انتقل إلى المحتوى

ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء الرابع/فصل في اختلاف الناس على النسخ

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


اختلف الناس في النسخ على ما يقع، أعلى الأمر أم على المأمور به؟ قال أبو محمد: والصحيح من ذلك أن النسخ إنما يقع على الأمر، ولا يجوز أن يقع على المأمور به أصلاً، لأن المأمور به هو فعلنا، وفعلنا لا يخلو من أحد وجهين: إما أن يكون قد وقع منا بعد، وإما أن يكون لم يقع منا بعد، فإن كان قد وقع منا بعد فقد فني، لأن أفعالنا أعراض فانية، ولا يجوز أن ينهى عما قد فني، إذ لا سبيل إلى عودته أبداً. وكذلك لا يجوز أن يؤمر أيضاً بما قد فني، لأنه لا يجوز أن يعود أيضاً ولا أن يباح لنا ما قد فني أيضاً، لأن كل هذا محال، وإن كان لم يقع منا، فكيف ينسخ شيء لم يكن بعد، فصح أن المرفوع إنما هو الأمر المتقدم، لا الفعل الذي لم تفعله بعد، فإذا قد صحّ أن الأمر هو المرفوع فهو المنسوخ، والنسخ إنما يقع في الآمر لا في الأمر ولا في المأمور به. وبالله تعالى التوفيق. وبرهان ما ذكرناه قوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فأخبر تعالى أن الآية هي المنسوخة لا أفعالنا المأمور بها، والمنهي عنها والآية هي الأمر الوارد من قبله تعالى، بإيجاب ما أوجب أو تحريم ما حرم. وأما المأمور به فهي حركاتنا وأعمالنا من صلاة وصيام وإقامة حد وغير ذلك، فصح ما ذكرنا نصّاً، وبالله تعالى التوفيق.

ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء الرابع

في أقل الجمع | في الاستثناء | في الكناية بالضمير | في الإشارة | في المجاز والتشبيه | فصل في التشبيه | في أفعال رسول الله | الكلام في النسخ | فصل في الأوامر في نسخها وإثباتها | فصل في قول الله تعالى: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيةٍ | فصل في اختلاف الناس على النسخ | فصل في تشكيك قوم في معاني النسخ | فصل في إمكان النسخ ثم إيجابه ثم امتناعه | فصل هل يجوز نسخ الناسخ ؟ | فصل في مناقل النسخ | فصل في آية ينسخ بعضها، ما حكم سائرها ؟ | فصل لا يضر كون الآية المنسوخة متقدمة في الترتيب | فصل في نسخ الأخف بالأثقل والأثقل بالأخف | فصل في نسخ الفعل بالأمر والأمر بالفعل | فصل في متى يقع النسخ عمن بعد عن موضع نزول الوحي | فصل في النسخ بالإجماع | فصل في رد المؤلف على من أجاز نسخ القرآن والسنة بالقياس | في المتشابه من القرآن والفرق بينه وبين المتشابه في الأحكام | في الإجماع، وعن أي شيء يكون الإجماع وكيف ينقل الإجماع | فصل في اختلاف الناس في وجوه من الإجماع | فصل ذكر الكلام في الإجماع إجماع من هو | فصل في ما إذا اختلف أهل عصر ما في مسألة ما | فصل في اختلاف أهل عصر ما ثم إجماع أهل عصر ثان | فصل في من قال إن افترق أهل عصر على أقوال كثيرة | فصل فيمن قال: ما لا يعرف فيه خلاف فهو إجماع | فصل في من قال بأن خلاف الواحد من الصحابة أو ممن بعدهم لا يعد خلافاً | فصل في قول من قال: قول الأكثر هو الإجماع ولا يعتد بقول الأقل | فصل في إبطال قول من قال: الإجماع هو إجماع أهل المدينة | فصل فيمن قال إن الإجماع هو إجماع أهل الكوفة | إن قول الواحد من الصحابة إذا لم يعرف له مخالف فهو إجماع | فصل في من قال ليس لأحد أن يختار بعد أبي حنيفة | فصل في معنًى نسبوه إلى الإجماع | فصل واختلفوا: هل يدخل أهل الأهواء أم لا ؟