السيرة الحلبية/سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى جذام
محل يقال له حِسْمى بكسر الحاء المهملة وسكون السين على وزن فعلى. وهو موضع وراء وادي القرى، يقال إن الطوفان أقام بذلك المحل بعد نضوبه: أي ذهابه ثمانين سنة.
وسببها أن دحية الكلبي أقبل من عند قيصر ملك الروم، أي وكان وجهه إليه() كذا قيل، ولعله من تصرف بعض الرواة، أو أنه أرسله إليه بغير كتاب، وإلا فإرساله إليه بالكتاب كان بعد هذه السرية، لأنه كان بعد الحديبية.
ولما وصل إليه أجازه بمال وكساء فأقبل بذلك إلى أن وصل ذلك المحل، فلقيه الهنيد وابنه في ناس من جذام فقطعوا عليه الطريق وسلبوه ما معه، ولم يتركوا عليه إلا ثوبا خلقا، فسمع بذلك نفر من جذام من بني الضبيب: أي ممن أسلم منهم فنفروا إليهم، واستنقذوا لدحية ما أخذ منه، وقدم دحية على رسول الله ﷺ فأخبره بذلك، فبعث زيد بن حارثة في خمسمائة رجل وردّ معه دحية، وكان زيد يسير بالليل ويكمن بالنهار ومعه دليل من بني عذرة فأقبل حتى هجم على القوم: أي على الهنيد وابنه ومن كان معهم مع الصبح، فقتلوا الهنيد وابنه ومن كان معهم، وأخذوا من النعم ألف بعير، ومن الشاء خمسة آلاف، ومن السبي مائة من النساء والصبيان. قال: ولما سمع بنو الضبيب بما صنع زيد ركبوا وجاؤوا إلى زيد وقال له رجل منهم: إنا قوم مسلمون، فقال له زيد اقرأ أمّ الكتاب فقرأها، ثم قدم منهم جماعة رسول الله ﷺ وأخبروه الخبر وقال بعضهم: يا رسول الله لا تحرم علينا حلالا، ولا تحل لنا حراما، فقال: كيف أصنع بالقتلى؟ فقال: أطلق لنا من كان حيا ومن قتل فهو تحت قدمي هاتين، فقال رسول الله ﷺ: صدق، فقالوا: ابعث معنا رجلا لزيد ، فبعث معهم عليا كرم الله وجهه يأمر زيدا أن يخلي بينهم وبين حرمهم وأموالهم، أي فقال عليّ: يا رسول الله إن زيدا لا يطيعني، فقال: خذ سيفي هذا، فأخذه وتوجه، فلقي علي كرم الله وجهه رجلا أرسله زيد مبشرا على ناقة من إبل القوم، فردها علي كرم الله وجهه على
القوم، وأردفه خلفه، ولقي زيدا فأبلغه أمر رسول الله. قال: وعند ذلك قال له زيد، ما علامة ذلك؟ فقال: هذا سيفه فعرف زيد السيف وصاح بالناس فاجتمعوا، فقال: من كان معه شيء فليرده، فهذا سيف رسول الله، فرد الناس كافة كل ما أخذوه انتهى.
أقول: وهذا السياق يدل على أن جميع ما أخذه من النعم والشاء والسبي كان لمن أسلم من جذام من بني الضبيب، وإن بعض من قتل مع الهنيد وابنه كان مسلما، وفي ذلك من البعد ما لا يخفى، والله أعلم.