صيد الخاطر/فصل: التلطف بالنفس
فصل: التلطف بالنفس
تأملت العلم والميل إليه والتشاغل به، فإذا هو يقوى القلب قوة تميل به إلى نوع قساوة. ولولا قوة القلب، وطول الأمل، لم يقع التشاغل به. فإني أكتب الحديث أرجو أن أرويه، وأبتدىء بالتصنيف أرجو أن أتمه، فإذا تأملت باب المعاملات قل الأمل، ورق القلب، وجاءت الدموع، وطابت المناجاة وغشيت السكينة، وصرت كأني في مقام المراقبة. إلا أن العلم أفضل وأقوى حجة، وأعلى رتبة، وإن حدث منه ماشكوت منه. والمعاملة وإن كثرت الفوائد التي أشرت إليها منها، فإنها قريبة إلى أحوال الجبان الكسلان الذي قد إقتنع بصلاح نفسه عن هداية غيره، وإنفرد بعزلته عن إجتذاب الخلق إلى ربهم. فالصواب العكوف على العلم مع تلذيع النفس بأسباب المرققات تلذيعا لا يقدح في كمال التشاغل بالعلم. فإني لأكره لنفسي من جهة ضعف قلبي ورقته أن أكثر زيادة القبور، وإن أحضر المحتضرين، لأن ذلك يؤثر في فكري، ويخرجني من حيز المتشاغلين بالعلم إلى مقام الفكر في الموت، ولأنتفع بنفسي مدة. وفصل الخطاب في هذا أنه ينبغي أن يقام المرض بضده. فمن كان قلبه قاسيا شديد القسوة، وليس عنده من المراقبة ما يكفه عن الخطأ، قاوم ذلك بذكر الموت ومحاضرة المحتضرين. فأما من قلبه شديد الرقة فيكفيه ما به، بل ينبغي له ان يتشاغل بما ينسيه ذلك لينتفع بعيشه، وليفهم ما يفتي به. وقد كان الرسول ﷺ يمزح ويسابق عائشة رضي الله عنها، ويتلطف بنفسه، فمن سار سيرته عليه الصلاة السلام، فهم من مضمونها ما قلت من ضرورة التلطف بالنفس.