صفحة:آثار البلاد وأخبار العباد.pdf/69

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
70


كنزة وقرّان


موضعان باليمامة، بهما نخل كثير ومواش، قال أبو زياد الكلابي : نزل بهم رجل من بني عقيل كنيته أبو مسلم كان يصطاد الذئاب، قالوا له : إن ههنا ذئبا لقينا منه التباريح، إن أنت اصطدته فلك في كلّ غنم شاة! فنصب له الشبكة وحبله وجاء به يقوده، وقال : هذا ذئبكم فأعطوني ما شرطتم. فأبوا وقالوا : كل ذئبك! فشدّ في عنق الذئب قطعة حبل وخلّى سبيله وقال : ادركوا ذئبكم! فوثبوا عليه وأرادوا قتله، فقال : لا عليكم ان وفيتّم لي رددته! فخلّوه ليردّه، فذهب وهو يقول :

علّقت في الذّئب حبلا ثمّ قلت له
الحق بأهلك واسلم أيّها الذّئب!
إن كنت من أهل قرّان فعد لهم
أو أهل كنزة فاذهب غير مطلوب
المخلفين لما قالوا وما وعدوا
وكلّ ما يلفظ الإنسان مكتوب
سألته في خلاء : كيف عيشته؟
فقال : ماض على الأعداء مرهوب
لي الفصيل من البعران آكله
وإن أصادفه طفلا فهو مصقوب
والنّخل أفسده ما دام ذا رطب
وإن شتوت ففي شاء الأعاريب
يا أبا مسلم أحسن في أسيركم
فإنّني في يديك اليوم مجنوب


كولم


مدينة عظيمة بأرض الهند، قال مسعر بن مهلهل : دخلت كولم وما رأيت بها بيت عبادة ولا صنما وأهلها يختارون ملكا من الصين، إذا مات ملكهم. وليس للهند طبيب إلّا في هذه المدينة، عماراتهم عجيبة، أساطين بيوتهم من خرز أصلاب السمك، ولا يأكلون السمك ولا يذبحون الحيوان، ويأكلون الميتة، وتعمل بها غضائر تباع في بلادنا على انّه صيني وليس كذلك، لأن طين الصين أصلب من طين كولم وأصبر على النار، وغضائر كولم لونها أدكن وغضائر الصين أبيض وغيره من الألوان. بها منابت الساج المفرط الطول ربّما جاوز مائة ذراع وأكثر. وبها البقم والخيزران والقنا بها كثير جدّا، وبها الراوند وهو قرع ينبت هناك، ورقه الساذج الهندي العزيز الوجود لأجل أدوية العين، ويحمل إليها أصناف العود والكافور واللبان، والعود يجلب من جزائر خلف خطّ الاستواء، لم يصل إلى منابته أحد ولا يدرى كيف شجره، وإنّما الماء يأتي به إلى جانب الشمال. وبها معدن الكبريت الأصفر ومعدن النحاس ينعقد دخانه توتياء جيّدا.

مدينة يثرب


هي مدينة الرسول، صلّى الله عليه وسلّم، وهي في حرّة سبخة مقدار نصف مكّة. من خصائصها أن من دخلها يشمّ رائحة الطيب، وللعطر فيها فضل رائحة لم