صيد الخاطر/فصل: مصير النفس بعد الموت
فصل: مصير النفس بعد الموت
قد أشكل على الناس أمر النفس وماهيتها، مع إجماعهم على وجودها، ولا يضر الجهل بذاتها مع إثباتها. ثم أشكل عليهم مصيرها بعد الموت، ومذهب أهل الحق أن لها وجودا بعد موتها، وأنها تنعم ونعذب. قال أحمد بن حنبل: [ أرواح المؤمنين في الجنة، وأرواح الكفار في النار ]. وقد جاء في أحاديث الشهداء: [ أنها في حواصل طير خضر تعلق من شجر الجنة ]. وقد أخذ بعض الجهلة بظواهر أحاديث النعيم، فقال: إن الموتى يأكلون في القبور، وينكحون. والصواب من ذلك أن النفس تخرج بعد الموت إلى نعيم أو عذاب، وأنها تجد ذلك إلى يوم القيامة، فإذا كانت القيامة، أعيدت إلى الجسد ليتكامل لها التنعم بالوسائط. وقوله: [ في حواصل طير خضر ]، دليل على أن النفوس لا تنال لذةإلا بوساطة. إلا أن تلك اللذة لذة مطعم أو مشرب، فأما لذات المعارف والعلوم فيجوز أن تنالها بذاتها، مع عدم الوسائط. والمقصود من هذا المذكور أني رأيت بعض الانزعاج من الموت. وملاحظة النفس بعين العدم عنده فقلت لها: إن كنت مصدقة للشريعة فقد أخبرت بما تعرفين ولا وجه للإنكار، وإن كان هناك ريب في أخبار الشريعة، صار الكلام في بيان صحة الشريعة. فقالت: لا ريب عندي. قلت: فاجتهدي في تصحيح الإيمان، وتحقيق التقوى، وأبشري حينئذ بالراحة من ساعةالموت، فإني لا أخاف عليك إلا من التقصير في العمل. واعلمي أن تفاوت النعيم بمقدار درجات الفضائل، فارتفعي بأجنحة الجد إلى أعلى أبراجها، واحذري من قانص هوى،أو شرك غرة، والله الموفق.