صفحة:آثار البلاد وأخبار العباد.pdf/58

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
59

إليه جارية بلبن أو ماء وسقته وقالت له : شبّب بي! فقال لها :ما اسمك؟ قالت : هند. فأنشأ يقول :

أحبّ قنا من حبّ هند ولم أكن
أبالي أقربا زاده الله أم بعدا؟
أروني قنا أنظر إليه فإنّني
أحبّ قنا إنّي رأيت به هندا!

فشاع هذا الشعر وخطبت الجارية وأصابت خيرا بسبب شعر نصيب.

وبها جبل يسوم في بلاد هذيل قرب مكّة لا يكاد أحد يرتقيه ولا ينبت غير النبع والشوحط تأوي إليه قرود تفسد قصب السكّر في جبال السراة وأهل جبال السراة من تلك القرود في بلاء وشدّة عظيمة لا يمكنهم دفعها لأن مساكنها لا تنال.

وفي الأمثال : الله أعلم بمن حطّها عن رأس يسوم ؛ قيل : إن رجلا نذر ذبح شاة فمرّ بيسوم فرأى فيه راعيا فاشترى منه شاة وأنزلها من الجبل وأمر الراعي بذبحها وتفريقها عنه وولّى. فقيل له : إن الراعي يذبحها لنفسه! فقال : الله اعلم بمن حطّها عن رأس يسوم.

وبها عين ضارج عين في برية مهلكة بين اليمن والحجاز في موضع لا مطمع للماء فيه. حدّث إبراهيم بن إسحاق الموصلي أن قوما من اليمن أقبلوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فضلّوا الطريق ومكثوا ثلاثا لم يجدوا ماء وأيسوا من الحياة إذ أقبل راكب على بعير له وكان بعضهم ينشد :

ولمّا رأت أنّ الشّريعة همّها
وأنّ البياض من فرائصها دامي
تيمّمت العين التي عند ضارج
يفيء عليها الظّلّ عرمضها طامي

فقال الراكب : من قائل هذا الشعر؟ قالوا : امرؤ القيس. قال : والله ما كذب! هذا ضارج وأشار إليه فحثّوا على ركبهم فإذا ماء عذب وعليه العرمض والظلّ يفيء عليه فشربوا ريّهم وحملوا ما اكتفوا فلمّا أتوا رسول الله قالوا : يا رسول الله أحيانا الله ببيتين من شعر امرىء القيس وأنشدوا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ذاك رجل مذكور في الدنيا شريف فيها منسيّ في الآخرة خامل فيها يجيء يوم القيامة ومعه لواء الشعراء إلى النار.

وبها عين المشقّق. المشقّق : اسم واد بالحجاز وكان به وشل يخرج منه ماء يروي الراكبين أو الثلاثة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك : من سبقنا الليلة إليه فلا يستقينّ منه شيئا حتى نأتيه. فسبقه نفر من المنافقين فاستقوا ما فيه فلمّا أتاه النبيّ عليه السلام لم ير فيه شيئا فقال : أولم أنهكم أن تستقوا منه شيئا؟ ثمّ نزل فوضع يده تحت الوشل فجعل يصب في يده من الماء فنضحه به ومسحه بيده المباركة ودعا بما شاء أن يدعو ربّه