صفحة:آثار البلاد وأخبار العباد.pdf/70

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
71

توجد في غيرها، وأهلها أحسن الناس صوتا. قيل لبعض المدنيّين :ما بالكم أنتم أطيب الناس صوتا؟ فقال : مثلنا كالعيدان خلت أجوافنا فطاب صوتنا. بها التمر الصّيحاني لم يوجد في غيرها من البلاد. وبها حبّ البان يحمل منها إلى سائر البلاد. وعن ابن عبّاس ان النبيّ، عليه السلام، حين عزم الهجرة قال : اللهمّ إنّك قد أخرجتني من أحبّ أرضك إليّ فأنزلني أحبّ أرضك إليك! فأنزله المدينة. ورأى النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، بلال بن حمامة وقد هاجر فاجتوى المدينة وهو يقول :

ألا ليت شعري! هل أبيتنّ ليلة
بفخّ وحولي إذخر وجليل؟
وهل أردن يوما مياه مجنّة؟
وهل يبدون لي شامة وطفيل؟

فقال، صلّى الله عليه وسلّم : خفت يا ابن السوداء! ثمّ قال : اللهمّ حبّب إلينا المدينة كما حبّبت مكّة وأشدّ، وصحّحها وبارك لنا في صاعها ومدّها، وانقل حمّاها إلى خيبر والجحفة. وعن أبي هريرة أن رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، قال : إن إبراهيم عبد الله وخليله وأنا عبد الله ورسوله، وان إبراهيم حرّم مكّة واني حرّمت المدينة ما بين لابتيها عضاهها وصيدها، لا يحمل فيها سلاح لقتال ولا تقطع منها شجرة إلّا لعلف البعير. وعن أبي هريرة عن النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم : من صبر على لأواء المدينة وشدّتها كنت له يوم القيامة شفيعا أو شهيدا. والمدينة مسوّرة، ومسجد النبيّ، عليه السلام، في وسطها وقبره في شرقي المسجد، وبجنبه قبر أبي بكر وبجنب قبر أبي بكر قبر عمر. وكتب الوليد بن عبد الملك إلى صاحب الروم يطلب منه صنّاعا لعمارة مسجد رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، فبعث إليه أربعين رجلا من صنّاع الروم وأربعين من صنّاع القبط، ووجّه معهم أربعين ألف مثقال ذهبا وأحمالا من الفسيفساء. فجاء الصنّاع وخمّروا النورة سنة للفسيفساء، وجعلوا أساسها بالحجارة، وجعلوا أسطوانات المسجد من حجارة مدوّرة في وسطها أعمدة حديد، وركّبوها بالرصاص، وجعلوا سقفها منقّشة مزوّقة بالذهب، وجعلوا بلاط المحراب مذهبا، وجعلوا وجه الحائط القبلي من داخله بازار رخام من أساسه إلى قدر قامة، وفي وسط المحراب مرآة مربعة ذكروا أنّها كانت لعائشة، والمنبر كان للنبي قد غشي بمنبر آخر، وقال، عليه السلام : ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة. بها بئر بضاعة. روي أن النبيّ، عليه السلام، توضّأ بمائها في دلو وردّ الدلو إلى البئر، وشرب من مائها وبصق فيها، وكان إذا مرض المريض في أيّامه يقول : اغسلوه بماء بضاعة، فإذا غسل فكأنّما أنشط من عقال. وقالت أسماء بنت أبي بكر : كنّا نغسل المرضى من بئر بضاعة ثلاثة أيّام فيعافون. بها بئر ذروان، ويقال لها بئر كملى هي البئر المشهورة.