البداية والنهاية/الجزء الثامن/سنة سبع وأربعين
فيها: شتى المسلمون ببلاد الروم.
وفيها: عزل معاوية عبد الله بن عمرو بن العاص عن ديار مصر، وولى عليها معاوية بن خديج، وحج بالناس عتبة.
وقيل: أخوه عنبسة بن أبي سفيان، فالله أعلم.
وممن توفي فيها: قيس بن عاصم المنقري، كان من سادات الناس في الجاهلية والإسلام، وكان ممن حرَّم الخمر في الجاهلية والإسلام، وذلك أنه سكر يوما فعبث بذات محرم منه فهربت منه، فلما أصبح قيل له في ذلك، فقال في ذلك:
رأيت الخمر منقصةً وفيها * مقابح تفضح الرجل الكريما
فلا والله أشربها حياتي * ولا أشفى بها أبدا سقيما
وكان إسلامه مع وفد بني تميم، وفي بعض الأحاديث أن رسول الله قال: «هذا سيد أهل الوبر».
وكان جوادا ممدحا كريما، وهو الذي يقول فيه الشاعر:
وما كان قيسٌ هلكهُ هلكُ واحدٍ * ولكنهُ بنيانُ قومٍ تهدما
وقال الأصمعي: سمعت أبا عمرو بن العلاء، وأبا سفيان بن العلاء يقولان:
قيل للأحنف بن قيس: ممن تعلمت الحلم؟
قال: من قيس بن عاصم المنقري، لقد اختلفنا إليه في الحكم كما يختلف إلى الفقهاء، فبينا نحن عنده يوما وهو قاعد بفنائه، محتبٍ بكسائه، أتته جماعة فيهم مقتول ومكتوف، فقالوا: هذا ابنك قتله ابن أخيك.
قال: فوالله ما حل حبوته حتى فرغ من كلامه، ثم التفت إلى ابن له في المسجد، فقال: أطلق عن ابن عمك، ووار أخاك، واحمل إلى أمه مائة من الإبل فإنها غريبةً.
ويقال: إنه لما حضرته الوفاة جلس حوله بنوه - وكانوا اثنين وثلاثين ذكرا - فقال لهم: يا بنيّ، سوِّدوا عليكم أكبركم تخلفوا أباكم، ولا تسوِّدوا أصغركم فيزدري بكم أكفاؤكم، وعليكم بالمال واصطناعه فإنه نعم ما يهبه الكريم، ويستغني به عن اللئيم، وإياكم ومسألة الناس فإنها من أخس مكسبة الرجل، ولا تنوحوا علي فإن رسول الله لم ينح عليه، ولا تدفنوني حيث يشعر بكر بن وائل، فإني كنت أعاديهم في الجاهلية.
وفيه يقول الشاعر:
عليك سلام الله قيس بن عاصم * ورحمته ما شاء أن يترحما
تحية من أوليتهُ منك منة * إذا ذكرت مثلها تملأ الفما
فما كان قيس هلكهُ هلكُ واحد * ولكنه بنيان قوم تهدما