صيد الخاطر/فصل: لا خير في لذة بعد العقاب
فصل: لا خير في لذة بعد العقاب
أجل الجهال من آثر عاجلا على آجل لا يأمن سوء مغبته، فكم قد سمعنا عن سلطان وأمير وصاحب مال أطلق نفسه في شهواتها، ولم ينظر في حلال وحرام فنزل به من الندم وقت الموت أضعاف ما التذ، ولقي من مرير الحسرات ما لا يقاومه ولا ذرة من كل لذة. ولو كان هذا فحسب لكفى حزنا كيف والجزاء الدائم بين يديه. فالدنيا محبوبة للطبع لا ريب في ذلك ولا أنكر على طالبها ومؤثر شهواتها. ولكن ينبغي له أن ينظر في كسبها ويعلم وجه أخذها، ليسلم له عاقبة لذته، وإلا فلا خير في لذة من بعدها النار. وهل عد في العقلاء قط من قيل له: إجلس في المملكة سنة ثم نقتلك. هيهات بل الأمر بالعكس وهو أن العاقل من صابر مرارة الجهد سنة بل سنين ليستريح في عاقبته. وفي الجملة أف للذة أعبت عقوبة. وقد أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: أخبرنا الحسن بن أبي طالب، قال: حدثنا يوسف بن عمر القواس، قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل إملاء، قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد، قال: حدثنا محمد بن أبي مسلمة البلخي، قال: حدثنا محمد بن علي القوهستاني، قال: حدثنا دلف بن أبي دلف قال: [ رأيت كأن آتيا أتى بعد موت أبي فقال أجب الأمير. فقمت معه، فأدخلني دار وحشة، وعرة سوداء الحيطان، مقلمة السقوف والأبواب، ثم أصعدني درجا فيها. ثم أدخلني غرفة، فإذا في حيطانها أثر النيران، وإذا في أرضها أثر الرماد وإذا بأبي عريان واضعا رأسه بين ركبتيه فقال لي كالمستفهم: دلف؟ قلت: نعم أصلح الله الأمير ]. فأنشأ يقول:
أبلغن أهلنا ولا تخف عنهم ما لقينا في البرزخ الخفاق
قد سئلنا عن كل ما قد فعلنا فارحموا وحشتي وما قد ألاقي
أفهمت؟ قلت: نعم؟ فأنشأ يقول:
فلو إنا إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حي
ولكن إذا متنا بعثنا ونسأل بعده عن كل شيء