صفحة:آثار البلاد وأخبار العباد.pdf/65

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
66

زال يعلو أمره حتى ولي اليمن واليمامة ثمّ استعمل على العراق سنة خمس وسبعين. وكان أهل العراق كلّ من جاءهم واليا استخفّوا به وضحكوا منه وإذا صعد المنبر رموه بالحصاة ؛ فبعث عبد الملك إليهم الحجّاج فلمّا صعد المنبر متلثما وكان قصير القامة ضحكوا منه فعرف الحجّاج ذلك فأقبل عليهم وقال :

أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا
متى أضع العمامة تعرفوني

إن أمير المؤمنين نثل كنانته فوجدني أصلبها عودا فرماكم بي واني أرى رؤوسا دنا أوان حصادها وأنا الذي أحصدها. فدخل القوم منه رعب فما زال بهم حتى أراهم الكواكب بالنهار.

ولمّا بنى واسط عدّ في حبسه ثلاثة وثلاثون ألف إنسان حبسوا بلا دم ولا تبعة ولا دين ومات في حبسه واحد وعشرون ألفا صبرا ومن قتله بالسيف فلا يعدّ ولا يحصى! وقال يوما على المنبر في خطبته :

أتطلبون مني عدلّ عمر ولستم كرعية عمر؟ وإنّما مثلي لمثلكم كثير لبئس المولى ولبئس العشير! وكان في مرض موته يقول :

يا ربّ قد زعم الأعداء واجتهدوا
أيمانهم أنّني من ساكني النّار
أيحلفون على عمياء؟ ويحهم
ما علمهم بعظيم العفو غفّار؟

وحكى عمر بن عبد العزيز أنّه رأى الحجّاج في المنام بعد مدّة من موته قال :فرأيته على شكل رماد على وجه الأرض فقلت له : أحجّاج؟ قال : نعم قلت : ما فعل الله بك؟ قال : قتلني بكلّ من قتلته مرّة مرّة وبسعيد بن جبير سبعين مرّة وأنا أرجو ما يرجوه الموحّدون!

وينسب إلى الطائف سعيد بن السائب كان من أولياء الله وعباد الله الصالحين نادر الوقت عديم النظير وكان الغالب عليه الخوف من الله تعالى لا يزال دمعه جاريا فعاتبه رجل على كثرة بكائه فقال له : إنّما ينبغي أن تعاتبني على تقصيري وتفريطي لا على بكائي!

وقال له صديق له : كيف أصبحت؟ قال : أصبحت أنتظر الموت على غير عدة! وقال سفيان الثوري : جلسنا يوما لحدّث ومعنا سعيد بن السائب وكان يبكي حتى رحمه الحاضرون فقلت له : يا سعيد لم تبكي وأنت تسمع حديث أهل الخير؟ فقال : يا سفيان ما ينفعني إذا ذكرت أهل الخير وأنا عنهم بمعزل؟


طيفند


قلعة في بلاد الهند منيعة، على قلّة جبل ليس لها إلّا مصعد واحد، وعلى رأس الجبل مياه ومزارع وما احتاجوا إليه، غزاها يمين الدولة محمود بن سبكتكين سنة أربع عشرة وأربعمائة، وحاصرها زمانا وضيّق على أهلها، وكان عليها خمسمائة قيل فطلبوا الأمان فآمنهم، وأقرّ صاحبها فيها على خراج،