ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء الرابع/فصل في التشبيه

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


فصل في التشبيه

قال علي: التشبيه بين الأشياء المشتبهة حق مشاهد، فإذا شبه الله عز وجل أو رسوله شيئاً بشيء فهو صدق وحق وتنبيه على قدرة عظيمة لأنه ليس في العالم شيئان إلا وهما مشتبهان من وجه ما، وغير مشتبهين من وجه آخر وقد قال الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَـنِ مِن تَفَاوُتِ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ } فهذا الذي قلنا هو ارتفاع التفاوت، لأن التماثل هو ضد التفاوت، وإذا بطل التفاوت صح التماثل، ولذلك افتقر الناس إلى معرفة حدود الكلام، وضبط الصفات التي تتفق فيها الموصوفات التي سعى قوم من النوكى في إبطالها، وهيهات من إبطال الحقائق. فإن قال قائل: إنه عليه السلام قد شبه ديون الله تعالى بديون الناس في وجوب قضائها، وأنتم لا تقولون بقضاء الصلاة عن الميت. فالجواب، وبالله تعالى التوفيق: إننا بتوفيق الله عز وجل لنا أهل الطاعة لهذا الحديث، وغيره، وقد نسب إلينا الباطل من ظن أننا نخص هذا الحديث أو غيره بلا نص، فنقول: يقضى الصوم والحج والصلاة المنذورة والمنسية والتي نيم عنها، وأما الصلاة المفروضة المتروكة عمداً، والصوم المفروض في رمضان المتروك عمداً، فإن الذي فرّط فيها لا يقدر على قضائها أبداً، وليس عليه صيام يقضيه، ولا صلاة يقضيها، وإنما عليه إثم، أمره فيه إلى ربه تعالى، فلا يقضى عنه ذلك، وبالله تعالى التوفيق.

قال علي: وهذه أيضاً من عجائب هؤلاء القوم، فإنهم يأتون إلى أشياء لم يشبه الله تعالى ولا رسوله بعضها ببعض، فيحكون لها بحكم واحد لادعائهم أنها مشتبهة فيقولون: لا يجوز للنكاح بأقل مما يقطع في اليد في السرقة، وقد علم كل ذي عقل أنه لا شبه بين السرقة والنكاح، ثم يأتون إلى ما أكد الله تعالى شبهه وساوى بينهما، فيبطلون التساوي فيهما فيقولون: إن ديون الناس تقضى عن الميت وديون الله تعالى لا تقضى عنه، فهل في تقحم الباطل أعظم من هذا؟ قال علي: وهذا الذي قلنا في المجاوز والتشبيه هو عين الحقيقة بالبراهين التي ذكرنا لم نترك فيه علقة لمتعقب منصف، وبالله تعالى التوفيق، فأما أهل الشغب فهم بمنزلة التائه في الفلوات، وإنما علينا ــــــ بعون الله تعالى ـــــ نهج الطريق القصد وإيضاحه، حتى لا يوجد بحول الله تعالى وقوته طريق أنهج ولا أخصر منه، والحمد لله رب العالمين ويوفق الله تعالى من يشاء بما يشاء، وبالله تعالى التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء الرابع

في أقل الجمع | في الاستثناء | في الكناية بالضمير | في الإشارة | في المجاز والتشبيه | فصل في التشبيه | في أفعال رسول الله | الكلام في النسخ | فصل في الأوامر في نسخها وإثباتها | فصل في قول الله تعالى: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيةٍ | فصل في اختلاف الناس على النسخ | فصل في تشكيك قوم في معاني النسخ | فصل في إمكان النسخ ثم إيجابه ثم امتناعه | فصل هل يجوز نسخ الناسخ ؟ | فصل في مناقل النسخ | فصل في آية ينسخ بعضها، ما حكم سائرها ؟ | فصل لا يضر كون الآية المنسوخة متقدمة في الترتيب | فصل في نسخ الأخف بالأثقل والأثقل بالأخف | فصل في نسخ الفعل بالأمر والأمر بالفعل | فصل في متى يقع النسخ عمن بعد عن موضع نزول الوحي | فصل في النسخ بالإجماع | فصل في رد المؤلف على من أجاز نسخ القرآن والسنة بالقياس | في المتشابه من القرآن والفرق بينه وبين المتشابه في الأحكام | في الإجماع، وعن أي شيء يكون الإجماع وكيف ينقل الإجماع | فصل في اختلاف الناس في وجوه من الإجماع | فصل ذكر الكلام في الإجماع إجماع من هو | فصل في ما إذا اختلف أهل عصر ما في مسألة ما | فصل في اختلاف أهل عصر ما ثم إجماع أهل عصر ثان | فصل في من قال إن افترق أهل عصر على أقوال كثيرة | فصل فيمن قال: ما لا يعرف فيه خلاف فهو إجماع | فصل في من قال بأن خلاف الواحد من الصحابة أو ممن بعدهم لا يعد خلافاً | فصل في قول من قال: قول الأكثر هو الإجماع ولا يعتد بقول الأقل | فصل في إبطال قول من قال: الإجماع هو إجماع أهل المدينة | فصل فيمن قال إن الإجماع هو إجماع أهل الكوفة | إن قول الواحد من الصحابة إذا لم يعرف له مخالف فهو إجماع | فصل في من قال ليس لأحد أن يختار بعد أبي حنيفة | فصل في معنًى نسبوه إلى الإجماع | فصل واختلفوا: هل يدخل أهل الأهواء أم لا ؟