البداية والنهاية/الجزء الثامن/وأما رأس الحسين رضي الله عنه
فالمشهور عند أهل التاريخ وأهل السير أنه بعث به ابن زياد إلى يزيد بن معاوية، ومن الناس من أنكر ذلك.
وعندي: أن الأول أشهر فالله أعلم.
ثم اختلفوا بعد ذلك في المكان الذي دفن فيه الرأس، فروى محمد بن سعد: أن يزيد بعث برأس الحسين إلى عمرو بن سعيد نائب المدينة فدفنه عند أمه بالبقيع.
وذكر ابن أبي الدنيا من طريق عثمان بن عبد الرحمن، عن محمد بن عمر بن صالح - وهما ضعيفان -: أن الرأس لم يزل في خزانة يزيد بن معاوية حتى توفي، فأخذ من خزانته فكفن ودفن داخل باب الفراديس من مدينة دمشق.
قلت: ويعرف مكانه بمسجد الرأس اليوم داخل باب الفراديس الثاني.
وذكر ابن عساكر في تاريخه: في ترجمته ريّا حاضنة يزيد بن معاوية، أن يزيد حين وضع رأس الحسين بين يديه تمثل بشعر ابن الزبعري يعني قوله:
ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل
قال: ثم نصبه بدمشق ثلاثة أيام، ثم وضع في خزائن السلاح، حتى كان زمن سليمان بن عبد الملك جيء به إليه، وقد بقي عظما أبيض، فكفنه وطيبه، وصلى عليه ودفنه في مقبرة المسلمين، فلما جاءت المسودّة - يعني: بني العباس - نبشوه وأخذوه معهم.
وذكر ابن عساكر: أن هذه المرأة بقيت بعد دولة بني أمية، وقد جاوزت المائة سنة فالله أعلم.
وادّعت الطائفة المسمون بالفاطميين الذين ملكوا الديار المصرية قبل سنة أربعمائة إلى ما بعد سنة ستين وستمائة، أن رأس الحسين وصل إلى الديار المصرية ودفنوه بها، وبنوا عليه المشهد المشهور به بمصر، الذي يقال له: تاج الحسين بعد سنة خمسمائة.
وقد نص غير واحد من أئمة أهل العلم على أنه لا أصل لذلك، وإنما أرادوا أن يروجوا بذلك بطلان ما ادعوه من النسب الشريف، وهم في ذلك كذبة خونة.
وقد نص على ذلك القاضي الباقلاني وغير واحد من أئمة العلماء، في دولتهم في حدود سنة أربعمائة، كما سنبين ذلك كله إذا انتهينا إليه في مواضعه إن شاء الله تعالى.
قلت: والناس أكثرهم يروج عليهم مثل هذا، فإنهم جاؤوا برأس فوضعوه في مكان المسجد المذكور، وقالوا: هذا رأس الحسين.
فراج ذلك عليهم واعتقدوا ذلك والله أعلم.