صيد الخاطر/فصل: الزهد الظاهري
فصل: الزهد الظاهري
[عدل]ما يكاد يحب الاجتماع بالناس إلا فارغ. لأن المشغول القلب بالحق يفر من الخلق ومتى تمكن فراغ القلب من معرفة الحق امتلأ بالخلق فصار يعمل لهم ومن أجلهم، ويهلك بالرياء ولا يعلم. وإني لأتأمل بعض من يتزيى بالفقر والتصوف وهو يلبس ثيابا لا تساوي دينارا، وعنده المال الكثير، وقد أمرع نفسه في المطاعم الشهية وهو عامل بمقتضى الكبر والتصدر، فتقرب إلى أرباب الدنيا، ويستذري أرباب العلم، ويزور أولئك دونهم. وإنما يرد ما يعطى ليشيع له اسم زاهد، فتراه يربي الناموس وهو في احتياله كثعلب، وفي نهوضه إلى أغراضه في الباطن كلب شري. فأقول: سبحان الله، ما يزهد إلا الثياب، أترى: ما سمع قول النبي ﷺ: إن الله يحب أن يري أثر نعمته على عبده؟. وأعوذ بالله من رؤية النفس، رؤية الخلق، فإن من رأى نفسه تكبر، والمتكبر أحمق، لأنه ما من شيء يتكبر به إلا ولغيره أكثر منه. ومن راءى الخلق عبدهم وهو لا يعلم. فأما العامل لله سبحانه وتعالى فهو بعيد من الخلق، فإن تقربوا إليه ستر حاله بما يوجب بعدهم عنه. وقد رأينا من يرائي ولا يدري فيمتنع من المشي في السوق، ومن زيارة الإخوان، ومن أن يشتري شيئا بنفسه. وتوهمه نفسه أني أكره مخالطة السوقة، وإنما هذا يربي جاها بين العلماء إذ لو خالطهم لا متحى جاهه، وبطل تقبيل يده. وقد كان بشر الحافي يجلس في مجلس عند العطار. وأبلغ من هذا كله أن نبينا ﷺ كان يشتري حاجته ويحملها، وخرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو أمير المؤمنين فاشترى ثوبا. وقد كان طلحة بن مطرف قارئ أهل الكوفة، فلما كثر الناس عليه مشى إلى الأعمش فقرأ عليه، فمال الناس إلى الأعمش وتركوا طلحة. هذا والله الكبريت الأحمر والإكسير، لا يظن إكسيرا في الكيمياء. والمعاملة مع الله تعالى هكذا تكون. فأما ضد هذه الحال فحالة عابد للخلق ملبس. وقد عم هذا جمهور الخلق حاشا السلف. أفدي ظباء فلاة ما عرفن بها مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب