المؤمنين إن بين يديّ ويديك عقبة كؤودا لا يجاوزها إلّا ضامر مخفّ مهزول! فلمّا سمع عمر ذلك ضرب بدرّته الأرض ثمّ قال بأعلى صوته : يا ليت عمر لم تلده أمّه! يا ليتها كانت عاقرا لم تعالج حملها! قال : يا أمير المؤمنين خذ أنت هاهنا حتى آخذ أنا هاهنا ؛ فولّى عمر نحو ناحية مكّة وساق أويس إبله فأتى القوم بإبلهم وخلّى الرعاية وأقبل على العبادة.
وحكي أن أويسا إذا خرج يرميه الصبيان بالحجارة وهو يقول : إن كان لا بدّ فبالصغار حتى لا تدموا ساقيّ فتمنعوني من الصلاة. وحدّث عبد الرحمن ابن أبي ليلى أنّه نادى يوم صفّين رجل من أهل الشام : أفيكم أويس القرني؟ قلنا : نعم! ما تريد منه؟ قال : إني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : أويس القرني خير التابعين بإحسان. وعطف دابته ودخل مع أصحاب عليّ فنادى مناد في القوم : أويس! فوجد في قتلى عليّ كرّم الله وجهه.
ومنها أبو عبد الله وهب بن منبّه وكان الغالب عليه قصص الأنبياء وأخبار القرون الماضية والوعظ ؛ قال : قرأت في بعض الكتب أن مناديا ينادي من السماء الرابعة كلّ صباح : أبناء الأربعين زرع قد دنا حصاده! أبناء الخمسين ماذا قدّمتم وماذا أخّرتم؟ أبناء الستّين لا عذر لكم! ليت الخلق لم يخلقوا وإذا خلقوا علموا لماذا خلقوا. قد أتتكم الساعة فخذوا حذركم ؛ قال منعم بن ادريس : إن وهب بن منبّه صلّى أربعين سنة صلاة الفجر بوضوء العشاء. مات سنة أربع عشرة ومائة.
هذا آخر ما عرفناه من الإقليم الأوّل.
هو حيث يكون ظلّ الاستواء في أوّله نصف النهار إذا استوى الليل والنهار قدمين وثلاثة أخماس قدم وآخره حيث يكون ظل الاستواء فيه نصف النهار ثلاثة أقدام ونصف وعشر سدس قدم يبتدىء من المشرق فيمرّ على بلاد الصين وبلاد الهند والسند ويمرّ بملتقى البحر الأخضر ويقطع جزيرة العرب في أرض نجد وتهامة والبحرين ثمّ يقطع بحر القلزم ونيل مصر إلى أرض المغرب.
ويكون أطول نهار هؤلاء في أوّل الإقليم ثلاث عشرة ساعة وربع الساعة وآخره ثلاث عشرة ساعة ونصف وربع وأوسطه ثلاث عشرة ساعة ونصف وطوله من المشرق إلى المغرب تسعة آلاف وثلاثمائة واثنا عشر ميلا واثنتان وأربعون دقيقة وعرضه أربعمائة ميل وميلان واحدى وخمسون دقيقة ومساحتها مكسرا ثلاثة آلاف ألف وستّمائة ألف ميل وتسعون ألف ميل وثلاثمائة وأربعون ميلا وأربع وخمسون دقيقة وأمّا المدن الواقعة فيها فسنذكرها مرتّبة على حروف المعجم ما انتهى خبرها إلينا والله المستعان.
حصن السّموأل بن عاديا اليهودي الذي يضرب به مثل الوفاء والحصن يسمّى الابلق الفرد لأنّه كان في بنائه بياض وحمرة وهو بين الحجاز والشام على تلّ من تراب والآن بقي على التلّ آثار الأبنية القديمة بناه أبو السموأل عاديا اليهودي. يقال : أوفى من السموأل.
وكان من قصّته أن امرأ القيس بن حجر الكندي لمّا قتل أبوه مرّ إلى قيصر يستنجده على قتلة أبيه وكان اجتيازه على الأبلق الفرد فرآها قلعة حصينة ذاهبة نحو السماء وكان معه أدراع تركها عند السموأل وديعة وذهب.
فبلغ هذا الخبر الحرث بن ظالم الغسّاني فسار نحو الأبلق لأخذ الدروع فامتنع السموأل من تسليمها إليه فظفر بابن السموأل وكان خارج الحصن يتصيّد فجاء به إلى أسفل الحصن وقال : إن دفعت الدروع إليّ وإلّا قتلت ابنك! فقال السموأل : لست أخفر ذمّتي فاصنع ما شئت! فذبحه والسموأل ينظر إليه وانصرف الملك على يأس! فضرب العرب
المثل في الوفاء. وقال السموأل :
جبلان بأرض الحجاز وبها مسكن طيّء وقراهم. موضع نزه كثير المياه والشجر. قيل : أجأ اسم رجل وسلمى اسم امرأة كانا يألفان عند امرأة اسمها معروجا فعرف زوج سلمى بحالهما فهربا منه فذهب خلفهما وقتل سلمى على جبل سلمى وأجأ على جبل أجأ ومعروجا فسميّت المواضع بهم وقال الكلبي : كان على أجأ أنف أحمر كأنّه تمثال إنسان يسمّونه فلسا كان طيّء يعبدونه إلى عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلمّا جاء الإسلام بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب في مائة وخمسين من الأنصار فكسروا فلسا وهدموا بيته وأسروا بنت حاتم.
ينسب إليها أبو سليمان داود بن نصير الطائي الزاهد العابد ؛ قيل إنّه سمع امرأة عند قبر تقول :
كان ذلك سبب توبته. وقيل : إنّه ورث من أبيه أربعمائة درهم أنفقها ثلاثين سنة وصام أربعين سنة ما علم أهله أنّه صائم. وكان حرّازا يأخذ أوّل النهار غداءه معه إلى الدكان ويتصدّق به في الطريق ويرجع آخر النهار يتعشّى في بيته ولا يعلم أهله أنّه كان صائما. وكان له داية قالت : يا أبا سليمان أما تشتهي الخبز؟ قال : يا داية بين أكل الخبز وشرب القنيت أقرأ خمسين آية! وقال حفص بن عمر الجعفي : إن داود الطائي مرّ بآية يذكر فيها النار فكرّرها في ليلة مرارا فأصبح مريضا فوجدوه مات ورأسه على لبنة سنة خمس وستّين ومائة في خلافة المهدي.
وينسب إليها أبو تمام حبيب بن أوس الطائي الشاعر المفلق فاق على كلّ من كان بعده بفصاحة اللفظ وجزالة المعنى ؛ قيل إنّه أنشد قصيدته في مدح المعتصم :
فلمّا انتهى إلى المديح قال :
49 قال بعض الحاضرين : مه! من هؤلاء حتى تشبّه الخليفة بهم؟ فأطرق أبو تمام هنيّة ثمّ رفع رأسه وقال :
فتعجّب الخليفة والحاضرون من قدرته على الكلام فولّاه الموصل.
وحكى البحتري أنّه دخل على بعض الولاة ومدحه بقصيدة قرأها عليه قال : فلمّا تمّمتها قال رجل من الحاضرين : يا هذا أما تستحي تأتي بشعري وتنشده بحضوري؟ قلت : تعني أن هذه القصيدة لك؟ قال : خذها! وجعل يعيدها إلى آخرها. قال : فبقيت لا أرى بعيني شيئا واسودّ وجهي فقمت حتى أخرج فلمّا شاهد مني تلك الحالة قام وعانقني وقال : الشعر لك وأنت أمير الشعراء بعدي! فسألت عنه قالوا : هو أبو تمام الطائي.
وينسب إليها حاتم الطائي وكان جوادا شاعرا شجاعا إذا قاتل غلب وإذا غنم نهب وإذا سئل وهب وكان أقسم بالله أن لا يقتل واحد أمّه وكان يقول لعبده يسار إذا اشتدّ كلب الشتاء :
وقالوا : لم يكن يمسك إلّا فرسه وسلاحه.
وحكي أنّه اجتاز في سفره على عترة فرأى فيهم أسيرا فاستغاث بحاتم فاشتراه من العتريّين وقام مقامه في القدّ حتى أدّى فكاكه.
ومن العجب ما ذكر أن قوما نزلوا عند قبر حاتم وباتوا هناك وفيهم رجل يقال له أبو الخيبري يقول طول ليله : يا حفر اقر أضيافك! فقيل له :مهلا ما تكلّم من رمّة بالية! فقال : إن طيّئا يزعم أنّه لم ينزل به أحد إلّا قراه! فلمّا نام رأى في نومه كأن حاتما جاء ونحر راحلته فلمّا أصبح جعل يصيح : وا راحلتاه! فقال أصحابه : ما شأنها؟ قال : عقرها حاتم بسيفه والله وأنا أنظر إليها حتى عقرها! فقالوا : لقد قراك! فظلّوا يأكلونها واردفوه فاستقبلهم في اليوم الثاني راكب قارن جملا فإذا هو عديّ بن حاتم فقال :أيّكم أبو الخيبري؟ قالوا : هذا. فقال : إن أبي جاءني في النوم وذكر شتمك إيّاه وأنّه قد قرى براحلتك أصحابك وقال في ذلك أبياتا وهي هذه :
وأمرني ببعير لك فدونكه! فأخذه وركبه وذهب مع أصحابه. وقال ابن دارة لمّا مدح عديّا :
مدينة بأرض الهند فيها هيكل فيه صنم مضطجم يسمع منه في بعض الأوقات صفير فيرى قائما فإذا فعل ذلك كان دليلا على الرخص والخصب في تلك السنة وإن لم يفعل يدلّ على الجدب والناس يمتارون من المواضع البعيدة ذكره صاحب تحفة الغرائب.
ناحية بين البصرة وعمان على ساحل البحر بها مغاص الدرّ ودرّه أحسن الأنواع وينتقل إليها قفل الصدف في كلّ سنة من مجمع البحرين يحمل الصدف بالدرّ بمجمع البحرين ويأتي إلى البحرين ويستوي خلقه هاهنا وإذا وصل قفل الصدف يهنىء الناس بعضهم بعضا وليس لأحد من الملوك مثل هذه الغلّة ومن سكن بالبحرين يعظم طحاله وينتفخ بطنه ولهذا قال الشاعر :
وبها نوع من البسر من شرب من نبيذه وعليه ثوب أبيض صبغه عرقه حتى كأنّه ثوب أحمر.
ينسب إليها القرامطة أبو سعيد وأبو طاهر خالفوا ملّة الإسلام وقتلوا الحجّاج ونهبوا سلب الكعبة وخروجهم سنة خمس وسبعين ومائتين في عهد المعتمد بن المتوكّل وقلعوا الحجر الأسود وأخذوه وبعث إليهم الخليفة العبّاس بن عمرو الغنوي في عسكر كثيف قتلوا الجميع وأسروا العبّاس ثمّ أطلقوه وحده حتى يخبر الناس بما جرى عليهم والحجر الأسود بقي عندهم سنين حتى اشتراه المطيع بالله بأربعة وعشرين ألف دينار وردّه إلى مكانه.
حكي أن بعض القرامطة قال لبعض علماء الإسلام : عجبت من عقولكم! بذلتم مالا كثيرا في هذا الحجر فما يؤمنكم انّا ما أمسكناه ورددنا إليكم غيره؟ فقال العالم : لنا في ذلك علامة وهي أنّه يطفو على الماء ولا يرسب!فألقمه الحجر.
موضع بين مكّة والمدينة بها الواقعة المباركة التي كانت بين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمشركين وحضر فيها الملائكة والجنّ والانس والمسلمون كلّهم. وبها بئر ألقي فيها قتلى المشركين فدنا منها رسول الله عليه السلام وقال : يا عتبة يا شيبة هل
51
وجدتم ما وعد ربّكم حقّا؟ فقيل : يا رسول الله هل يسمعون كلامنا؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : والذي نفسي بيده لستم بأسمع منهم إلّا أنّهم لا يقدرون على ردّ الجواب!
بلاد متاخمة للصين من إحدى جهاته وللهند من أخرى مقدار مسافتها مسيرة شهر بها مدن وعمارات كثيرة ولها خواصّ عجيبة في هوائها ومائها وأرضها من سهلها وجبلها ولا تحصى عجائب أنهارها وثمارها وآبارها. وهي بلاد تقوى بها طبيعة الدم فلهذا الغالب على أهلها الفرح والسرور فلا يزال الإنسان بها ضاحكا فرحا لا يعرض له الهمّ والحزن ولا يكاد يرى بها شيخ حزين أو عجوز كئيبة بل الطرب في الشيوخ والكهول والشبّان عام حتى يرى ذلك في وجه بهائمهم أيضا وفي أهلها رقّة طبع وبشاشة وأريحيّة تبعث على كثرة استعمال الملاهي وأنواع الرقص حتى ان أحدهم لو مات لا يدخل أهله كثير حزن.
وبها معدن الكبريت الأحمر الذي في الدنيا قليل من ظفر به فقد ظفر بمراده.
وبها جبل السمّ وهو جبل من مرّ به يضيق نفسه فإمّا يموت أو يثقل لسانه.
وبها ظباء المسك وانّها في صورة ظباء بلادنا إلّا أن لها نابين كنابات الخنازير وسرّتها مسك ولكن مسك ظباء تبّت أحسن أنواع المسك لأن ظباءها ترعى السنبل وأهل تبت لا يتعرّضون للمسك حتى ترميه الغزال وذلك أنّه يجتمع الدم في سرّتها مثل الخراج فإذا تمّ ذلك الخراج تأخذ الغزال شبه الحكّة فإذا رأت حجرا حادّا تحكّ به سرّتها والدم ينفجر منها والغزال تجد بذلك لذّة فتحكّ حتى تنصب المادة كلّها من السرّة وتقع على ذلك الحجر وأهل تبت يتبعون مراعيها فإذا وجدوا تلك المادّة المنفجرة على الحجر أخذوها وأودعوها النوافج فإنّها أحسن أنواع المسك لبلوغ نضجه وإن ذلك يكون عند ملوكهم يتهادون به قلّ ما يقع منه بيد التجّار.
وبها فارة المسك وهي دويبة تصاد وتشدّ سرّتها شدّا وثيقا فيجتمع فيها الدم ثمّ يذبحونها ويقوّرون سرّتها ويدفنونها في وسط الشعير أيّاما فيجمد الدم فيها فيصير مسكا ذكيّا بعدما كان نتن الرائحة وهي أحسن أنواع المسك وأعزّها وأيضا في بيوتهم جرذان سود لها رائحة المسك ولا يحصل من سرّتها شيء ينتفع به.
وأهل تبت ترك من نسل يافث بن نوح عليه السلام وبها قوم من حمير من نسل من حملهم إليها في زمن التبابعة.
ناحية من أعمال قندهار في جبالها حجر إذا ألقي على النار ونظر إليه شيء من الحيوان ينتفخ بدنه حتى يصير ضعف ما كان.
حكى لي الأمير
52 حسام الدين أبو المؤيّد نعمان أن تلك الخاصيّة في المرة الأولى كراكب البحر فإنّه في المرّة الأولى يغشاه الدوار والغشيان وبعد ذلك لا يكون شيء من ذلك.
وقال الأمير أبو المؤيد : حضرت عند بعض الأمراء بتلك الديار فأحضر عندنا مجمرة عليها عود فرأيت وجه من كان قاعدا عندي انتفخ وشخصت عيناه وتغيّر عليه الحال وتهوّع فأمر أمّ المثوى بإزالة المجمرة متبسّما فرجع صاحبي إلى حاله! قلت له : ما الذي دهمك فإني رأيت منك على صفة كذا؟ فقال لي : وأنا أيضا رأيت منك مثل ما رأيت مني! فأخبرتنا أمّ المثوى أن هذا من خاصيّة هذا الحجر وأنا أردت أن أريكم شيئا عجيبا.
مدينة بأرض الهند حصينة جدّا على رأس جبل مشرف نصفها على البحر ونصفها على البرّ. قالوا : ما امتنع على الإسكندر شيء من بلاد الهند إلّا هذه المدينة.
قال مسعر بن المهلهل : أهل هذه المدينة كلّها من الكواكب يعظّمون قلب الأسد ولهم بيت رصد وحساب ومعرفة بعلم النجوم. وعمل الوهم في طباعهم إذا أرادوا حدوث حادث صرفوا همّتهم إليه وما زالوا به حتى حدث.
حكي أن بعض ملوكهم بعث إلى بعض الأكاسرة هدايا فيها صندوقان مقفّلان فلمّا فتحوهما كان في كلّ صندوق رجل قيل : من أنتما؟ قالا :نحن إذا أردنا شيئا صرفنا همّتنا إليه فيكون. فاستنكروا ذلك فقالا : إذا كان للملك عدوّ لا يندفع بالسيف فنحن نصرف همّتنا إليه فيموت! فقالوا لهما :اصرفا همّتكما إلى موتكما. قالا : اغلقوا علينا الباب. فأغلقوا ثمّ عادوا إليهما فوجدوهما ميتين فندموا على ذلك وعلموا أن قولهما صحيح.
وبهذه المدينة شجرة الدارصيني وهي شجر حرّ لا مالك له.
وأهل هذه المدينة لا يذبحون الحيوان ولا يأكلون السمك ومأكولهم البرّ والبيض.
جزيرة قريبة من جزائر الزانج قال ابن الفقيه : سكّانها قوم وجوههم كالمجانّ المطرّقة وشعورهم كأذناب البراذين وبها الكركدن وبها جبال يسمع منها باللّيل صوت الطبل والدفّ والصياح المزعجة والبحريّون يقولون :إن الدجّال فيها ومنها يخرج.
وبها القرنفل ومنها يجلب وذلك أن التجّار ينزلون عليها ويضعون بضائعهم وأمتعتهم على الساحل ويعودون إلى مراكبهم ويلبثون فيها فإذا أصبحوا ذهبوا إلى أمتعتهم فيجدون إلى جانب كلّ شيء من البضاعة شيئا من القرنفل فإن رضيه أخذه وترك البضاعة وإن أخذوا البضاعة والقرنفل لم تقدر مراكبهم على السير حتى يردّوا أحدهما إلى مكانه
وإن طلب أحدهم الزيادة فترك البضاعة والقرنفل فيزاد له فيه.
وحكى بعض التجّار أنّه صعد هذه الجزيرة فرأى فيها قوما مردا وجوههم كوجوه الأتراك وآذانهم مخرّمة ولهم شعورهم على زيّ النساء فغابوا عن بصره ثمّ إن التجّار بعد ذلك أقاموا يتردّدون إليها ويتركون البضائع على الساحل فلم يخرج إليهم شيء من القرنفل فعلموا أن ذلك بسبب نظرهم إليهم ثمّ عادوا بعد سنين إلى ما كانوا عليه.
ولباس هذا القوم ورق شجر يقال له اللوف يأكلون ثمرتها ويلبسون ورقها.
ويأكلون حيوانا يشبه السرطان وهذا الحيوان إذا أخرج إلى البرّ صار حجرا صلدا وهو مشهور يدخل في الاكحال ويأكلون السمك والموز والنارجيل والقرنفل وهذا القرنفل من أكله رطبا لا يهرم ولا يشيب شعره.
جزيرة في بحر الهند فيها قوم شقر وجوههم على صدورهم. وبها جبل عليه نار عظيمة بالليل ودخان عظيم بالنهار ولا يقدر أحد على الدنو منه وبها العود والنارجيل والموز وقصب السكّر.
جزيرة عظيمة فيها مدن وقرى توازي عدن يجلب منها الصبر ودم الأخوين. أمّا الصبر فصمغ شجرة لا توجد إلّا في هذه الجزيرة وكان أرسطاطاليس كاتب الإسكندر يوصيّه في أمر هذه الجزيرة لأجل هذا الصبر الذي فيه منافع كثيرة سيما في الايارجات فأرسل الإسكندر جمعا من اليونانيّين إلى هذه الجزيرة فغلبوا من كان فيها من الهند وسكنوها.
فلمّا مات الإسكندر وظهر المسيح عليه السلام تنصّروا وبقوا على التنصّر إلى هذا الوقت وهم نسل الحكماء اليونانيّين وليس في الدنيا والله أعلم قوم من نسل اليونانيّين يحفظون أنسابهم غير أولئك ولا يداخلون فيها غيرهم. وطول هذه الجزيرة نحو ثمانين فرسخا وفيها عشرة آلاف مقاتل نصارى.
جزيرة في بحر الهند يجلب منها الصندل والسنبل والكافور. وبها مدن وقرى وزروع وثمار وفي بحرها سمكة إذا أدركت ثمار أشجار هذه الجزيرة تصعد السمكة أشجارها وتمصّ ثمارها مصّا ثمّ تسقط كالسكران فيأتي الناس يأخذونها.
وحكى صاحب تحفة الغرائب : أن بهذه الجزيرة عينا فوّارة يفور الماء منها وينزل في ثقبة بقربها فما يبقى من الرشاشات على أطرافها ينعقد حجرا صلدا فما كان من الرشاشات في اليوم يصير حجرا أبيض وما كان في الليل يصير حجرا أسود.
جزيرة عظيمة بين الصين والهند. دورتها ثمانمائة فرسخ وسرنديب داخل فيها وبها قرى ومدن كثيرة وعدّة ملوك لا يدين بعضهم لبعض والبحر عندها يسمّى شلاهط ويجلب منها الأشياء العجيبة.
وبها الصندل والسنبل والدارصيني والقرنفل والبقم وسائر العقاقير وقد يوجد من العقاقير ما لا يوجد في غيرها وقيل : بها معادن الجواهر وانّها جزيرة كثيرة الخير.
جزيرة عامرة واسعة بها قرى ومدن وجبال وأشجار ولبلدانها أسوار عالية ظهر فيها شجاع عظيم يتلف مواشيهم وكان الناس منه في شدّة شديدة فجعلوا له كلّ يوم ثورين وظيفة ينصبونهما قريبا من موضعه وهو يقبل كالسحاب الأسود وعيناه تقدان كالبرق الخاطف والنار تخرج من فيه فيبلع الثورين ويرجع إلى مكانه وإن لم يفعلوا ذلك قصد بلادهم وأتلف من الناس والمواشي والمال ما شاء الله فشكا أهل هذه الجزيرة إلى الإسكندر فأمر بإحضار ثورين وسلخهما وحشا جلدهما زفتا وكبريتا وكلسا وزرنيخا وكلاليب حديد وجعلهما مكان الثورين على العادة فجاء الشجاع وابتلعهما واضطرم الكلس في جوفه وتعلّقت الكلاليب بأحشائه فرأوه ميتا فاتحا فاه ففرح الناس بموته.
في بحر الهند ذكروا أن فيها قصرا أبيض يتراءى للمراكب فإذا رأوا ذلك تباشروا بالسلامة والربح. قيل : إنّه قصر شاهق لا يدرى ما في داخله وقيل : فيها أموات وعظام كثيرة وقيل : إن بعض ملوك العجم سار إليها فدخل القصر بأتباعه فوقع عليهم النوم وخدرت أجسامهم فبادر بعضهم إلى المراكب وهلك الباقون.
وحكي أن ذا القرنين رأى في بعض الجزائر أمّة رؤوسهم رؤوس الكلاب وأنيابهم خارجة من فيهم. خرجوا إلى مراكب ذي القرنين وحاربوها فرأى نورا ساطعا فإذا هو قصر مبنيّ من البلور الصافي وهؤلاء يخرجون منه فأراد النزول عليه فمنعه بهرام الفيلسوف الهندي وعرّفه ان من دخل هذا القصر يقع عليه النوم والغشي ولا يستطيع الخروج فيظفر به هؤلاء والبحر لا تحصى عجائبه.
حاجز بين اليمن والشام وهو مسيرة شهر قاعدتها مكّة حرسها الله تعالى لا يستوطنها مشرك ولا ذميّ كانت تقام للعرب بها أسواق في الجاهليّة
كلّ سنة فاجتمع بها قبائلهم يتفاخرون ويذكرون مناقب آبائهم وما كان لهم
55 من الأيّام ويتناشدون أشعارهم التي أحدثوا.
وكانت العرب إذا أرادت الحجّ أقامت بسوق عكاظ شهر شوال ثمّ تنتقل إلى سوق مجنّة فتقيم فيه عشرين يوما من ذي القعدة ثمّ تنتقل إلى سوق ذي المجار فتقيم فيه إلى الحجّ والعرب اجتمعوا في هذه المواسم فإذا رجعوا إلى قومهم ذكروا لقومهم ما رأوا وما سمعوا.
عن ابن عبّاس رضي الله عنه ان وفد اياد قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال لهم : أيّكم يعرف قسّ بن ساعدة؟ قالوا : كلّنا نعرفه. قال : ما فعل؟ قالوا : هلك! فقال صلّى الله عليه وسلّم : ما أنساه بعكاظ في الشهر الحرام على حمل أورق وهو يخطب الناس ويقول : أيّها الناس اسمعوا وعوا من عاش مات ومن مات فات وكلّ ما هو آت آت إن في السماء لخبرا : سحائب تمور ونجوم تغور في فلك يدور. ويقسم قسّ قسما ان الله دينا هو أرضى من دينكم هذا! ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون؟
ارضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا فناموا؟ ثمّ قال : أيّكم يروي شعره؟ فقال أبو بكر : أنا أحفظه يا رسول الله ؛ فقال : هات فأنشد :
قال ابن عبّاس رضي الله عنه : ذكر قسّ بين يدي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال : رحم الله قسّا إني لأرجو أن يأتي أمّة واحدة.
حكى رجل من ثقيف انّه رأى بسوق عكاظ رجلا قصير القامة على بعير في حجم شاة وهو يقول : أيّها الناس هل فيكم من يسوق لنا تسعا وتسعين ناقة ينطلق بها إلى أرض وبار فيؤدّيها إلى حماله صبار؟ قال : فاجتمع الناس عليه يتعجبون منه ومن كلامه وبعيره. فلمّا رأى ذلك عمد إلى بعيره وارتفع في الهواء ونحن ننظر إليه إلى أن غاب عن أعيننا.
ويكثر لأهل الحجاز الجذام لفرط الحرارة يحرق أخلاطهم فيغلب على مزاجهم السوداء سوى أهل مكّة فإن الله كفاهم ذلك.
وبها أشجار عجيبة كالدوم وهو شجر المقل قيل : إنّها شجر النارجيل في غير الحجاز والعنم ولها ثمرة طويلة حمراء تشبه أصابع العذارى والاسحل شجر المساويك والكنهبل والبشام ؛ قالوا : هو شجر البلسان بمصر والرتم والضال والسمر والسلع.
وبها جبل الحديد وهو في ديار بجيلة ويسمّى جبل الحديد إمّا لصلابة حجره أو لأنّه معدن الحديد.
أسرت بجيلة تأبّط شرّا فاحتال عليهم
حيلة عجيبة وذاك أن تأبّط شرّا وعمرو بن برّاق والشّنفرى خرجوا يرون بجيلة فبدرت بهم بجيلة فابتدر ستّة عشر غلاما من سرعانهم وقعدوا على ماء لهم وأنذر تأبّط شرّا بخروج القوم لطلبة فشاور صاحبيه فرجعوا إلى قلّة هذا الجبل وإنّه شاهق مشمخّر وأقاموا حتى يضجر القوم وينصرفوا فلمّا كان اليوم الثالث قالا لتأبّط شرّا :رد بنا وإلّا هلكنا عطشا! فقال لهما : البثا هذا اليوم فما للقوم بعد اليوم مقام.
فأبيا وقالا له : هلكنا فرد بنا وفينا بقيّة. قال : اهبطا. فلمّا قربوا من الماء أصغى تأبّط شرّا وقال لصاحبيه : إني لأونس وحبيب قلوب الرصد على الماء! قالا : وجيب قلبك يا تأبّط! قال : كلّا ما وجب وما كان وجّابا ولكن رد يا عمرو واستنقض الموضع وعد إلينا. فورد وصدر ولم ير أحدا فقال :ما على الماء أحد. فقال تأبّط شرّا : بلى ولكنّك غير مطلوب. ثمّ قال : رد
يا شنفرى واستنقض الموضع وعد. فورد الشنفرى وشرب وصدر وقال :ما رأيت على الماء أحدا.
قال تأبّط شرّا : بلى ما يريد القوم غيري! فسر يا شنفرى حتى تكون من خلفهم بحيث لا يرونك وأنت تراهم فإني سأرد فأؤخذ وأكون في أيديهم فابدلهم يا عمرو حتى يطمعوا فيك فإذا اشتدّوا عليك ليأخذوك وبعدوا عني فابدر يا شنفرى حلّ عني وموعدنا قلّة جبل الحديد حيث كنّا وورد تأبّط شرّا وشرب الماء فوثب عليه القوم وأخذوه وشدّوا وثاقه فقال تأبّط شرّا :يا بجيلة إنّكم لكرام فهل لكم أن تمنّوا عليّ بالفداء وعمرو بن برّاق فتى فهم وجميلها على أن تأسرونا أسر الفداء وتؤمنونا من القتل ونحن نحالفكم ونكون معكم على أعدائكم وينشر هذا من كرمكم بين أحياء العرب؟ قالوا : أين عمرو؟ قال : ها هو معي قد أخّره الظمأ وخلّفه الكلال!فلم يلبث حتى أشرف عمرو في اللّيل فصاح به تأبّط شرّا : يا عمرو إنّك لمجهود فهل لك أن تمكّن من نفسك قوما كراما يمنّون عليك بالفداء؟قال عمرو : أمّا دون أن أجرّب نفسي فلا. ثمّ عدا فلا ينبعث فقال تأبّط شرّا : يا بجيلة دونكم الرجل فإنّه لا بصر له على السعي وله ثلاث لم يطعم شيئا! فعدوا في أثره فأطمعهم عمرو عن نفسه حتى أبعدهم وخرج الشنفرى وحلّ تأبّط شرّا وخرجا يعدوان ويصيحان : يعاط يعاط! وهي شعار تأبّط شرّا فسمع عمرو أنّه نجا واستمرّ عدوا وفات أبصارهم واجتمعوا على قلّة الجبل ونجوا ثمّ عادوا إلى قومهم فقال تأبّط شرّا في تلك العدوة :
وبها جبل رضوى وهو جبل منيف ذو شعاب وأودية يرى من البعد أخضر وبه مياه وأشجار كثيرة زعم الكيسانيّة أن محمّد بن الحنفيّة مقيم به وهو حيّ بين يدي أسد ونمر يحفظانه وعنده عينان نضّاختان تجريان بماء وعسل ويعود بعد الغيبة يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وهو المهدي المنتظر وإنّما عوقب بهذا الحبس لخروجه على عبد الملك بن مروان وقلبه على يزيد بن معاوية وكان السيّد الحميري على هذا المذهب ويقول في أبيات :
ومن جبل رضوى يقطع حجر المسنّ ويحمل إلى البلاد. وبها جبل السراة ؛ قال الحازمي : إنّها حاجزة بين تهامة واليمن وهي عظيمة الطول والعرض والامتداد ولهذا قال الشاعر :
قال أبو عمرو بن العلاء : أفصح الناس أهل السروات أوّلها هذيل ثمّ بجيلة ثمّ الأزد أزد شنوءة. وإنّها كثيرة الأهل والعيون والأنهار والأشجار وبأسفلها أودية تنصبّ إلى البحر وكلّ هذه الجبال تنبت القرظ وفيها الأعناب وقصب السكر والاسحل وفيه معدن البرام يحمل منه إلى سائر البلاد.
وبها جبل قنا وهو جبل عظيم شامخ سكّانه بنو مرّة من فزارة.
وحظّ صاحبة قنا مشهور ؛ قال الشاعر :
وهو ما ذكر أن نصيبا الشاعر اجتاز بقنا ووقف على باب يستسقي فخرجت
إليه جارية بلبن أو ماء وسقته وقالت له : شبّب بي! فقال لها :ما اسمك؟ قالت : هند. فأنشأ يقول :
فشاع هذا الشعر وخطبت الجارية وأصابت خيرا بسبب شعر نصيب.
وبها جبل يسوم في بلاد هذيل قرب مكّة لا يكاد أحد يرتقيه ولا ينبت غير النبع والشوحط تأوي إليه قرود تفسد قصب السكّر في جبال السراة وأهل جبال السراة من تلك القرود في بلاء وشدّة عظيمة لا يمكنهم دفعها لأن مساكنها لا تنال.
وفي الأمثال : الله أعلم بمن حطّها عن رأس يسوم ؛ قيل : إن رجلا نذر ذبح شاة فمرّ بيسوم فرأى فيه راعيا فاشترى منه شاة وأنزلها من الجبل وأمر الراعي بذبحها وتفريقها عنه وولّى. فقيل له : إن الراعي يذبحها لنفسه! فقال : الله اعلم بمن حطّها عن رأس يسوم.
وبها عين ضارج عين في برية مهلكة بين اليمن والحجاز في موضع لا مطمع للماء فيه. حدّث إبراهيم بن إسحاق الموصلي أن قوما من اليمن أقبلوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فضلّوا الطريق ومكثوا ثلاثا لم يجدوا ماء وأيسوا من الحياة إذ أقبل راكب على بعير له وكان بعضهم ينشد :
فقال الراكب : من قائل هذا الشعر؟ قالوا : امرؤ القيس. قال : والله ما كذب! هذا ضارج وأشار إليه فحثّوا على ركبهم فإذا ماء عذب وعليه العرمض والظلّ يفيء عليه فشربوا ريّهم وحملوا ما اكتفوا فلمّا أتوا رسول الله قالوا : يا رسول الله أحيانا الله ببيتين من شعر امرىء القيس وأنشدوا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ذاك رجل مذكور في الدنيا شريف فيها منسيّ في الآخرة خامل فيها يجيء يوم القيامة ومعه لواء الشعراء إلى النار.
وبها عين المشقّق. المشقّق : اسم واد بالحجاز وكان به وشل يخرج منه ماء يروي الراكبين أو الثلاثة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك : من سبقنا الليلة إليه فلا يستقينّ منه شيئا حتى نأتيه. فسبقه نفر من المنافقين فاستقوا ما فيه فلمّا أتاه النبيّ عليه السلام لم ير فيه شيئا فقال : أولم أنهكم أن تستقوا منه شيئا؟ ثمّ نزل فوضع يده تحت الوشل فجعل يصب في يده من الماء فنضحه به ومسحه بيده المباركة ودعا بما شاء أن يدعو ربّه
فانخرق من الماء ما سمع له حسّ كحسّ الصواعق فشرب الناس واستقوا حاجتهم فقال صلّى الله عليه وسلّم : لئن بقيتم أو بقي أحد منكم ليسمعنّ بهذا الوادي وهو أخضر ما بين يديه وما خلفه. وكان كما قال صلّى الله عليه وسلّم.
ديار ثمود بوادي القرى بين المدينة والشام. قال الاصطخري : هي قرية من وادي القرى على يوم بين جبال بها كانت منازل ثمود الذين قال الله تعالى فيهم : وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين. قال : رأيتها بيوتا مثل بيوتنا في جبال تسمّى الاثالث وهي جبال إذا رآها الرائي من بعد ظنّها متّصلة فإذا توسّطها رأى كلّ قطعة منها منفردة بنفسها يطوف بكلّ قطعة منها الطائف وحواليها رمل لا يكاد يرتقى ذروتها.
بها بئر ثمود التي كان شربها بين القوم وبين الناقة ولمّا سار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى تبوك أتى على منازل ثمود وأرى أصحابه الفجّ الذي كانت الناقة منه ترد الماء وأراهم ملتقى الفصيل في الجبل وقال عليه السلام لأصحابه : لا يدخلنّ أحدكم القرية ولا يشربن من مائها ولا يتوضّأ منه وما كان من عجين فاعلفوه الإبل ولا تأكلوا منه شيئا ولا يخرج الليلة أحد إلّا مع صاحبه.
ففعل الناس ذلك إلّا رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لطلب بعير له والآخر لقضاء حاجته فالذي خرج لحاجته أصابه جنون والذي خرج لطلب البعير احتملته الريح. فأخبر بهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال :ألم أنهكم أن يخرج أحد إلّا مع صاحبه؟ فدعا لمن أصابه جنون فشفي وأمّا الذي احتملته الريح فأهدته طيّء إلى رسول الله عليه السلام بعد عوده إلى المدينة.
فأصبح الناس بالحجر ولا ماء معهم فشكوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدعا الله تعالى فأرسل سحابة فأمطرت حتى روي الناس.
قرية باليمن يقال لها خطّ هجر تنسب إليها الرماح الخطّيّة وهي أحسن أنواع خفّة وصلابة وتثقيفا تحمل إليها من بلاد الهند والصنّاع بها يثقّفونها أحسن التثقيف.
حصون على ثمانية برد من المدينة لمن أراد الشام ذات مزارع ونخيل كثيرة وهي موصوفة بكثرة الحمّى ولا تفارق الحمى أهلها. وكان أهلها يهودا يزعمون ان من أراد دخول خيبر على بابها يقف على أربعه وينهق نهيق الحمار عشر مرّات لا تضرّه حمّى خيبر ويسمّى ذلك تعشيرا والمعنى فيه أن الحمّى ولوع بالناس واني حمار.
وحكى الهيثم بن عديّ ان عروة الصعاليك وأصحابه قصدوا خيبر يمتارون بها فلمّا وصلوا إلى بابها عشّروا خوفا من وباء خيبر وأبى عروة
الصعاليك أن يعشّر وقال : {{قصيدة|وقالوا : أجب وانهق لا يضرّك خيبر
وذلك من دين اليهود ولوع
وحكي ان اعرابيّا قدم خيبر بعيال كثير فقال : {{قصيدة|قلت لحمّى خيبر استعدّي
هناك عيالي فاجهدي وجدّي
فحمّ ومات وبقي عياله.
موضع بالحجاز زعم تأبّط شرّا انّه لقي الغول هناك ليلا وجرى بينه وبينها محاربة وفي الأخير قتلها وحمل رأسها إلى الحيّ وعرضها عليهم حتى عرفوا شدّة جأشه وقوّة جنانه وهو يقول :
قرية بينها وبين بيت المقدس ثلاثة أيّام في طرف البحيرة المنتنة وزغر اسم بنت لوط عليه السلام نزلت بهذه القرية فسميّت باسمها وهي في واد وخم رديّ في أشأم بقعة يسكنها أهلها بحبّ الوطن ويهيج بهم الوباء في بعض الأعوام فيفني جلّهم.
بها عين زغر وهي العين التي ذكر أنّها تغور في آخر الزمان وغورها من اشراط الساعة جاء ذكرها في حديث الجسّاسة ؛ قال البشّاري : زغر قتّالة للغرباء من أبطأ عليه ملك الموت فليرحل إليها فإنّه يجده بها قاعدا بالرصد وأهلها سودان غلاظ ماؤها حميم وهواؤها جحيم إلّا أنّها البصرة
الصغرى والمتجر المربح وهي من بقيّة مدائن قوم لوط وإنّما نجت لأن أهلها لم يكونوا آتين بالفاحشة.
مدينة بإفريقية غير مسورة في أوّل حدود السودان ولأهلها خاصيّة عجيبة في معرفة آثار القدم ليس لغيرهم تلك الخاصّية حتى يعرفون أثر قدم الغريب والبلدي والرجل والمرأة واللّص والعبد الآبق والأمة والذي يتولّى احتراس المدينة يعمد إلى دابّة يشدّ عليها حزمة من جرائد النخل بحيث ينال سعفه الأرض ثمّ يدور به حول المدينة فإذا أصبح ركب ودار حول المدينة فإن رأى أثرا خارجا تبعه حتى أدركه أينما توجّه.
وقد بنى عبد الله المهدي جدّ خلفاء مصر إلى جانب زويلة مدينة أخرى سمّاها المهديّة بينهما غلوة سهم. كان يسكن هو وأهله بالمهدّية وأسكن العامّة في زويلة وكانت دكاكينهم وأموالهم بالمهدية وبزويلة مساكنهم فكانوا يدخلون بالنهار زويلة للمعيشة ويخرجون باللّيل إلى أهاليهم فقيل للمهدي : إن رعيتك في هذا في عناء! فقال : لكن أنا في راحة لأني بالليل أفرّق بينهم وبين أموالهم وبالنهار أفرّق بينهم وبين أهاليهم فآمن غائلتهم بالليل والنهار!
ناحية بين الهند وكرمان وسجستان ؛ قالوا : السند والهند كانا أخوين من ولد توقير بن يقطن بن حام بن نوح عليه السلام.
بها بيت الذهب ؛ قال مسعر بن مهلهل : مشيت إلى بيت الذهب المشهور بها فإذا هو من ذهب في صحراء يكون أربعة فراسخ لا يقع عليها الثلج ويثلج ما حولها وفي هذا البيت ترصد الكواكب وهو بيت تعظّمه الهند والمجوس وهذه الصحراء تعرف بصحراء زردشت نبيّ المجوس ويقول أهل تلك الناحية : متى يخرج منه إنسان يطلب دولة لم يغلب ولا يهزم له عسكر حيث أراد.
وحكي أن الإسكندر لمّا فتح تلك البلاد ودخل هذا البيت أعجبه فكتب إلى أرسطاطاليس وأطنب في وصف قبّة هذا البيت فأجابه أرسطو : إني رأيتك تتعجّب من قبّة عملها الآدميون وتدع التعجّب من هذه القبّة المرفوعة فوقك وما زينت به من الكواكب وأنوار الليل والنهار! وسأل عثمان بن عفّان عبد الله بن عامر عن السند فقال : ماؤها وشل وتمرها دقل ولصّها بطل! إن قلّ الجيش بها ضاعوا وإن كثروا جاعوا! فترك عثمان غزوها.
وبها نهر مهران وهو نهر عرضه كعرض دجلة أو أكثر يقبل من المشرق آخذا إلى الجنوب متوجّها نحو المغرب ويقع في بحر فارس أسفل السند ؛ قال الاصطخري : نهر مهران يخرج من ظهر جبل
يخرج منه بعض أنهار جيحون ثمّ يظهر بناحية ملتان على حدّ سمندور ثمّ على المنصورة ثمّ يقع في البحر شرقي الدّيبل وهو نهر كبير عذب جدّا وان فيه تماسيح كما في نيل مصر وقيل : إن تماسيح نهر السند أصغر حجما وأقلّ فسادا. وجري نهر السند كجري نهر النيل يرتفع على وجه الأرض ثمّ ينصبّ فيزرع عليه كما يزرع بأرض مصر على النيل.
بلدة مشهورة من بلاد الهند على ساحل البحر بحيث تغلبه أمواجه.
كان من عجائبها هيكل فيه صنم اسمه سومناة وكان الصنم واقفا في وسط هذا البيت لا بقائمة من أسفله تدعمه ولا بعلاقة من أعلاه تمسكه وكان أمر هذا الصنم عظيما عند الهند من رآه واقفا في الهواء تعجّب مسلما كان أو كافرا وكانت الهند يحجّون إليه كلّ ليلة خسوف يجتمع عنده ما يزيد على مائة ألف إنسان وتزعم الهند أن الأرواح إذا فارقت الأجساد اجتمعت إليه وهو ينشئها في من شاء كما هو مذهب أهل التناسخ وان المدّ والجزر عبادة البحر له. وكانوا يحملون إليه من الهدايا كلّ شيء نفيس وكان له من الوقوف ما يزيد على عشرة آلاف قرية.
ولهم نهر يعظّمونه بينه وبين سومناة مائتا فرسخ يحمل ماؤها إلى سومناة كلّ يوم ويغسل به البيت وكانت سدنته ألف رجل من البراهمة لعبادته وخدمة الوفود وخمسمائة أمة يغنين ويرقصن على باب الصنم وكلّ هؤلاء كانت أرزاقهم من أوفاف الصنم وأمّا البيت فكان مبنيّا على ستّ وخمسين سارية من الساج المصفح بالرصاص وكانت قبّة الصنم مظلمة وضوءها كان من قناديل الجوهر الفائق وعنده سلسلة ذهب وزنها مائتا منّ كلّما مضت طائفة من الليل حركت السلسلة فتصوت الأجراس فتقوم طائفة من البراهمة للعبادة.
حكي أن السلطان يمين الدولة محمود بن سبكتكين لمّا غزا بلاد الهند سعى سعيا بليغا في فتح سومناة وتخريبها طمعا بدخول الهند في الإسلام فوصل إليها منتصف ذي القعدة سنة ستّ عشرة وأربعمائة فقاتل الهنود عليها أشدّ القتال وكان الهند يدخلون على سومناة ويبكون ويتضرّعون ثمّ يخرجون إلى القتال فقوتلوا حتى استوعبهم الفناء وزاد عدد القتلى على خمسين ألفا فرأى السلطان ذلك الصنم وأعجبه أمره وأمر بنهب سلبه وأخذ خزانته فوجدوا أصناما كثيرة من الذهب والفضّة وستورا مرصعة بالجواهر كلّ واحد منها بعث عظيم من عظماء الهند. وكانت قيمة ما في بيوت الأصنام أكثر من عشرين ألف
ثمّ قال السلطان لأصحابه : ماذا
تقولون في أمر هذا الصنم ووقوفه في الهواء بلاد عماد وعلاقة؟ فقال بعضهم : إنّه علّق بعلاقة وأخفيت العلاقة عن النظر فأمر السلطان شخصا أن يذهب إليه برمح ويدور به حول الصنم وأعلاه وأسفله ففعل وما منع الرمح شيء. وقال بعض الحاضرين : إني أظنّ أن القبّة من حجر المغناطيس والصنم من الحديد والصانع بالغ في تدقيق صنعته وراعى تكافؤ قوّة المغناطيس من الجوانب بحيث لا تزيد قوّة جانب على الجانب الآخر فوقف الصنم في الوسط فوافقه قوم وخالفه آخرون. فقال للسلطان : ائذن لي برفع حجرين من رأس القبّة ليظهر ذلك فأذن له فلمّا رفع حجرين اعوجّ الصنم ومال إلى أحد الجوانب فلم يزل يرفع الأحجار والصنم ينزل حتى وقع على الأرض.
موضع بالهند أو الصين ينسب إليه العود الصّنفي وهو أردأ أصناف العود ليس بينه وبين الحطب إلّا فرق يسير.
مدينة بأرض الهند قريبة بناحية السند لأهلها حظّ وافر في الجمال والملاحة لكونهم متولدين من الترك والهند وهم مسلمون ونصارى ويهود ومجوس.
ويخرج إليها تجارات الترك وينسب إليها العود الصّيموري.
بها بيت الصيمور وهو هيكل على رأس عقبة عظيمة عندهم ولها سدنة وفيها أصنام من الفيروزج والبيجاذق يعظّمونها.
وفي المدينة مساجد وبيع وكنائس وبيت النار وكفّارها لا يذبحون الحيوان ولا يأكلون اللحم ولا السمك ولا البيض وفيهم من يأكل المتردّية والنطيحة دون ما مات حتف أنفه. أخبر بذلك كلّه مسعر بن مهلهل صاحب عجائب البلدان وانّه كان سياحا دار البلاد وأخبر بعجائبها.
بليدة على طرف واد بينها وبين مكّة اثنا عشر فرسخا طيبة الهواء شمالية ربّما يجمد الماء بها في الشتاء. قال الأصمعي : دخلت الطائف وكأني أبشّر وقلبي ينضح بالسرور ولم أجد لذلك سببا إلّا انفساح جوّها وطيب نسيمها.
بها جبل عروان يسكنه قبائل هذيل وليس بالحجاز موضع أبرد من هذا الجبل ولهذا اعتدال هواء الطائف. ويجمد الماء به وليس في جميع الحجاز موضع يجمد الماء به إلّا جبل عروان. ويشقّ مدينة الطائف واد يجري بينها يشقّها وفيها مياه المدابغ التي يدبغ فيها الأديم والطير تصرع إذا مرّت بها من نتن رائحتها. وأديمها يحمل إلى سائر البلدان ليس في شيء من البلاد مثله. وفي أكنافها من الكروم والنخيل والموز وسائر الفواكه ومن العنب العدي ما لا
يوجد في شيء من البلاد وأمّا زبيبها فيضرب بحسنه المثل.
بها وجّ الطائف وإنّها واد نهى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن أخذ صيدها واختلاء حشيشها.
بها حجر اللات تحت منارة مسجدها وهو صخرة كان في قديم الزمان يجلس عليه رجل يلتّ السويق للحجيج فلمّا مات قال عمرو بن لحيّ : إنّه لم يمت لكن دخل في هذه الصخرة! وأمر قومه بعبادة تلك الصخرة وكان في اللات والعزّى شيطانان يكلّمان الناس فاتّخذت ثقيف اللات طاغوتا وبنت لها بيتا وعظّمته وطافت به وهي صخرة بيضاء مربّعة فلمّا أسلمت ثقيف بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا سفيان بن حرب ومغيرة بن شعبة فهدماه والحجر اليوم تحت منارة مسجد الطائف.
وبها كرم الرهط كرم كان لعمرو بن العاص معروشا على ألف ألف خشبة شري كلّ خشبة درهم فلمّا حجّ سليمان بن عبد الملك أحبّ أن ينظر إليه فلمّا رآه قال : ما رأيت لأحد مثله لو لا أن هذه الحرة في وسطه! قالوا : ليس بحرّة بل مسطاح الزبيب. وكان زبيبه جمع في وسطه ليجفّ فرآه من بعيد فظنّه حرّة.
وبها سجن عارم وهو الحبس الذي حبس فيه عبد الله بن الزبير محمّد ابن الحنفية يزوره الناس ويتبرّكون به سيّما الشيعة سيّما الكيسانيّة ؛ قال كثير يخاطب ابن الزبير :
وينسب إليها الحجّاج بن يوسف الثقفي من فحول الرجال كان أوّل أمره معلّما لوشاقية سليمان بن نعيم وزير عبد الملك بن مروان وكان فصيحا شاطرا قال عبد الملك لوزيره : إني إذا ترحّلت يتخلّف مني أقوام أريد شخصا يمنع الناس عن التخلّف. فاختار الوزير الحجّاج لذلك فرأى في بعض الأيّام أن الخليفة قد رحل وتخلّف عنه قوم من أصحاب الوزير فأمرهم بالرحيل فامتنعوا وشتموه في أمّه وأخته فأخذ الحجّاج النار وأضرمها في رحل الوزير فانتهى الخبر إلى عبد الملك فأحضر الحجّاج وقال : لم أحرقت رحل الوزير؟
فقال : لأنّهم خالفوا أمرك! فقال للحجّاج : ما عليك لو فعلت ذلك بغير الحرق؟ فقال الحجّاج : وما عليك لو عوّضته من ذلك ولا يخالف أحد بعد هذا أمرك! فأعجب الخليفة كلامه وما
زال يعلو أمره حتى ولي اليمن واليمامة ثمّ استعمل على العراق سنة خمس وسبعين. وكان أهل العراق كلّ من جاءهم واليا استخفّوا به وضحكوا منه وإذا صعد المنبر رموه بالحصاة ؛ فبعث عبد الملك إليهم الحجّاج فلمّا صعد المنبر متلثما وكان قصير القامة ضحكوا منه فعرف الحجّاج ذلك فأقبل عليهم وقال :
إن أمير المؤمنين نثل كنانته فوجدني أصلبها عودا فرماكم بي واني أرى رؤوسا دنا أوان حصادها وأنا الذي أحصدها. فدخل القوم منه رعب فما زال بهم حتى أراهم الكواكب بالنهار.
ولمّا بنى واسط عدّ في حبسه ثلاثة وثلاثون ألف إنسان حبسوا بلا دم ولا تبعة ولا دين ومات في حبسه واحد وعشرون ألفا صبرا ومن قتله بالسيف فلا يعدّ ولا يحصى! وقال يوما على المنبر في خطبته :
أتطلبون مني عدلّ عمر ولستم كرعية عمر؟ وإنّما مثلي لمثلكم كثير لبئس المولى ولبئس العشير! وكان في مرض موته يقول :
وحكى عمر بن عبد العزيز أنّه رأى الحجّاج في المنام بعد مدّة من موته قال :فرأيته على شكل رماد على وجه الأرض فقلت له : أحجّاج؟ قال : نعم قلت : ما فعل الله بك؟ قال : قتلني بكلّ من قتلته مرّة مرّة وبسعيد بن جبير سبعين مرّة وأنا أرجو ما يرجوه الموحّدون!
وينسب إلى الطائف سعيد بن السائب كان من أولياء الله وعباد الله الصالحين نادر الوقت عديم النظير وكان الغالب عليه الخوف من الله تعالى لا يزال دمعه جاريا فعاتبه رجل على كثرة بكائه فقال له : إنّما ينبغي أن تعاتبني على تقصيري وتفريطي لا على بكائي!
وقال له صديق له : كيف أصبحت؟ قال : أصبحت أنتظر الموت على غير عدة! وقال سفيان الثوري : جلسنا يوما لحدّث ومعنا سعيد بن السائب وكان يبكي حتى رحمه الحاضرون فقلت له : يا سعيد لم تبكي وأنت تسمع حديث أهل الخير؟ فقال : يا سفيان ما ينفعني إذا ذكرت أهل الخير وأنا عنهم بمعزل؟
قلعة في بلاد الهند منيعة، على قلّة جبل ليس لها إلّا مصعد واحد، وعلى رأس الجبل مياه ومزارع وما احتاجوا إليه، غزاها يمين الدولة محمود بن سبكتكين سنة أربع عشرة وأربعمائة، وحاصرها زمانا وضيّق على أهلها، وكان عليها خمسمائة قيل فطلبوا الأمان فآمنهم، وأقرّ صاحبها فيها على خراج،
فأهدى صاحب القلعة إلى السلطان هدايا كثيرة، منها طائر على هيئة القمري، خاصيّته إذا أحضر الطعام وفيه سمّ دمعت عيناه وجرى منهما ماء وتحجّر، فإذا تحجّر سحق وجعل على الجراحات الواسعة الحمها، وهذا الطائر لا يوجد إلّا في ذلك الموضع ولا يتفرّج إلّا فيه.
مدينة مشهورة على ساحل بحر الهند من ناحية اليمن، سميّت بعدن بن سنان بن إبراهيم، عليه السلام، لا ماء بها ولا مرعى، شربهم من عين بينها وبين عدن مسيرة يوم، وكان عدن فضاء في وسط جبل على ساحل البحر، والفضاء يحيط به الجبل من جميع الجوانب، فقطع لها باب بالحديد في الجبل فصار طريقا إلى البرّ.
وإنّها مرفأ مراكب الهند وبلدة التجار ومرابح الهند، فلهذا يجتمع إليها الناس ويحمل إليها متاع الهند والسند والصين والحبشة وفارس والعراق، وقال الاصطخري : بها مغاص اللؤلؤ.
بها جبل النار وهو جبل أحمر اللّون جدّا في وسط البحر ؛ قالوا : هو الجبل الذي تخرج منه النار التي هي من اشراط الساعة، وسكّان عدن يزعمون أنّهم من نسل هارون، عليه السلام، وهم المربّون.
وبها البئر المعطّلة التي ذكرها الله تعالى في القرآن. ومن حديثها أن قوم صالح، عليه السلام، بعد وفاته تفرّقوا بفلسطين، فلحقت فرقة منهم بعدن، وكانوا إذا حبس عنهم المطر عطشوا وحملوا الماء من أرض بعيدة، فأعطاهم الله بئرا فتعجّبوا بها وبنوا عليها أركانا على عدد القبائل، كان لكلّ قبيلة فيها دلو.
وكان لهم ملك عادل يسوسهم، فلمّا مات حزنوا عليه فمثل لهم الشيطان صنما على صورة ذلك الملك، وكلّم القوم من جوف الصنم : إني ألبسني ربي ثوب الالهيّة والآن لا آكل ولا أشرب، وأخبركم بالغيوب فاعبدوني فإني أقربكم إلى ربكم زلفى! ثمّ كان الصنم يأمرهم وينهاهم فمال إلى عبادة الصنم جميعهم، فبعث الله إليهم نبيّا فكذّبوه، فقال لهم نبيّهم : إن لم تتركوا عبادة الصنم يغور ماء بئركم! فقتلوه فأصبحوا لم يجدوا في البئر قطرة ماء.
فمضوا إلى الصنم فلم يكلّمهم الشيطان لمّا عاين نزول ملائكة العذاب، فأتتهم صيحة فأهلكوا، فأخبر الله تعالى عنهم وعن أمثالهم : وكأيّن من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطّلة وقصر مشيد. والقصر المشيد بحضر موت وقد مرّ ذكره، ويقال : إن سليمان بن داود، عليه السلام، حبس المردة مصفّدين في هذه البئر وهي محبسهم.
مدينة كبيرة مشهورة في بلاد بربر على برّ المغرب بين ثنيتين عظيمتين، والعمارة قد تصاعدت حتى بلغت مستواها، وقد تفجّرت كلّها عيونا تسيل إلى قرارة إلى نهر منبسط إلى الأرض ينساب إلى مروج خضر، وعليها داخل
المدينة ستمائة رحى، ولها قهندز في أرفع موضع منها، ويسقيها نهر يسمّى المفروش. قال أبو عبيد البكري : فاس منقسمة قسمين، وهي مدينتان مسورتان، يقال لإحداهما عدوة القروبيين وللأخرى عدوة الأندلسيّين، وفي كلّ دار جدول ماء وعلى بابها رحى وبستان، وهي من أكثر بلاد المغرب ثمارا وخيرا وأكثر بلاد المغرب يهودا، منها يختلفون إلى سائر الآفاق، بها تفّاح حلو يعرف بالاطرابلسي حسن الطعم جدّا، يصلح بعدوة الأندلسيّين ولا يصلح بعدوة القروبيين، وسميذ عدوة الأندلسيّين أطيب من سميذ عدوة القروبيين، ورجال الأندلسيّين أشجع من رجال القروبيين، ونساؤهم أجمل، ورجال القروبيين أحمد من رجال الأندلسيّين ؛ قال إبراهيم الأصيلي : {{قصيدة|دخلت فاسا وبي شوق إلى فاس
والجبن يأخذ بالعينين والرّاس
مدينة عظيمة بأرض الهند، قال مسعر بن مهلهل : دخلت كولم وما رأيت بها بيت عبادة ولا صنما وأهلها يختارون ملكا من الصين، إذا مات ملكهم.
وليس للهند طبيب إلّا في هذه المدينة، عماراتهم عجيبة، أساطين بيوتهم من خرز أصلاب السمك، ولا يأكلون السمك ولا يذبحون الحيوان، ويأكلون الميتة، وتعمل بها غضائر تباع في بلادنا على انّه صيني وليس كذلك، لأن طين الصين أصلب من طين كولم وأصبر على النار، وغضائر كولم لونها أدكن وغضائر الصين أبيض وغيره من الألوان.
بها منابت الساج المفرط الطول ربّما جاوز مائة ذراع وأكثر. وبها البقم والخيزران والقنا بها كثير جدّا، وبها الراوند وهو قرع ينبت هناك، ورقه الساذج الهندي العزيز الوجود لأجل أدوية العين، ويحمل إليها أصناف العود والكافور واللبان، والعود يجلب من جزائر خلف خطّ الاستواء، لم يصل إلى منابته أحد ولا يدرى كيف شجره، وإنّما الماء يأتي به إلى جانب الشمال.
وبها معدن الكبريت الأصفر ومعدن النحاس ينعقد دخانه توتياء جيّدا.
هي مدينة الرسول، صلّى الله عليه وسلّم، وهي في حرّة سبخة مقدار نصف مكّة. من خصائصها أن من دخلها يشمّ رائحة الطيب، وللعطر فيها فضل رائحة لم
توجد في غيرها، وأهلها أحسن الناس صوتا. قيل لبعض المدنيّين :ما بالكم أنتم أطيب الناس صوتا؟ فقال : مثلنا كالعيدان خلت أجوافنا فطاب صوتنا. بها التمر الصّيحاني لم يوجد في غيرها من البلاد. وبها حبّ البان يحمل منها إلى سائر البلاد. وعن ابن عبّاس ان النبيّ، عليه السلام، حين عزم الهجرة قال : اللهمّ إنّك قد أخرجتني من أحبّ أرضك إليّ فأنزلني أحبّ أرضك إليك! فأنزله المدينة. ورأى النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، بلال بن حمامة وقد هاجر فاجتوى المدينة وهو يقول : ألا ليت شعري! هل أبيتنّ ليلة
بفخّ وحولي إذخر وجليل؟ وهل أردن يوما مياه مجنّة؟
وهل يبدون لي شامة وطفيل؟ فقال، صلّى الله عليه وسلّم : خفت يا ابن السوداء! ثمّ قال : اللهمّ حبّب إلينا المدينة كما حبّبت مكّة وأشدّ، وصحّحها وبارك لنا في صاعها ومدّها، وانقل حمّاها إلى خيبر والجحفة. وعن أبي هريرة أن رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، قال : إن إبراهيم عبد الله وخليله وأنا عبد الله ورسوله، وان إبراهيم حرّم مكّة واني حرّمت المدينة ما بين لابتيها عضاهها وصيدها، لا يحمل فيها سلاح لقتال ولا تقطع منها شجرة إلّا لعلف البعير. وعن أبي هريرة عن النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم : من صبر على لأواء المدينة وشدّتها كنت له يوم القيامة شفيعا أو شهيدا. والمدينة مسوّرة، ومسجد النبيّ، عليه السلام، في وسطها وقبره في شرقي المسجد، وبجنبه قبر أبي بكر وبجنب قبر أبي بكر قبر عمر. وكتب الوليد بن عبد الملك إلى صاحب الروم يطلب منه صنّاعا لعمارة مسجد رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، فبعث إليه أربعين رجلا من صنّاع الروم وأربعين من صنّاع القبط، ووجّه معهم أربعين ألف مثقال ذهبا وأحمالا من الفسيفساء. فجاء الصنّاع وخمّروا النورة سنة للفسيفساء، وجعلوا أساسها بالحجارة، وجعلوا أسطوانات المسجد من حجارة مدوّرة في وسطها أعمدة حديد، وركّبوها بالرصاص، وجعلوا سقفها منقّشة مزوّقة بالذهب، وجعلوا بلاط المحراب مذهبا، وجعلوا وجه الحائط القبلي من داخله بازار رخام من أساسه إلى قدر قامة، وفي وسط المحراب مرآة مربعة ذكروا أنّها كانت لعائشة، والمنبر كان للنبي قد غشي بمنبر آخر، وقال، عليه السلام : ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة. بها بئر بضاعة. روي أن النبيّ، عليه السلام، توضّأ بمائها في دلو وردّ الدلو إلى البئر، وشرب من مائها وبصق فيها، وكان إذا مرض المريض في أيّامه يقول : اغسلوه بماء بضاعة، فإذا غسل فكأنّما أنشط من عقال. وقالت أسماء بنت أبي بكر : كنّا نغسل المرضى من بئر بضاعة ثلاثة أيّام فيعافون. بها بئر ذروان، ويقال لها بئر كملى هي البئر المشهورة.
عن ابن عبّاس :طبّ رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، حتى مرض مرضا شديدا، فبينا هو بين النائم واليقظان رأى ملكين أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه : ما وجعه؟ فقال : طبّ! قال : من طبّه؟ قال لبيد بن الأعصم اليهودي. قال : وأين طبّه؟ قال : في كربة تحت صخرة في بئر كملى، وهي بئر ذروان. فانتبه النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، وحفظ كلام الملكين، فبعث عليّا وعمّارا مع جمع من الصحابة إلى البئر فنزحوا ماءها حتى انتهوا إلى الصخرة فقلبوها ووجدوا الكربة تحتها، وفيها وتر فيها إحدى عشرة عقدة، فأحرقوا الكربة بما فيها فزال عنه، عليه السلام، ما كان به وكأنّه أنشط من عقال. فأنزل الله تعالى عليه المعوّذتين إحدى عشرة آية على عدد عقده. بها بئر عروة، تنسب إلى عروة بن الزّبير ؛ قال الزبير بن بكّار : ماء هذه البئر من مرّ بالعقيق يأخذه هدية لأهله، ورأيت أبي يأمر به فيغلى ثمّ يأخذه في قوارير يهديه إلى الرشيد وهو بالرقّة، وقال السري بن عبد الرحمن الأنصاري : كفّنوني إن متّ في درع أروى
واجعلوا لي من بئر عروة مائي سخنة في الشّتاء باردة الصّي
ف سراج في اللّيلة الظّلماء وأهل المدينة الأنصار، عليهم الرحمة والرضوان، ان الله تعالى أكثر من الثناء عليهم في القرآن. وقد خصّ بعضهم بخاصيّة لم توجد في غيرهم، منهم حميّ الدّبر وهو عاصم بن الأفلح، رضوان الله عليه، استشهد وأراد المشركون أن يمثّلوا به فبعث الله الزنابير أحاطت به ومنعت المشركين الوصول إليه.
ومنهم بليع الأرض وهو حبيب بن ثابت، رضوان الله عليه، صلبه المشركون فبعث رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، من يأخذه ويدفنه، فأخذوه وقبل دفنه فقدوه وبلعته الأرض. ومنهم غسيل الملائكة وهو حنظلة بن راهب، رضوان الله عليه، استشهد يوم أحد فبعث الله تعالى فوجا من الملائكة، رفعوه من بين القتلى وغسلوه فسمّي غسيل الملائكة. ومنهم ذو الشهادتين وهو خزيمة بن ثابت، رضوان الله عليه، اشترى رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، فرسا من أعرابي، والاعرابي أنكر الشراء، فقال رسول الله، عليه السلام : إني اشتريت منك! فقال الاعرابي : من يشهد بذلك؟ فقال خزيمة بن ثابت : إني أشهد أن رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، اشترى منك. فقال له رسول الله، عليه السلام : كيف تشهد وما كنت حاضرا؟ فقال : يا رسول الله إني أصدّقك في أخبار السموات والاخبار عن الله تعالى فما أصدقك في شراء فرس! فأمر الله تعالى نبيّه، عليه السلام، أن يجعل شهادته مكان شهادتين. ومنهم من اهتزّ العرش لموته وهو سعد بن معاذ، رضوان الله عليه، سيّد الأوس ؛ قال رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم : اهتزّ العرش لموت سعد ابن معاذ.
حصن بين نجران والبحرين على تلّ عال، يقال انّه من بناء طسم، يقال له فجّ بني تميم لأن المكعبر عامل كسرى غدر بني تميم فيه، وسببه أن وهرز عامل كسرى على اليمن بعث أموالا وطرفا إلى كسرى، فلمّا كانت ببلاد بني تميم وثبوا عليها وأخذوها ؛ فأخبر كسرى بذلك فأراد أن يبعث إليهم جيشا، فأخبر أن بلادهم بلاد سوء قليلة الماء.
فأشير إليه بأن يرسل إلى عامله بالبحرين أن يقتلهم، وكانت تميم تصير إلى هجر للميرة، فأمر العامل أن ينادي : لا تطلق الميرة إلّا لبني تميم! فأقبل إليه خلق كثير فأمرهم بدخول المشقّر، وأخذ الميرة والخروج من باب آخر، فيدخل قوم بعد قوم فيقتلهم حتى قتلوا عن آخرهم، وبعث بذراريهم في السفن إلى فارس. قالب:غنوان 2 موضع بين مكّة والطائف به قبر أبي رغال، مرّ به النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، فأمر برجمه، فصار ذلك سنّة من مرّ به يرجمه. قيل : إن أبا رغال اسمه زيد بن محلف، كان ملكا بالطائف يظلم رعيته، فمرّ بامرأة ترضع يتيما بلبن ما عز لها، فأخذ الماعز منها فبقي اليتيم بلا لبن فمات، وكانت سنة مجدبة فرماه الله تعالى بقارعة أهلكته.
وقيل : إن أبرهة بن الصبّاح لمّا عزم هدم الكعبة مرّ بالطائف بجنوده وفيو له، فأخرج إليه أبو ممنعود الثقفي في رجال ثقيف سامعين مطيعين، فطلب أبرهة منهم دليلا يدلّه على مكّة، فبعثوا معه رجلا يقال له أبو رغال حتى نزل المغمّس، فمات أبو رغال هناك، فرجم العرب قبره ؛ وفيه قال جرير ابن الخطفى : إذا مات الفرزدق فارجموه
كما ترمون قبر أبي رغال قالب:غنوان 2 مدينة من أعظم مدن بلاد المغرب، واليوم سرير ملك بني عبد المؤمن، وهي في البرّ الأعظم، بينها وبين البحر عشرة أيّام في وسط بلاد البربر. وإنّها كثيرة الجنان والبساتين ويخرق خارجها الخلجان والسواقي، ويأتيها الارزاق من الأقطار والبوادي، مع ما فيها من جني الأشجار والكروم التي يتحدّث بطيبها في الآفاق. والمدينة ذات قصور ومبان محكمة.
بها بستان عبد المؤمن بن عليّ أبي الخلفاء، وهو بستان طوله ثلاثة فراسخ، وكان ماؤه من الآبار فجلب إليها ماء من أعماق تسير تسقي بساتين لها. وحكى أبو الربيع سليمان الملتاني ان دورة مرّاكش أربعون ميلا.
ينسب إليها الشيخ الصالح سني بن عبد الله المراكشي، وكان شيخا مستجاب الدعوة، ذكر أن القطر حبس عنهم في ولاية يعقوب بن يوسف فقال : ادع الله تعالى ان يسقينا. فقال الشيخ : ابعث إليّ
خمسين ألف دينار حتى أدعو الله تعالى أن يسقيكم في أيّ وقت شئتم! فبعث إليه ذلك، ففرّقها على المحاويج، ودعا فجاءهم غبث مدرار أيّاما، فقالوا له : كفينا ادع الله أن يقطعه! فقال : ابعث إليّ خمسين ألف دينار حتى أدعو الله أن يقطعه. ففعل ذلك ففرّق المال على المحاويج، ودعا الله تعالى فقطعه. والله الموفق.
هي البلد الأمين الذي شرّفه الله تعالى وعظّمه وخصّه بالقسم وبدعاء الخليل، عليه السلام : ربّ اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات. واجعله مثابة للناس، وأمنا للخائف، وقبلة للعباد، ومنشأ لرسول الله، صلّى الله عليه وسلّم.
وعن رسول الله، عليه السلام : من صبر على حرّ مكّة ساعة تباعدت عنه جهنم مسيرة عام، وتقرّبت منه الجنّة مائتي عام! إنّها لم تحلّ لأحد كان قبلي، ولا تحلّ لأحد كان بعدي، وما أحلّت لي إلّا ساعة من نهار، ثمّ هي حرام لا يعضد شجرها ويحتشّ خلاها ولا يلتقط ضالتها إلّا لمنشد.
وعن ابن عبّاس : ما أعلم على الأرض مدينة يرفع فيها حسنة مائة إلّا مكّة، ويكتب لمن صلّى ركعة مائة ركعة إلّا مكّة، ويكتب لمن نظر إلى بعض بنيانها عبادة الدهر إلّا مكّة، ويكتب لمن يتصدّق بدرهم ألف درهم إلّا مكّة!
وهي مدينة في واد والجبال مشرفة عليها من جوانبها، وبناؤها حجارة سود ملس وبيض أيضا. وهي طبقات مبيّضة نظيفة حارّة في الصيف جدّا، إلّا أن ليلها طيّب وعرضها سعة الوادي وماؤها من السماء، ليس بها نهر ولا بئر يشرب ماؤها، وليس بجميع مكّة شجر مثمر، فإذا جزت الحرم فهناك عيون وآبار ومزارع ونخيل، وميرتها تحمل إليها من غيرها بدعاء الخليل، عليه السلام : ربّنا إني أسكنت من ذرّيتي بواد غير ذي زرع، إلى قوله من الثمرات.
وأمّا الحرم فله حدود مضروبة بالمنار قديمة، بيّنها الخليل عم وحدّه عشرة أميال في مسيرة يوم، وما زالت قريش تعرفها في الجاهليّة والإسلام.
فلمّا بعث رسول الله صلعم أقرّ قريشا على ما عرفوه، فما كان دون المنار لا يحلّ صيده ولا يختلى خشيشه، ولا يقطع شجره ولا ينفّر طيره، ولا يترك الكافر فيه. ومن عجيب خواص الحرم ان الذئب يتبع الظبي، فإذا دخل الحرم كفّ عنه!
وأمّا المسجد الحرام فأوّل من بناه عمر بن الخطّاب في ولايته، والناس ضيّقوا على الكعبة، وألصقوا دورهم بها فقال عمر : إن الكعبة بيت الله ولا بدّ لها من فناء. فاشترى تلك الدور وزادها فيه واتّخذ للمسجد جدارا نحو القامة، ثمّ زاد عثمان فيه، ثمّ زاد عبد الله بن الزبير في اتقانه، وجعل فيها عمدا من الرخام
وزاد في أبوابه وحسنه. ثمّ زاد عبد الملك بن مروان في ارتفاع حيطانها وحمل السّواري إليها من مصر في الماء إلى جدّة، ومن جدّة إلى مكّة على العجل، وأمر الحجّاج فكساها الديباج، ثمّ الوليد بن عبد الملك زاد في حلى البيت لمّا فتح بلاد الأندلس، فوجد بطليطلة مائدة سليمان عم كانت من ذهب ولها أطواق من الياقوت والزبرجد، فضرب منها حلى الكعبة والميزاب، فالأولى المنصور وابنه المهدي زادوا في اتقان المسجد وتحسين هيئته، والآن طول المسجد الحرام ثلاثمائة ذراع وسبعون ذراعا، وعرضه ثلاثمائة ذراع وخمس عشرة ذراعا، وجميع أعمدة المسجد أربعمائة وأربعة وثلاثون عمودا، وأمّا الكعبة زادها الله شرفا فإنّها بيت الله الحرام. إن أوّل ما خلق الله تعالى في الأرض مكان الكعبة، ثمّ دحا الأرض من تحتها، فهي سرة الأرض ووسط الدنيا وأمّ القرى ؛ قال وهب : لمّا أهبط آدم عم من الجنّة حزن واشتدّ بكاؤه، فعزّاه الله بخيمة من خيامها وجعلها موضع الكعبة، وكانت ياقوتة حمراء، وقيل درّة مجوّفة من جواهر الجنّة، ثمّ رفعت بموت آدم عم فجعل بنوه مكانها بيتا من حجارة فهدم بالطوفان وبقي على ذلك ألفي سنة، حتى أمر الله تعالى خليله ببنائه، فجاءت السكينة كأنّها سحابة فيها رأس يتكلّم، فبنى الخليل وإسمعيل، عليهما السلام، على ما ظلّلته.
وأمّا صفة الكعبة فإنّها في وسط المسجد مربع الشكل، بابه مرتفع على الأرض قدر قامة، عليه مصراعان ملبّسان بصفائح الفضّة طليت بالذهب، وطول الكعبة أربعة وعشرون ذراعا وشبر، وعرضها ثلاثة وعشرون ذراعا وشبر، وذرع دور الحجر خمسة وعشرون ذراعا، وارتفاع الكعبة سبعة وعشرون ذراعا.
والحجر من جهة الشام يصبّ فيه الميزاب، وقد ألبست حيطان الحجر مع أرضه الرخام، وارتفاعه حقو، وحول البيت شاذروان مجصّص ارتفاعه ذراع في عرض مثله، وقاية للبيت من السيل. والباب في وجهها الشرقي على قدر قامة من الأرض، طوله ستّة أذرع وعشر أصابع، وعرضه ثلاثة أذرع وثماني عشرة إصبعا. والحجر الأسود على رأس صخرتين، وقد نحت من الصخر مقدار ما دخل فيه الحجر. والحجر الأسود حالك على الركن الشرقي عند الباب في الزاوية، وهو على مقدار رأس إنسان، وذكر بعض المكيّين حديثا رفعوا على مشايخهم انّهم نظروا إلى الحجر الأسود عند عمارة ابن الزبير البيت، فقدروا طوله ثلاثة أذرع وهو ناصح البياض إلّا وجهه الظاهر، وارتفاع الحجر من الأرض ذراعان وثلث ذراع، وما بين الحجر والباب الملتزم، سمّي بذلك لالتزامه الدعاء. كانت العرب في الجاهليّة تتحالف هناك، فمن دعا على ظالم هناك أو حلف اثما عجّلت عقوبته، وداخل البيت في الحائط الغربي الجزعة،
على ستّة أذرع من قاع البيت، وهي سوداء مخطّطة ببياض طولها اثنا عشر في مثل ذلك، وحولها طوق من ذهب عرضه ثلاث أصابع، ذكر أن النبي عم جعلها على حاجبه الأيمن.
والميزاب متوسّط على جدار الكعبة بارز عنه قدر أربعة أذرع، وسعته وارتفاع حيطانه كلّ واحد ثماني أصابع، وباطنه صفائح الذهب، والبيت مستّر بالديباج ظاهره وباطنه، ويجدّد لباسه كلّ سنة عند الموسم. فإذا كثرت الكسوة خفّف عنه وأخذها سدنة البيت، وهم بنو شيبة. وهذه صفة الكعبة والمسجد الحرام حولها، ومكّة حول المسجد، والحرم حول مكّة، والأرض حول الحرم هكذا.
روي عن النبيّ عم ان الله تعالى قد وعد هذا البيت أن يحجّه في كلّ سنة ستمائة ألف، فإن نقصوا كمّلهم بالملائكة، وان الكعبة كالعروس المزفوفة، وكلّ من
حجّها متعلّق بأستارها يسعون معها حتى تدخل الجنّة فيدخلون معها. وعن عليّ : ان الله تعالى قال للملائكة : إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها؟ فغضب عليهم وأعرض عنهم. فطافوا بعرش الله سبعا كما يطوف الناس بالبيت اليوم يسترضونه، يقولون : لبيك اللهمّ لبيك! ربّنا معذرة إليك! نستغفرك ونتوب إليك! فرضي عنهم وقال :ابنوا في الأرض بيتا يطوف به عبادي، من غضبت عليه أرضى عنه كما رضيت عنكم.
وأمّا خصائص البيت وعجائبه فإن أبرهة بن الصبّاح قصده وأراد هدمه، فأهلكه الله تعالى بطير أبابيل. وذكر أن أساف بن عمرو ونائلة بنت سهيل زنيا في الكعبة، فمسخهما الله تعالى حجرين نصب أحدهما على الصّفا والآخر على المروة ليعتبر بهما الناس. فلمّا طال مكثهما وعبدت الأصنام، عبدا معها إلى أن كسرهما رسول الله فيهما كسر من الأصنام.
ومن عجائب البيت أن لا يسقط عليه حمام إلّا إذا كان عليلا، وإذا حاذى الكعبة عرقة من طير تفرّقت فرقتين ولم يعلها طائر منها. وإذا أصاب المطر أحد جوانبها يكون الخصب في تلك السنة في ذلك الجانب، فإذا عمّ المطر جميع الجوانب عمّ الخصب جميع الجوانب، ومن سنّة أهل مكّة ان من علا الكعبة من عبيدهم يعتقونه، وفي مكّة من الصلحاء من لم يدخل الكعبة تعظيما لها.
وعن يزيد بن معاوية : ان الكعبة كانت على بناء الخليل عم إلى أن بلغ النبيّ صلعم خمسا وثلاثين سنة، فجاءها سيل عظيم هدمها، فاستأنفوا عمارتها، وقريش ما وجدوا عندهم مالا لعمارة الكعبة إلى أن رمى البحر بسفينة إلى جدّة، فتحطّمت فأخذوا خشبها واستعانوا بها على عمارتها، فلمّا انتهوا إلى موضع الركن اختصموا وأراد كلّ قوم أن يكونوا هم الذين يضعونه في موضعه، وتفاقم الأمر بينهم حتى تناصفوا على أن يجعلوا ذلك لأوّل طالع، فطلع عليهم النبيّ صلعم فاحتكموا إليه فقال : هلموا ثوبا! فأتي به فوضع الركن فيه ثمّ قال : لتأخذ كلّ قبيلة بناحية من الثوب، ففعلوا ذلك حتى إذا رفعوه إلى موضعه أخذ النبيّ عم الحجر بيده ووضع في الركن.
وعن عائشة قالت : سألت رسول الله صلعم عن الحجر أمن البيت هو؟ قال : نعم. قلت : فما بالهم لم يدخلوه في البيت؟ فقال، صلّى الله عليه وسلّم : إن قومك قصرت بهم النفقة. قلت : فما شأن بابه مرتفعا؟ قال : فعلوا ذلك ليدخلوا من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا، ولولا أن قومك حديثو عهد بالجاهليّة أخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت اني أدخل الحجر في البيت. فأدخل عبد الله بن الزبير عشرة من الصحابة حتى سمعوا منها ذلك، ثمّ هدم البيت
وبناها على ما حكت عائشة. فلمّا قتل الحجّاج ابن الزبير ردّها على ما كان، وأخذ بقيّة الأحجار وسدّ بها الغربي ورصّف الباقي في البيت، فهي الآن على بناء الحجّاج.
وأمّا الحجر الأسود فجاء في الخبر انّه ياقوتة من يواقيت الجنّة، وانّه يبعث يوم القيامة وله عينان ولسان يشهد لمن استلمه بحقّ وصدق.
روي أن عمر بن الخطّاب قبّله وبكى حتى علا نشيجه، فالتفت فرأى عليّا فقال : يا أبا الحسن ههنا تسكب العبرات، واعلم انّه حجر لا يضرّ ولا ينفع! ولولا اني رأيت رسول الله صلعم يقبّله ما قبّلته! فقال عليّ : بلى هو يضرّ وينفع يا عمر، لأن الله تعالى لمّا أخذ الميثاق على الذرية كتب عليهم كتابا وألقمه هذا الحجر، فهو يشهد للمؤمن بالوفاء وعلى الكافر بالجحود، وذلك قول الناس عند الاستلام : اللهمّ إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك.
قال عبد الله بن عبّاس : ليس في الأرض شيء من الجنّة إلّا الركن الأسود والمقام، فإنّهما جوهرتان من جواهر الجنّة ولولا مسّهما من أهل الشرك ما مسّهما ذو عاهة إلّا شفاه الله تعالى. ولم يزل هذا الحجر محترما في الجاهليّة والإسلام يقبّلونه إلى أن دخلت القرامطة مكّة سنة سبع عشرة وثلاثمائة عنوة، فنهبوها وقتلوا الحجّاج وأخذوا سلب البيت وقلعوا الحجر الأسود، وحملوه إلى الاحساء من أرض البحرين حتى توسّط فيه الشريف أبو عليّ عمر بن يحيى العلوي، بين الخليفة المطيع لله وبين القرامطة، سنة خمس وثلاثين فأخذوا مالا عظيما وردّوه. فجاءوا به إلى الكوفة وعلّقوه على الأسطوانة السابعة من أساطين الجامع ثمّ حملوه على مكانه.
وحكي أن رجلا من القرامطة قال لبعض علماء الكوفة وقد رآه يقبّل الحجر ويتمسّح به : ما يؤمنكم انّا غيّبنا ذلك الحجر وجئنا بمثله؟ فقال : ان لنا فيه علامة وهي انّا إذا طرحناه في الماء يطفو، فجاءوا بماء وألقي فيه فطفا.
وأمّا المقام فإنّه الحجر الذي وقف عليه الخليل عم حين أذّن في الناس بالحجّ. وذرع المقام ذراع وهو مربع سعة أعلاه أربع عشرة إصبعا في مثلها، ومن أسفله مثل ذلك، وفي طرفيه طوق من ذهب وما بين الطرفين بارز لا ذهب عليه، طوله من نواحيه كلّها تسع أصابع وعرضه عشر أصابع، وعرضه من نواحيه إحدى وعشرون إصبعا، والقدمان داخلتان في الحجر سبع أصابع، وبين القدمين من الحجر إصبعان، ووسطه قد استدقّ من التمسّح.
وهو في حوض مربّع حوله رصاص، وعليه صندوق ساج، في طرفه سلسلتان يقفل عليهما قفلان.
قال عبد
الله بن شعيب بن شيبة : ذهبنا نرفع المقام في عهد المهدي فانثلم وهو حجر رخو، فخشينا أن يتفتّت، فكتبنا به إلى المهدي فبعث إلينا ألف دينار فصببناها في أسفله وأعلاه، وهو الذي عليه اليوم.
وبها جبل أبي قبيس، وهو جبل مطلّ على مكّة تزعم العوامّ ان من أكل عليه الرأس المشوي يأمن من وجع الرأس، وكثير من الناس يفعلون ذلك، والله أعلم بصحّته.
وبها الصّفا والمروة وهما جبلان ببطحاء مكّة. قيل : ان الصفا اسم رجل والمروة اسم امرأة زنيا في الكعبة فمسخهما الله تعالى حجرا، فوضعا كلّ واحد على الجبل المسمّى باسمه لاعتبار الناس. وجاء في الحديث : ان الدابّة التي هي من اشراط الساعة تخرج من الصفا، وكان عبد الله بن عبّاس يضرب عصاه على الصفا ويقول : إن الدابّة لتسمع قرع عصاي هذا.
والواقف على الصفا يكون بحذاء الحجر الأسود، والمروة تقابل الصفا.
وبها جبل ثور أطحل، وهو جبل مبارك بقرب مكّة، يقصده الناس لزيارة الغار الذي كان فيه النبيّ صلعم مع أبي بكر، حين خرج من مكّة مهاجرا. وقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز : إذ أخرجه الذين كفروا (الآية) يزوره الناس متبرّكين به.
وبها ثبير، وهو جبل عظيم بقرب منى، يقصده الناس زائرين متبرّكين به لأنّه أهبط عليه الكبش الذي جعله الله فداء لإسمعيل عم وكان قرنه معلّقا على باب الكعبة إلى وقت الغرق قبل المبعث بخمس سنين. رآه كثير من الصحابة ثمّ ضاع بخراب الكعبة بالغرق. وتقول العرب : أشرق ثبير كيما نغير، إذا أرادوا استعجال الفجر.
وبها جبل حراء وهو جبل مبارك على ثلاثة أميال من مكّة، يقصده الناس زائرين. وكان النبيّ عم قبل أن يأتيه الوحي حبّب إليه الخلوة، وكان يأتي غارا فيه. وأتاه جبرائيل عم في ذلك الغار، وذكر ان النبيّ صلعم ارتقى ذروته ومعه نفر من أصحابه فتحرّك فقال عليه السلام : اسكن حرا فما عليك إلّا نبيّ أو صدّيق أو شهيد! فسكن.
وبها قد قد، وهو من الجبال التي لا يوصل إلى ذروتها، وفيه معدن البرام يحمل إلى سائر بلاد الدنيا.
وبها بئر زمزم وهي البئر المشهورة المباركة بقرب الكعبة ؛ قال مجاهد : ماء زمزم إن شربت منه تريد شفاء شفاك الله، وان شربته لظمإ أرواك الله، وان شربته لجوع أشبعك الله.
قال محمّد بن أحمد الهمذاني : كان ذرع زمزم من أعلاها إلى أسفلها أربعين ذراعا، وفي قعرها ثلاث عيون : عين حذاء الركن الأسود،
وأخرى حذاء أبي قبيس، وقلّ ماؤها في سنة ثلاث وعشرين ومائتين، فحفروا فيها تسعة أذرع فزاد ماؤها، ثمّ جاء الله تعالى بالأمطار والسيول في سنة خمس وعشرين ومائتين فكثر ماؤها، وذرعها من رأسها إلى الجبل المنقور فيه إحدى عشرة ذراعا وهو مطويّ، والباقي وهو تسع وعشرون ذراعا منقور في الحجر، وذرع تدويرها إحدى عشرة ذراعا، وسعة فمها ثلاث أذرع وثلثا ذراع، وعليها ميلان ساج مربعة فيها اثنتا عشرة بكرة يستقى عليها. وأوّل من عمل الرخام عليها وفرش به أرضها المنصور. وعلى زمزم قبّة مبنيّة في وسط الحرم عند باب الطواف تجاه باب الكعبة.
في الخبر : ان الخليل عم ترك إسمعيل وأمّه عند الكعبة وكرّ راجعا. قالت له هاجر : إلى من تكلنا؟ قال : إلى الله. قالت : حسبنا الله! فأقامت عند ولدها حتى نفد ماؤها فأدركتها الحنّة على ولدها، فتركت إسمعيل بموضعه وارتقت إلى الصفا تنظر هل ترى عينا أو شخصا، فلم تر شيئا فدعت ربّها واستسقته، ثمّ نزلت حتى أتت المروة ففعلت مثل ذلك، ثمّ سمعت صوت السباع فخشيت على ولدها، فأسرعت نحو إسمعيل فوجدته يفحص الماء من عين قد انفجرت من تحت خدّه، وقيل بل من تحت عقبه. فلمّا رأت هاجر الماء يسري جعلت تحوّطه بالتراب لئلّا يسيل. قيل : لو لم تفعل ذلك لكان عينا جارية. قالوا : وتطاولت الأيّام على ذلك حتى عفتها السيول والأمطار ولم يبق لها أثر.
وعن عليّ، كرّم الله وجهه : ان عبد المطلب بينا هو نائم في الحجر إذ أمر بحفر زمزم. قال : وما زمزم؟ قالوا : لا تنزف ولا تهدم يسقي الحجيج الأعظم عند نقرة الغراب الأعصم. فغدا عبد المطّلب ومعه الحرث ابنه، فوجد الغراب ينقر بين أساف ونائلة، فحفر هناك، فلمّا بدا الطيّ كبّر، فاستشركه قريش وقالوا : انّه بئر أبينا إسمعيل ولنا فيه حقّ! فتحاكموا إلى كاهنة بني سعد باشراف الشام وساروا حتى إذا كانوا ببعض الطريق نفد ماؤهم وظمئوا وأيقنوا بالهلاك، فانفجرت من تحت خفّ عبد المطّلب عين ماء فشربوا منها وعاشوا. وقالوا : قد والله قضي لك علينا لا نخاصمك فيها أبدا، إن الذي سقاك الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم! فانصرفوا فحفر عبد المطّلب زمزم، فوجد فيها غزالين من ذهب وأسيافا قلعيّة كانت جرهم دفنتها فيها وقت خروجهم من مكّة، فضرب الغزالين بباب الكعبة وأقام سقاية الحاج بمكّة، والله الموفق.
وينسب إلى مكّة المهاجرون الذين أكثر الله تعالى عليهم من الثناء في كتابه المجيد، وخصّ بعضهم بمزيد فضيلة وهم المبشرة العشرة، ذكر أن رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، قال : إنّهم في الجنّة وهم أبو بكر وعمر
وعثمان وعليّ وطلحة والزبير، وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجرّاح، رضوان الله عليهم أجمعين.
ملتان هي آخر مدن الهند ممّا يلي الصين، مدينة عظيمة منيعة حصينة جليلة عند أهل الصين والهند، وانّها بيت حجّهم ودار عبادتهم كمكّة لنا. وأهلها مسلمون وكفّار. والمدينة في دولة المسلمين، وللكفّار بها القبّة العظمى والبدّ الأكبر، والجامع مصاقب لهذه القبّة، والإسلام بها ظاهر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شامل ؛ كلّ ذلك عن مسعر بن مهلهل.
وقال الاصطخري : مدينة حصينة منيعة، دار الملك ومجمع العسكر، والملك مسلم لا يدخل المدينة إلّا يوم الجمعة، يركب الفيل ويدخل المدينة لصلاة الجمعة.
بها صنم يعظّمه الهند ويحجّ إليه من أقصى بلاد الهند، ويتقرّب إليه كلّ سنة بأموال عظيمة، لينفق على بيت الصنم والمعتكفين منهم. وبيت الصنم قصر مبنيّ في أعمر موضع بين سوق العاجنين وسوق الصّفّارين، وفي وسط القصر قبّة فيها الصنم. قال مسعر بن مهلهل : سمك القبّد في الهواء ثلاثمائة ذراع، وطول الصنم عشرون ذراعا، وحول القبّة بيوت يسكنها خدم الصنم العاكفون عليه، وليس في ملتان عبّاد الصنم إلّا في هذا القصر.
وصورة الصنم إنسان جالس مربّعا على كرسي، وعيناه جوهرتان، وعلى رأسه إكليل ذهب، مادّ ذراعيه على ركبتيه، منهم من يقول من خشب، ومنهم من يقول من غير خشب، ألبس بدنه مثل جلد السختيان الأحمر، إلّا أن يديه لا تنكشفان وجعل أصابعه من يديه كالقابض أربعة في الحساب، وملك ملتان لا يبطل ذلك الصنم لأنّه يحمل إليه أموالا عظيمة يأخذها الملك، وينفق على سدنة الصنم شيئا معلوما. وإذا قصدهم الهند محاربين أخرج المسلمون الصنم ويظهرون كسره أو إحراقه فيرجعون عنهم. حكى ابن الفقيه أن رجلا من الهند أتى هذا الصنم، وقد اتّخذ لرأسه تاجا من القطن ملطخا بالقطران ولأصابعه كذلك، وأشعل النار فيها، ووقف بين يدي الصنم حتى احترق.
وينسب إليها هارون بن عبد الله مولى الأزد، كان شجاعا شاعرا، ولمّا حارب الهند المسلمين بالفيل لم يقف قدام الفيل شيء، وقد ربطوا في خرطومه سيفا هذاما طويلا ثقيلا، يضرب به يمينا وشمالا لا يرفعه فوق رأس الفيالين على ظهره ويضرب به، فوثب هارون وثبة أعجله بها عن الضرب ولزق بصدر الفيل، وتعلّق بأنيابه، فجال به الفيال جولة كاد يحطمه من شدّة ما جال به.
وكان هارون شديد الخلق رابط الجأش
فاعتمد في تلك الحالة على نابيه، وأصلهما مجوّف، فانقلعا من أصلهما وأدبر الفيل وبقي النابان في يد هارون، وكان ذلك سبب هزيمة الهند، وغنم المسلمون، فقال هارون في ذلك :
ناحية واسعة بأرض الهند تشتمل على مدن كثيرة، بها شجرة الفلفل وهي شجرة عالية لا يزول الماء من تحتها، وثمرتها عناقيد إذا ارتفعت الشمس واشتدّ حرّها تنضمّ على عناقيدها أوراقها، وإلّا أحرقتها الشمس قبل إدراكها، وشجر الفلفل مباح إذا هبّت الريح سقطت عناقيدها على وجه الماء، فيجمعها الناس، وكذلك تشنّجها، ويحمل الفلفل من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب، وأكثر الناس انتفاعا به الفرنج يحملونه في بحر الشام إلى أقصى المغرب.
بلدة على فرسخ من مكّة طولها ميلان، وهي بين جبلين مطلّين عليها، بها مصانع وآبار وخانات وحوانيت تعمر أيّام الموسم، وتخلو بقيّة السنة إلّا ممّن يحفظها.
من عجائبها أن الجمار التي ترمى منذ حجّ الناس إلى زماننا هذا لا يظهر بها من غير أن تكسحها السيول أو يأخذها الناس، ولولا الآية الأعجوبة التي فيها لكان ذلك الموضع كالجبال الشاهقة.
وبها مسجد الخيف ومسجد الكبش، وقلّ أن يكون في الإسلام بلد إلّا ولأهله مضرب.
مدينة بأرض الهند ؛ قال مسعر بن مهلهل : بها غياض هي منابت القنا، ومنها يحمل الطباشير، والطباشير رماد هذا القنا، وذلك انّها إذا جفّت وهبّت بها الرياح احتكّ بعضها ببعض واشتدّت فيها الحرارة، فانقدحت فيها نار ربّما أحرقت مسافة خمسين فرسخا، فرماد هذا القنا هو الطباشير يحمل إلى سائر البلاد.
مدينة بأرض الهند يكثر بها العود حتى يقال للعود المندل، وليس هي منبته، فإن منابته لا يصل إليها أحد، قالوا : ان منابت العود جزائر وراء خطّ الاستواء ويأتي به الماء إلى جانب الشمال، فما انقلع رطبا فإذا أصابته ريح
يمكن
[عدل]
الشمال يبقى رطبا وهو الذي يقال له القامروني، وما جفّ ورمته يابسا فإنّه المندلي الثقيل المصمت، فإن رسب في الماء فهو غاية جدّا ليس فوقه خير منه.
مدينة مشهورة بأرض السند كثيرة الخير، بناها المنصور أبو جعفر الثاني من خلفاء بني العبّاس، وفيها ينزل الولاة، لها خليج من نهر مهران يحيط بالمدينة، وهي في وسطه كالجزيرة إلّا أنّها شديدة الحرّ كثيرة البقّ.
بها ثمرتان لا توجدان في مدينة غيرها : إحداهما الليمو على قدر التفّاح، والأخرى الانبج على شبه الخوخ.
وأهل المدينة موافقون على أنّهم لا يشترون شيئا من المماليك السنديّة، وسببه أن بعض رؤسائها من آل مهلّب ربّى غلاما سنديّا، فلمّا بلغ رآه يوما مع زوجته فجبّه ثمّ عالجه حتى هدأ، وكان لمولاه ابنان : أحدهما بالغ، والآخر طفل، فأخذ الغلام الصبيّين وصعد بهما إلى أعالي سور الدار ثمّ قال لمولاه : والله لئن لم تجبّ نفسك الآن لأرمينّ بهما! فقال الرجل : الله الله فيّ وفي ولديّ! فقال : دع عنك هذا، والله ما هي إلّا نفس، وإني لأسمح بها من شربة ماء! وأهوى ليرمي بهما فأسرع الرجل وأخذ مدية وجبّ نفسه، فلمّا رأى الغلام ذلك رمى بالصبيّين وقال : فعلت بك ما فعلت بي وزيادة قتل الولدين. فقتل الغلام بأفظع العذاب وأخرج من المدينة جميع المماليك السندية، فكانوا يتداولون في البلاد ولا يرغب أحد بالثمن اليسير في شرائهم.
بها نهر مهران عرضه كعرض دجلة أو أكثر، يقبل من المشرق آخذا جهة الجنوب متوجها إلى المغرب حتى يقع في بحر فارس أسفل السند ؛ قال الاصطخري : مخرجه من ظهر جبل يخرج منه بعض أنهار جيحون، ويظهر بملتان على حدّ سمندور ثمّ على المنصورة، ثمّ يقع في البحر، وهو نهر كبير عذب جدّا يقال فيه تماسيح كما في النيل، وجريه مثل جريه، يرتفع على الأرض ثمّ ينصبّ ويزرع عليه مثل ما يزرع على النيل بأرض مصر.
وقال الجاحظ : ان تماسيح نهر مهران أصغر حجما من تماسيح النيل وأقلّ ضررا، وذكر أنّه يوجد في هذا النهر سبائك الذهب. والله الموفق.
قرية بين مكّة والمدينة على ميل من الأبواء. بها ماء مهيمة، وهو ماء ساكن لا يجري إذا شربته الإبل يأخذها الهيام، وهو حميّ الإبل، لا تعيش الإبل بها.
والقرية موبأة لفساد مائها.
من مخاليف اليمن من ناحية مكّة، بناها نجران بن زيدان بن سبا بن يشجب، قال، صلّى الله عليه وسلّم : القرى المحفوظة أربع : مكّة والمدينة وإيليا ونجران، وما
من ليلة إلّا وينزل على نجران سبعون ألف ملك، يسلّمون على أصحاب الأخدود ثمّ لا يعودون إليها أبدا.
كان بها كعبة نجران، بناها عبد المدان بن الريان الحرثي مضاهاة للكعبة، وعظّموها وسمّوها كعبة نجران، وكان بها أساقفة مقيمون، وهم الذين جاءوا رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، للمباهلة.
قال هشام بن الكلبي : انّها كانت قبّة من أدم من ثلاثمائة جلد، إذا جاءها الخائف أمن، أو طالب حاجة قضيت حاجته أو مسترفد أرفد. وكانت القبة على نهر يستغلّ عشرة آلاف دينار تستغرق القبّة جميعها.
ينسب إليها عبد الله بن النامر، سيّد شهداء نجران ؛ قال محمّد بن القرطي : كان أهل نجران أهل الشرك، وكان عندهم ساحر يعلّم صبيانهم السحر، فنزل بهم رجل صالح وابتنى خيمة بجنب قرية الساحر، فجعل أهل نجران يبعثون أولادهم إلى الساحر لتعلّم السحر، وفيهم غلام اسمه عبد الله، وكان ممرّه على خيمة الرجل الصالح، فأعجبه عبادة الرجل، فجعل يجلس إليه ويسمع منه أمور الدين حتى أسلم، وتعلّم منه الشريعة والاسم الأعظم.
فقال له الرجل الصالح : عرفت الاسم الأعظم فاحفظ على نفسك، وما أظن أن تفعل. فجعل عبد الله إذا رأى أحدا من أصحاب العاهات يقول له : إن دخلت في ديني فإني أدعو الله ليعافيك! فيقول : نعم. فيدخل فيشفى حتى لم يبق بنجران أحد ذو ضربة، فرفع أمره إلى الملك فأحضره وقال : أفسدت على أهل نجران وخالفت ديني ودين آبائي، لأمثلنّ بك! فقال عبد الله : أنت لا تقدر على ذلك! فجعل يلقيه من شاهق فيقوم سليما ويرميه في ماء مغرق فيخرج سليما! فقال له عبد الله : لا تقدر على قتلي حتى تؤمن بمن آمنت به.
فوحّد الله ودخل في دينه ثمّ ضربه بعصا كانت في يده فشجّه شجّة يسيرة، فمات عليها. فلمّا رأى أهل نجران ذلك قالوا : آمنّا بربّ عبد الله. فحفر الملك اخدودا وملأها حطبا وأضرم فيه النار وأحضر القوم، فمن رجع عن دينه تركه، ومن لم يرجع ألقاه في النار ؛ فذلك قوله تعالى : قتل أصحاب الأخدود. وذكر أن عبد الله بن النامر أخرج في زمن عمر بن الخطّاب وإصبعه على شجّته، كما وضعها عليها حين قتل.
أرض واسعة بالسند بها خلق كثير إلّا أنّهم كالزطّ. وبها خير كثير، وأكثر زروعهم الرزّ. وبها الموز والعسل والنارجيل. وبها الجمل الفالج ذو السنامين، وهذا الصنف من الإبل لا يوجد إلّا هناك، يجلب منها إلى خراسان وفارس، ويجعل فحلا للنوق العربيّة فتولد منهما البخاتي.
هي بلاد واسعة كثيرة العجائب. تكون مسافتها ثلاثة أشهر في الطول وشهرين في العرض، وهي أكثر أرض الله جبالا وأنهارا، وقد اختصّت بكريم النبات وعجيب الحيوان، ويحمل منها كلّ طرفة إلى سائر البلاد مع أن التجّار لا يصلون إلّا إلى أوائلها. وأمّا أقصاها فقلّما يصل إليها أهل بلادنا لأنّهم كفّار يستبيحون النفس والمال.
والهند والسند كانا أخوين من ولد توقير بن يقطن بن حام بن نوح، عليه السلام، وهم أهل ملل مختلفة : منهم من يقول بالخالق دون النبيّ، وهم البراهمة، ومنهم من لا يقول بهما، ومنهم من يعبد الصنم، ومنهم من يعبد القمر، ومنهم من يعبد النار، ومنهم من يبيح الزنا.
بها من المعدنيات جواهر نفيسة، ومن النبات أشياء غريبة، ومن الحيوانات حيوانات عجيبة ومن العمارة رفيعة ؛ قال أبو الضلع السندي يذكر بلاد الهند وما يجلب منها : لقد أنكر أصحابي وما ذلك بالأمثل
إذا ما مدح الهند وسهم الهند في المقتل
لعمري إنّها أرض إذا القطر بها ينزل
يصير الدّرّ والياقوت والدّرّ لمن يعطل
فمنها المسك والكافور والعنبر والمندل
وأصناف من الطيّب ليستعمل من يتفل
وأنواع الأفاويه وجوز الطّيب والسّنبل
ومنها العاج والسّاج ومنها العود والصّندل
وإنّ التّوتيا فيها كمثل الجبل الأطول
ومنها الببر والنّمر ومنها الفيل والدّغفل
ومنها الكرك والببغاء والطّاووس والجوزل
ومنها شجر الرّانج والسّاسم والفلفل
سيوف ما لها مثل قد استغنت عن الصّيقل
وأرماح إذا ما هزّت اهتزّ بها الجحفل
فهل ينكر هذا الفضل إلّا الرّجل الأخطل
ومن عجائب الهند حجر موسى، فإنّه يوجد بالليل ولا يوجد بالنهار، يكسر كلّ حجر ولا يكسره حجر.
ومن عجائبها شجرة كسيوس فإنّها شجرة حلوة الثمرة تقع الحمام عليها وتأكل من ثمرتها فيغشى على الحمام فتأتي الحيّة لقصد الحمام، فإن كان على غصن الشجرة أو ظلّها لا تقدر الحيّة أن تقربها.
ومن عجائبها البيش، وهو نبت لا يوجد إلّا بالهند، سمّ قاتل، ايّ حيوان يأكل منه يموت، ويتولد تحته حيوان يقال له فأرة البيش، يأكل منه ولا يضرّه، وممّا ذكر أن ملوك الهند إذا أرادوا الغدر بأحد عمدوا إلى الجواري إذا ولدن، وفرشوا من هذا النبت تحت مهودهن زمانا، ثمّ تحت فراشهن زمانا، ثمّ تحت ثيابهن زمانا، ثمّ يطعمونهن منه في اللبن، حتى تصير الجارية إذا كبرت تتناول منه ولا يضرّها، ثمّ بعثوا بها مع الهدايا إلى من أرادوا الغدر به من الملوك فإنّه إذا غشيها مات.
وبها غنم لها ستّ ألايا : إحداها على المكان المعهود، والثانية على الصدر، والثالثة والرابعة على الكتفين، والخامسة والسادسة على الفخذين، رأيت واحدة منها حملت إلى بلادنا.
وبها حيّات إذا لسعت إنسانا يبقى كالميت، فيشدّونه على لوح ويلقونه في الماء، والماء يذهب به إلى موضع فيه مارستان، وعلى الماء من يترصّد الملسوعين فيأخذهم ويعالجونهم، فيرجع بعد مدّة إلى أهله سالما.
وبها طير عظيم الجثّة جدّا ؛ قالوا : إنّه في بعض جزائرها إذا مات نصف منقاره يتّخذ مركبا يركب الناس فيه في البحر، وعظم ريشه يتّخذ آزون الطعام ويسع الواحد منه أحمالا كثيرة.
ومن عجائبها مدينة إذا دخلها غريب لم يقدر على المجامعة أصلا، ولو أقام بها ما أقام، فإذا خرج عنها زال عنه المانع ورجع إلى حاله.
قال صاحب تحفة الغرائب : بأرض الهند بحيرة مقدار عشرة فراسخ في مثلها، ماؤها ينبع من أسفلها لا يأتيها شيء من الأنهار. وفي تلك البحيرة حيوانات على صورة الإنسان، إذا كان الليل يخرج منها عدد كثير يلعبون على ساحل البحر ويرقصون ويصفّقون باليدين، وفيهم جوار حسناوات. ويخرج منها أيضا حيوانات على غير صورة الإنسان عجيبة الأشكال، والناس في الليلة القمراء يقعدون من البعد وينظرون إليهم، وكلّما كان النظار أكثر كان الخارجون أكثر. وربّما جاءوا بالفواكه الكثيرة أكلوها وتركوا ما فضل منها على الساحل، وإن مات منهم أحد أخرجوه من البحيرة وستروا سوأته بالطين، والناس يدفنونه، وما دام يبقى على الساحل لا يخرج من الماء أحد البتة.
قال صاحب عجائب الأخبار : بأقصى بلاد الهند أرض رملها مخلوط بالذهب، وبها نوع من النمل عظام، وهي أسرع عدوا من الكلب! وتلك الأرض شديدة الحرارة جدّا، فإذا ارتفعت الشمس واشتدّت الحرارة تهرب النمل إلى أسراب تحت الأرض وتختفي فيها إلى أن تنكسر سورة الحرّ فتأتي الهند بالدواب عند اختفاء النمل ويحمل من ذلك الرمل، ويسرع في المشي مخافة أن يلحقهم النمل فيأكلهم.
قال المسعودي : بأرض الهند هيكل عظيم عندهم يقال له بلاذري، ليس لهم هيكل أعظم منه، له بلد قد وقف عليه، وحوله ألف مقصورة فيها جوار موقوفة على الصنم لمن جاءه زائرا. ومن جاء سجد له وأقام في ضيافته ثلاثا وبات عند جارية من جواريه ثمّ رجع.
بها جبل ؛ قال صاحب تحفة الغرائب : على هذا الجبل صورة أسدين يخرج من فمهما ماء كثير يصير ساقيتين، عليهما شرب قريتين، على كلّ ساقية قرية، فوقعت بين القريتين خصومة فكسروا فم أحدهما فانقطع ماؤه، فأصلح المكسور ليرجع إلى حاله فما أفاد شيئا.
وبها نهر كبك، وهو نهر عظيم، وللهند فيه اعتقاد عظيم، من مات من عظمائهم يلقون عظامه في هذا النهر، ويقولون إنّها تساق إلى الجنّة، وبين هذا النهر وسومناة مائتا فرسخ، يحمل كلّ
- ↑ وردت في معجم البلدان : ذموران، بالذال المعجمة.