صيد الخاطر/فصل: العقل منحة من الله
فصل: العقل منحة من الله
تأملت على قوم يدعون العقول ويعترضون على حكمة الخالق. فينبغي أن يقال لهم: هذا الفهم الذي دلكم على رد حكمته أليس هو من منحه؟ أفأعطاكم الكمال ورضي لنفسه بالنقص هذا هو الكفر المحض، الذي يزيد في القبح على الجحد. فأول القوم إبليس، فإنه رأى بعقله أن جوهر النار أشرف من جوهر الطين، فرد حكمة الخالق. ومر على هذا خلق كثير من المعترضين، مثل ابن الرواندي، والبقري، وهذا المعري اللعين يقول: كيف يعاب ابن الحجاج بالسخف والدهر أقبح فعلا منه. أترى يعني به الزمان. فإن ممر الأوقات لا يفعل شيئا، وإنما هو تعريض بالله جل شأنه. وكان يستعجل الموت ظنا منه أنه يستريح. وكان يوصي بترك النكاح والنسك، ولا يرى في الإيجاد حكمة إلا العناء والتعب ومصير الأبدان إلى البلى. وهذا لو كان كما ظن كان الإيجاد عبثا، والحق منزه عن العبث. قال تعالى:: وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا. فإذا كان ما خلق لنا لم يخلق عبثا، أفنكون نحن، ونحن مواطن معرفته، ومجال تكليفه، قد وجدنا عبثا؟ ومثل هذا الجهل إنما يصدر ممن ينظر في قضايا العقول التي يحكم بها على الظواهر، مثل أن يرى مبنيا ينقض. والعقل بمجرده لا يرى ذلك حكمة. ولو كشفت له حكمة ذلك لعلم أنه صواب. كما كشف لموسى مراد الخضر في خرق السفينة وقتل الغلام. ومعلوم أن ذبح الحيوان، وتقطيع الرغيف، ومضغ الطعام، لا يظهر له فائدة على الإطلاق. فإذا علم أنه غذاء لبدن من هو أشرف بدنا من المذبوح، حسن ذلك الفعل. واعجب أو ما تقضي العقول بوجوب طاعة الحكيم الذي تعجز عن معرفة حكمة مخلوقاته. فكيف تعارضه في أفعاله؟ نعوذ بالله من الخذلان.