ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء الرابع/فصل في معنى نسبوه إلى الإجماع
فصل في معنًى نسبوه إلى الإجماع
وتكلموا أيضاً في معنًى نسبوه إلى الإجماع وهو: أن ذكروا أن يختلف الناس على قولين فأكثر في مسألة، فيشهد النص من القرآن والسنة بصحة قول من تلك الأقوال، فيبطل سائرها، ثم تقع فروع من تلك المسألة، فقالوا: يجب أن يكون المقول به، هو ما قاله من شهد النص لصحه قوله في أصل تلك المسألة، ونظروا ذلك بالحكم العاقلة.
قال بها قوم ولم يعرفها قوم، منهم عثمان البتي فصحَّ النص بقول من صححها، فلما صرنا إلى من هم العاقلة، وجب أن ينظروا إلى من أجمع القائلون بالعاقلة على أنه من العاقلة، فيكون من العاقلة ومن اختلفوا فيه أهو من العاقلة أم لا ألا يكون من العاقلة؟ قال أبو محمد: وقولنا ههنا هو قولنا فيما سلف من أنه إذا أمكن أن يعرف الإجماع في ذلك لكان حجة، لكن لا سبيل إلى إحصائهم ولا إلى حصر أقوالهم لما قدمنا قبل، ونحن في سعة والحمد لله عن التعلق بهذه الثنايا الأشبة والتورط في هذه المضايق القشبة بما قد بينه لنا ربنا عز وجل ورسوله من النص الذي لا دين لنا فيه، وما عداه فليس من دين الله تعالى ولا من عنده عز وجل، وقد كتب رسول الله إلى كل بطن عقولة، وألزم اليهودية من قتل بينهم لو اعترفوا أنه قتله بعضهم خطأ أو قام بذلك بينة، فوجب بذلك أن العاقلة هم بطن القاتل خطأ الذي ينتمي إليه حتى بلغ إلى القبيلة التي تقف عندها؛ وهكذا في كل شيء، والحمد لله رب العالمين.