البداية والنهاية/الجزء الثامن/حكيم بن حزام
ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي، أبو خالد المكي، أمه فاختة بنت زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى.
وعمته خديجة بنت خويلد زوجة رسول الله ﷺ، وأم أولاده سوى إبراهيم.
ولدته أمه في جوف الكعبة قبل الفيل بثلاث عشرة سنة، وذلك أنها دخلت تزور فضربها الطلق وهي في الكعبة فوضعته على نطع، وكان شديد المحبة لرسول الله ﷺ.
ولما كان بنو هاشم وبنو المطلب في الشعب لا يبايعوا ولا يناكحوا، كان حكيم يقبل بالعير يقدم من الشام فيشتريها بكمالها، ثم يذهب بها فيضرب أدبارها حتى يلج الشعب يحمل الطعام والكسوة تكرمة لرسول الله ﷺ، ولعمته خديجة بنت خويلد.
وهو الذي اشترى زيد بن حارثة فابتاعته منه عمته خديجة فوهبته لرسول الله فأعتقه، وكان اشترى حلة ذي يزن فأهداها لرسول الله ﷺ فلبسها، قال: فما رأيت شيئا أحسن منه فيها.
ومع هذا ما أسلم إلا يوم الفتح هو وأولاده كلهم.
قال البخاري وغيره: عاش في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة، وكان من سادات قريش وكرمائهم وأعلمهم بالنسب، وكان كثير الصدقة والبر والعتاقة، فلما أسلم سأل عن ذلك رسول الله فقال: «أسلمت على ما أسلمت من خير».
وقد كان حكيم شهد مع المشركين بدرا وتقدم إلى الحوض فكاد حمزة أن يقتله، فما سحب إلا سحبا بين يديه، فلهذا كان إذا اجتهد في اليمين يقول: لا والذي نجاني يوم بدر.
ولما ركب رسول الله إلى فتح مكة ومعه الجنود بمر الظهران، خرج حكيم وأبو سفيان يتجسسان الأخبار، فلقيهما العباس، فأخذ أبا سفيان فأجاره، وأخذ له أمانا من رسول الله ﷺ، وأسلم أبو سفيان ليلتئذ كرها.
ومن صبيحة ذلك اليوم أسلم حكيم وشهد مع رسول الله ﷺ حنينا، وأعطاه مائة من الإبل، ثم سأله فأعطاه، ثم سأله فأعطاه.
ثم قال: «يا حكيم إن هذه المال حلوة خضرة، وإنه من أخذه بسخاوة بورك له فيه، ومن أخذه بإسراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع».
فقال حكيم: والذي بعثك بالحق لا أرزأ بعدك أبدا.
فلم يرزأ أحدا بعده، وكان أبو بكر يعرض عليه العطاء فيأبى، وكان عمر يعرض عليه العطاء فيأبى، فيشهد عليه المسلمين، ومع هذا كان من أغنى الناس.
مات الزبير يوم مات ولحكيم عليه مائة ألف، وقد كان بيده حين أسلم الرفادة ودار الندوة فباعها بعد من معاوية بمائة ألف.
وفي رواية: بأربعين ألف دينار، فقال له ابن الزبير: بعت مكرمة قريش؟
فقال له حكيم: ابن أخي ذهبت المكارم فلا كرم إلا التقوى، يا بن أخي إني اشتريتها في الجاهلية بزق خمر، ولأشترين بها دارا في الجنة، أشهدك أني قد جعلتها في سبيل الله.
وهذه الدار كانت لقريش بمنزلة دار العدل، وكان لا يدخلها أحد إلا وقد صار سنه أربعين سنة، إلا حكيم بن حزام فإنه دخلها وهو ابن خمس عشرة سنة، ذكره الزبير بن بكار.
وذكر الزبير أن حكيما حج عاما فأهدى مائة بدنة مجللة، وألف شاة، وأوقف معه بعرفات وصيف في أعناقهم أطوقة الفضة، وقد نقش فيها: هؤلاء عتقاء الله عن حكيم بن حزام، فأعتقهم وأهدى جميع تلك الأنعام رضي الله عنه.
توفي حكيم في هذه السنة على الصحيح.
وقيل: غير ذلك وله مائة وعشرون سنة.