ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء الرابع/فصل في التشبيه
فصل في التشبيه
قال علي: التشبيه بين الأشياء المشتبهة حق مشاهد، فإذا شبه الله عز وجل أو رسوله شيئاً بشيء فهو صدق وحق وتنبيه على قدرة عظيمة لأنه ليس في العالم شيئان إلا وهما مشتبهان من وجه ما، وغير مشتبهين من وجه آخر وقد قال الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَـنِ مِن تَفَاوُتِ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ } فهذا الذي قلنا هو ارتفاع التفاوت، لأن التماثل هو ضد التفاوت، وإذا بطل التفاوت صح التماثل، ولذلك افتقر الناس إلى معرفة حدود الكلام، وضبط الصفات التي تتفق فيها الموصوفات التي سعى قوم من النوكى في إبطالها، وهيهات من إبطال الحقائق. فإن قال قائل: إنه عليه السلام قد شبه ديون الله تعالى بديون الناس في وجوب قضائها، وأنتم لا تقولون بقضاء الصلاة عن الميت. فالجواب، وبالله تعالى التوفيق: إننا بتوفيق الله عز وجل لنا أهل الطاعة لهذا الحديث، وغيره، وقد نسب إلينا الباطل من ظن أننا نخص هذا الحديث أو غيره بلا نص، فنقول: يقضى الصوم والحج والصلاة المنذورة والمنسية والتي نيم عنها، وأما الصلاة المفروضة المتروكة عمداً، والصوم المفروض في رمضان المتروك عمداً، فإن الذي فرّط فيها لا يقدر على قضائها أبداً، وليس عليه صيام يقضيه، ولا صلاة يقضيها، وإنما عليه إثم، أمره فيه إلى ربه تعالى، فلا يقضى عنه ذلك، وبالله تعالى التوفيق.
قال علي: وهذه أيضاً من عجائب هؤلاء القوم، فإنهم يأتون إلى أشياء لم يشبه الله تعالى ولا رسوله بعضها ببعض، فيحكون لها بحكم واحد لادعائهم أنها مشتبهة فيقولون: لا يجوز للنكاح بأقل مما يقطع في اليد في السرقة، وقد علم كل ذي عقل أنه لا شبه بين السرقة والنكاح، ثم يأتون إلى ما أكد الله تعالى شبهه وساوى بينهما، فيبطلون التساوي فيهما فيقولون: إن ديون الناس تقضى عن الميت وديون الله تعالى لا تقضى عنه، فهل في تقحم الباطل أعظم من هذا؟ قال علي: وهذا الذي قلنا في المجاوز والتشبيه هو عين الحقيقة بالبراهين التي ذكرنا لم نترك فيه علقة لمتعقب منصف، وبالله تعالى التوفيق، فأما أهل الشغب فهم بمنزلة التائه في الفلوات، وإنما علينا ــــــ بعون الله تعالى ـــــ نهج الطريق القصد وإيضاحه، حتى لا يوجد بحول الله تعالى وقوته طريق أنهج ولا أخصر منه، والحمد لله رب العالمين ويوفق الله تعالى من يشاء بما يشاء، وبالله تعالى التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.