صيد الخاطر/فصل: الرجل هو من يراعي حفظ الحدود وإخلاص العمل
فصل: الرجل هو من يراعي حفظ الحدود وإخلاص العمل
[عدل]لا يغرك من الرجل طنطنته وما تراه يفعل من صلاة وصوم وصدقة وعزلة عن الخلق. إنما الرجل هو الذي يراعي شيئين: حفظ الحدود، وإخلاص العمل. فكم قد رأينا متعبدا يحرق الحدود بالغيبة، وفعل ما لا يجوز مما يوافق هواه. وكم قد اعتبرنا على صاحب دين أنه يقصد بفعله غير الله تعالى. وهذه الآفة تزيد وتنقص في الخلق. فالجل كل الرجل هو الذي يراعي حدود الله، وهي ما فرض عليه وألزم به. والذي يحسن القصد، فيكون عمله وقوله خالصا لله تعالى، لا يريد به الخلق ولا تعظيمهم له. فرب خاشع ليقال ناسك، وصامت ليقال خائف، وتارك للدنيا ليقال زاهد. وعلامة المخلص أن يكون في جلوته كخلوته، وربما تكلف بين الناس التبسم والإنبساط لينمحي عنه إسم زاهد. فقد كان ابن سيرين يضحك بالنهار، فإذا جن الليل فكأنه قتل أهل القرية. واعلم أن المعمول معه لا يريد الشركاء، فالمخلص مفرد له بالقصد، والمرائي قد أشرك ليحصل له مدح الناس. وذلك ينقلب، لأن قلوبهم بيد من أشرك معه، فهو يقلبها عليه لا إليه. فالموفق من كانت معاملته باطنة وأعماله خالصة. وذاك الذي تحبه الناس وإن لم يبالهم، كما يمقتون المرائي وإن زاد تعبده. ثم إن الرجل الموصوف بهذه الخصال لا يتناهى عن كمال العلوم ولا يقصر عن طلب الفضائل. فملأ الزمان أكثر ما يسعه من الخير، وقلبه لا يفتر عن العمل القلبي إلى أن يصير شغله بالحق سبحانه وتعالى.