السيرة الحلبية/سرية خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل
وكان نصرانيا
بعث رسول الله ﷺ خالد بن الوليد في أربعمائة وعشرين فارسا في رجب سنة تسع إلى أكيدر بدومة الجندل وقال له: إنك ستجده يصيد البقر، فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين، وكانت ليلة مقمرة صافية وهو على سطح له ومعه امرأته، فجاءت البقر تحك بقرونها باب الحصن، فقالت له امرأته: هل رأيت مثل هذا قط؟ قال: لا والله، قالت: فمن يترك هذه؟ قال: لا أحد، فنزل فأمر بفرسه فأسرج، وركب معه نفر من أهله فيهم أخ له يقال له حسان، فتلقتهم خيل خالد فاستأسر أكيدر، وقاتل أخوة حتى قتل، وأجار خالد أكيدرا من القتل حتى يأتي به رسول الله ﷺ على أن يفتح له دومة الجندل، وكان على أكيدر قباء من ديباج مخوصة: أي فيها خوص منسوجة بالذهب مثل خوص النخل، فاستلبه خالد إياها، وأرسلها لرسول الله، فتعجبت الصحابة منها. فقال: «لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا» أي وقد تقدم. وصالح على أهل دومة الجندل بألفي بعير وثمانمائة رأس وأربعمائة درع وأربعمائة رمح.
ثم خرج خالد بأكيدر وأخيه مصاد قافلا إلى المدينة، فقدم بالأكيدر على رسول الله، فصالحه على الجزية، وحقن دمه ودم أخيه، وخلى سبيلهما، وكتب له كتابا فيه أمانهم وختمه يؤمئذ بظفره: أي ومن جملة الكتاب: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله لأكيدر حين أجاب إلى الإسلام، وخلع الأنداد والأصنام مع خالد بن الوليد سيف الله في دومة الجندل وأكنافها» إلى آخره، وهذا كما لا يخفى يدل على أن أكيدر أسلم، أي وهو الموافق لقول أبي نعيم وابن منده بإسلامه، وأنه معدود من الصحابة وأهدى إلى النبي ﷺ حلة، فوهبها لعمر بن الخطاب.
وذكر ابن الأثير: أي في أسد الغابة أن القول بإسلامه غلط فاحش، فإنه لم يسلم بلا خلاف بين أهل السير، أي وحينئذ يكون قوله في الكتاب حين أجاب إلى الإسلام أي انقاد إليه. ويبعده قوله: وخلع الأنداد والأصنام فليتأمل، وأنه لما صالحه عاد إلى حصنه وبقي فيه على نصرانيته.
ثم إن خالدا حاصره في زمن أبي بكر الصديق
فقتله لنقضه العهد.
قال ابن الأثير: وذكر البلاذري أن أكيدرا لما قدم على النبي ﷺ أسلم، ثم بعد موته ارتد، ثم قتله خالد: أي بعد أن عاد من العراق إلى الشام.
قال: وعلى هذا القول لا ينبغي أن يذكر في الصحابة، وإلا كان كل من أسلم في حياته، ثم ارتد، أي ومات مرتدا يذكر في الصحابة، أي ولا قائل بذلك.
ثم رأيت الذهبي قال في عمارة بن قيس بن الحارث الشيباني إنه ارتد، وقتل مرتدا في خلافة أبي بكر، وبهذا خرج عن أن يكون صحابيا بكل حال.