صيد الخاطر/فصل: المعاصي سببها طلب اللذات
فصل: المعاصي سببها طلب اللذات
تذكرت في سبب دخول جهنم، فإذا هو المعاصي. فنظرت في المعاصي، فإذا هي حاصلة من طلب اللذات. فنظرت في اللذات، فرأيتها خدعا ليست بشي، وفي ضمنها من الأكدر ما يصيرها نغصا فتخرج عن كونها لذات. فكيف يتبع العاقل نفسه ويرضى بجهنم لأجل هذه الأكدار؟ فمن اللذات الزنا فإن كان المراد إراقة لماء فقد يراق في حلال. وإن كان في معشوق فمراد النفس دوام البقاء مع المعشوق، فإذا هي ملكته فالمملوك مملول. وإن هو قاربه ساعة ثم فارقه، فحسرة الفراق تربو على لذة القرب. وإن كان ولد له من الزنا فالفضيحة الدائمة، والعقوبة التامة، وتنكيس الرأس عند الخالق والمخلوق. وأما الجاهل فيرى لذته في بلوغ ذلك الغرض، وينسى ما يجنى مما يكدر عيش الدنيا والآخرة. ومن ذلك شرب الخمر، فإنه تنجيس للفم والثوب، وإبعاد للعقل، وتأثيراته معلومة عند الخالق والمخلوق. فالعجب ممن يؤثر لذة ساعة تجني عقابا وذهاب جاء، وربما خرج بالعربدة إلى القتل. وعلى هذا فقس جميع المذوقات، فإن لذاتها إذا وزنت بميزان العقل لا تفي بمعشار عشير عواقبها القباح في الدنيا والآخرة. ثم هي نفسها ليس بكثير شيء فكيف تباع الآخرة بمثل هذا؟ سبحان من أنعم على أقوام، كلما لاحت لهم لذة نصبوا ميزان العقل ونظروا فيما يجني، وتلمحوا ما يؤثر تركها فرجحوا الأصلح. وطمس على قلوب فهي ترى صورة الشيء وتنسى جناياته. ثم العجب أنا نرى من يبعد عن زوجته وهو شاب ليعدو في الطريق فيقال ساعي. فيغلب هواه لطلب ما هو أعلى وهو المدح. كيف لا يترك محرما ليمدح في الدنيا والأخرة؟ ثم قدر حصول ما طلبت من اللذات وذهابها وأحسب أنها قد كانت وقد هانت وتخلصت من محنها. أين أنت من غيرك؟ أين تعب عالم قد درس العلم خمسين سنة؟ ذهب التعب وحصل العلم، وأين لذة البطال؟ ذهبت الراحة وأعقبت الندم.