صيد الخاطر/فصل: مسند الإمام أحمد وما فيه من الأحاديث
فصل: مسند الإمام أحمد وما فيه من الأحاديث
كان قد سألني بعض أصحاب الحديث: هل في مسند أحمد ما ليس بصحيح؟ فقلت: نعم. فعظم ذلك على جماعة ينسبون إلى المذهب، فحملت أمرهم على أنهم عوام، وأهملت فكر ذلك. إذا بهم قد كتبوا فتاوي، فكتب فيها جماعة من أهل خراسان، منهم أو أبو العلاء الهمداني يعظمون هذا القول، ويردونه ويقبحون قول من قاله. فبقيت دهشا متعجبا، وقلت في نفسي: واعجبا صار المنتسبون إلى العلم عامة أيضا. وما ذاك إلا أنهم سمعوا الحديث ولم يبحثوا عن صحيحه وسقيمه، وظنوا أن من قال ما قلته قد تعرض للطعن فيما أخرجه أحمد. وليس كذلك، فإن الإمام أحمد روى المشهور والجيد والرديء. ثم هو قد رد كثيرا مما روى، ولم يقل به، ولم يجعله مذهبا له. أليس هو القائل في حديث الوضوء بالنبيذ مجهول. من نظر في كتاب العلل الذي صنفه أبو بكر الخلال رأى أحاديث كثيرة كلها في المسند، وقد طعن فيها أحمد. ونقلت من خط القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء في مسألته النبيذ قال: إنما روى أحمد في مسنده ما اشتهر، ولم يقصد ولا السقيم. ويدل على ذلك أن عبد الله قال: قلت لأبي: ما تقول في حديث ربعي بن حراش عن حذيفة؟ قال: الذي يرويه عبد العزيز بن أبي داود؟ قلت: نعم. قال: الأحاديث بخلافه. قلت: فقد ذكرته في المسند. قال قصدت في المسند المشهور، فلو أردت أن أقصد ما صح عندي لم أرد لهذا المسند إلا الشيء بعد الشيء اليسير. ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث، لست أخالف ما ضعف من الحديث إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه. قال القاضي ـ وقد أخبر عن نفسه ـ كيف طريقه في المسند فمن جعله أصلا للصحة فقد خالفه وترك مقصده. قلت: قد غمني في هذا الزمان أن العلماء لتقصيرهم في العلم صاروا كالعامة وإذا مر بهم حديث موضوع قالوا: قد روي. والبكاء ينبغي أن يكون على خساسة الهمم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.