السيرة الحلبية/باب يذكر فيه صفته الباطنة وإن شاركه فيها غيره
كان سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب، ولا فحاش، ولا عياب ولا مزاح: أي كثير المزاح، فلا ينافي ما روي: كان يمازح أصحابه قال: وقد جاء «إني لأمزح ولا أقول إلا حقا» لكن جاء عن عائشة : كان رسول الله ﷺ مزاحا. وكان يقول: إن الله تعالى لا يؤاخذ المزّاح الصادق في مزاحه.
وجاء عن بعض الصحابة : ما رأيت أحدا أكثر مزاحا من رسول الله .
وعن ابن عباس : كانت في النبي ﷺ دعابة. وعن بعض السلف: كان للنبي مهابة، فكان يبسط الناس بالدعابة. قال لعمته صفية لا تدخل الجنة عجوز فبكت، فقال لها وهو يضحك: الله تعالى يقول: {إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا} وهن العجائز الرمص: أي والعروب المتحببة لزوجها التي تقول وتفعل ما تهيج به شهوته إياها، وأترابا: كأنهن ولدن في يوم واحد لأنهن يكن بنات ثلاث وثلاثين سنة.
وجاءه رجل وطلب أن يحمله على بعير فقال له: إني حاملك على ولد الناقة، فقال: يا رسول الله ما أصنع بولد الناقة؟ قال رسول الله ﷺ: وهل تلد الإبل إلا النوق؟
وقد أتى أزيهر، وفي لفظ زاهر وكان يهدي للنبي الهدية من البادية، فكان كلما قدم من البادية يأتي معه بطرف وهدية لرسول الله، فيجهزه رسول الله ﷺ إذا أراد أن يخرج.
وكان يقول: زاهر باديتنا ونحن حاضروه. وفي لفظ: لكل حاضر بادية، وبادية آل محمد زاهر، وكان يحبه. جاءه يوما وهو يبيع متاعه في السوق وكان رجلا دميما، فاحتضنه من خلفه، فقال أرسلني، من هذا؟ فلما عرف أنه رسول الله ﷺ صار يمكن ظهره من صدره الشريف ، وجعل رسول الله ﷺ يقول: من يشتري العبد؟ فقال: يا رسول الله تجدني كاسدا، فقال رسول الله ﷺ: ولكن عند الله لست بكاسد أو قال: أنت عند الله غال. ويجوز أن يكون جمع بين هذين اللفظين، وكل روى ما سمع منهما.
وعن عائشة قالت: «خرجت مع النبي ﷺ في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم، فقال للناس: تقدموا فتقدموا، ثم قال لي تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقته، فسكت حتى إذا حملت اللحم، وكنا في سفرة أخرى، قال للناس تقدموا فتقدموا ثم قال لي: تعالي حتى أسابقك فسابقته فسبقني، فجعل يضحك ويقول: هذه بتلك.
وعن أنس قال: دخل على أمي فوجد أخي أبا عمير حزينا، فقال: يا أم سليم، ما بال أبي عمير حزينا؟ فقالت: يا رسول الله مات نغيره: تعني طيرا كان يلعب به، فقال: أبا عمير ما فعل النغير: وكان كلما رآه قال له ذلك.
وعن عائشة قالت: أتيت النبي ﷺ بحريرة طبختها فقلت لسودة والنبي ﷺ بيني وبينها كلي فأبت، فقلت لها: كلي كلي، أو لألطخن وجهك فأبت، فوضعت يدي فيها فطليت وجهها، فضحك وأرخى فخذه لسودة، وقال: الطخي وجهها فلطخت وجهي، فضحك النبي ﷺ أي وقال يوما لعائشة: ما أكثر بياض عينك انتهى.
وكان يتغافل عما لا يشتهي، قد ترك نفسه من ثلاث: الرياء، والأكبار، وما لا يعنيه. وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا، ولا يعيره، ولا يطلب عورته، وكان يقابل السيئة بالحسنة، ولا يذم ذواقا ولا يمدحه. والذواق الشيء، يقال ما ذقت ذواقا: أي شيئا من طعام أو شراب.
وعن عبد الله بن أبي بكر عن رجل من العرب. قال: زحمت رسول الله ﷺ يوم حنين وفي رجلي نعل كثيفة، فوطئت بها على رجل رسول الله، فبعجني بعجة بسوط في يده، وقال: بسم الله أوجعتني، قال: فبت لنفسي لائما، أقول أوجعت رسول الله، فلما أصبحنا إذا رجل يقول أين فلان، فانطلقت وأنا متخوف، فقال لي رسول الله ﷺ: إنك وطئت بنعلك على رجلي بالأمس فأوجعتني فبعجتك بالسوط فهذه ثمانون نعجة فخذها بها، ولما نزل قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} قال له جبريل ﵇، أي بعد أن سأله في ذلك: إن ربك يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك.
وفي الحديث: «لا ينال عبد صريح الإيمان حتى يكون كذلك» وفي الحديث إن ذلك أفضل أهل الدنيا والآخرة.
وكان لا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، ويصبر للغريب على الجفوة في المنطق والمسألة، لا يقطع على أحد حديثه، ولا يتكلم في غير حاجة، يعظم النعمة وإن دقت، لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها. وإنما يغضب إذا تعرض للحق بشيء وعند غضبه لذلك لا يثنيه شيء عن الانتصار له، ويكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، ويتفقد أصحابه ويسأل عنهم، فإن كان غائبا دعا له، وإن كان شاهدا زاره، وإن كان مريضا عاده، ويسأل الناس عما الناس فيه، أفضل الناس عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة، أحسنهم مواساة، لا يجلس، ولا يقوم إلا عن ذكر، وإذا انتهى إلى القوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك ويعطي كل واحد من جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه أحدا أكرم عليه منه.
من جالسة أو نادمه لحاجة صابرة حتى يكون هو المنصرف عنه. من سأله حاجة لم يردّه إلاّ بها أو بميسور من القول.
عنده الناس في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء: لا ترفع فيه الأصوات، ولا يتنازعون عنده الحديث.
إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير: أي على غاية من السكون والوقار لأن الطير لا تكاد تقع إلا على ساكن، وإذا تكلم عنده أحد أنصتوا له حتى يفرغ من حديثه: أي لا يقطع بعضهم على بعض حديثه، يضحك مما يضحكون، ويعجب مما يعجبون.
فقد ذكر أن أبا بكر خرج تاجرا إلى بصرى ومعه نعيمان بن عمرو الأنصاري وسويط بن حرملة وكلاهما بدري. وكان سويط على زاد أبي بكر فجاءه نعيمان وقال له أطعمني، فقال: لا حتى يأتي أبو بكر وكان نعيمان رجلا مضحاكا مزاحا فيه دعابة وله أخبار ظريفة في دعابته، فقال لسويط: لأغيظنك، فذهب إلى ناس، وفي رواية: فمروا بقوم، فقال لهم نعيمان: تشترون من عبدا لي؟ قالوا نعم. قال: إنه عبد له كلام وهو قائل لكم لست بعبده، أنا رجل حر، فإن كان إذا قال لكم هذه تركتموه فلا تشتروه ولا تفسدوا عليّ عبدي، قالوا لا بل نشتريه، ولا ننظر في قوله، فاشتروه منه بعشرة قلائص، فأقبل بها يسوقها، وأقبل بالقوم حتى عقلها، ثم قال: دونكم هو هذا، فجاء القوم له وقالوا له: قد اشتريناك، فقال: هو كاذب أنا رجل حر، وفي رواية أنهم وضعوا عمامته في عنقه، فقال لهم: إنه يتهزأ ولست بعبده، فقالوا له قد أخبرنا بخبرك، فطرحوا الحبل في عنقه وذهبوا به، ولم يسمعوا كلامه، فجاء أبو بكر ، فأخبره خبره، فذهب هو وأصحابه وأتبعوا القوم، وأخبروهم أنه يمزح، وردوا عليهم القلائص، وردوا سليطا منهم، فلما قدموا على رسول الله ﷺ أخبروه الخبر، فضحك من ذلك رسول الله ﷺ حولا كاملا، لأن سفر أبي بكر كان قبل وفاته بعام.
ووقع لنعيمان هذا أنه مر بمخرمة بن نوفل وقد كف بصره وهو يقول ألا رجل يقودني حتى أبول، فأخذ بيده نعيمان، فلما بلغ مؤخر المسجد قال له: ههنا فبال فصاح الناس به، فقال: من قادني؟ قيل نعيمان، فقال عليّ أن أضربه بعصاي هذه، فبلغ نعيمان فأتاه، فقال له: هل لك في نعيمان؟ قال نعم، قال: فقم فقام معه، فأتى به عثمان بن عفان وهو إذ ذاك أمير المؤمنين وهو يصلي، فقال: دونك الرجل، فجمع يديه في العصا ثم ضربه، فقال الناس: أمير المؤمنين، فقال: من قادني؟ فقيل نعيمان، قال: لا أعود إلى نعيمان أبدا.
وجاء أعرابي إلى رسول الله ﷺ فدخل المسجد وأناخ راحلته بفنائه فقال بعض الصحابة لنعيمان: لو نحرتها فأكلناها؟ فإنا قد قرمنا إلى اللحم، ويغرم رسول الله ﷺ حقها، فنحرها نعيمان، فخرج الأعرابي فرأى راحلته، فصاح: واعقراه يا محمد، فخرج النبي، فقال: من فعل هذا؟ قالوا نعيمان، فأتبعه النبي ﷺ يسأل عنه، فوجده في دار ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب قد اختفى في خندق وجعل عليه الجريد، فأشار إليه رجل ورفع صوته: ما رأيته يا رسول الله وأشار بأصبعه حيث هو، فأخرجه رسول الله ﷺ وقد تعفر وجهه بالتراب، فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: الذين دلوك عليّ يا رسول الله هم الذين أمروني، فجعل رسول الله ﷺ يمسح عن وجهه التراب ويضحك، ثم غرم ثمنها.
وكان إذا دخل المدينة طرفة اشتراها في ذمته، ثم جاء بها إلى النبي ﷺ ويقول: يا رسول الله هذه هدية، فإذا جاء صاحبها يطلب ثمنها جاء به إلى النبي ﷺ وقال له: أعط هذا ثمن ما جئت به إليك، فيقول له رسول الله ﷺ: أو لم تهد ذلك لي؟ فيقول: يا رسول الله لم يكن عندي ثمنه، وأحببت أن يكون لك، فيضحك رسول الله ﷺ ويأمر لصاحبه بثمنه.
وكان دائم البشر ضحوك السن: أي أكثر أحواله ذلك حسبما رآه هذا المخبر، فلا ينافي أنه كان متواصل الأحزان، دائم الفكرة ليست له راحة، فإنه بحسب ما كان عند ذلك المخبر.
وفي كلام ابن القيم : قد صانه الله عن الحزن في الدنيا وأسبابها، ونهاه عن الحزن على الكفار، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فمن أين يأتيه الحزن، بل كان دائم البشر ضحوك السن، كذا قال.
وفي كلام الإمام أبي العباس بن تيمية : ليس المراد الحزن الذي هو الألم على فوات مطلوب أو حصول مكروه، فإن ذلك منهي عنه، وإنما المراد به الاهتمام واليقظة لما يستقبله من الأمور، وهذا مشترك بين القلب والعين.
وسئلت عائشة عن خلقه فقالت: خلقه القرآن: أي ما ذكره القرآن: {وإنك لعلى خلق عظيم} وإنه تأدب بآدابه وتخلق بمحاسنه.
وقد قال: «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال».
قال: وذكر في عوارف المعارف أن في قول عائشة خلقه القرآن سرا غامضا، حيث عدلت إلى ذلك عن قولها كان متخلقا بأخلاق الله سترا للحال بلطف المقال استحياء من سبحات ذي الجلال ا هـ، أي فكان متضفا بما فيه من الاجتهاد في طاعة الله والخضوع له، والانقياد لأمره والشدة على أعدائه، والتواضع لأوليائه، ومواساة عباده وإرادة الخير لهم، والحرص على كمالهم، والاحتمال لأذاهم، والقيام بمصالحهم وإرشادهم إلى ما يجمع لهم خيري الدنيا والآخرة مع التعفف عن أموالهم إلى غير ذلك من الأخلاق الفاضلة والصفات الكاملة التي اتصف بها وشرف وكرم.
وكان أشد الناس خشية وخوفا من الله، أي ومن ثم كان يقول: «أنا أتقاكم، وأخوفكم منه».
وعن عائشة قالت: «أتاني رسول الله ﷺ ليلة فدخل معي في لحافي، ثم قال: ذريني أتعبد لربي، فقام فتوضأ ثم قام فصلى فبكى حتى سال دمعه على صدره، ثم ركع فبكى، ثم سجد فبكى ثم رفع رأسه فبكى، فلم يزل كذلك حتى جاءه بلال فآذنه بالصلاة، فقلت: يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا، ولم لا أفعل وقد أنزل الله تعالى عليّ في هذه الليلة: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} إلى قوله: {سبحانك فقنا عذاب النار}.
وكان يقول: «أواه من عذاب الله قبل أن لا ينفع أواه» أي وعن أبي موسى الأشعري عن النبي ﷺ أنه قال: «أول من صنعت له النورة ودخل الحمام سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام، فلما دخله وجد حره وغمه قال: أواه من عذاب الله، أواه أواه قبل أن لا يكون أواه».
أي وفي (سفر السعادة): لم يدخل الحمام أبدا، والحمام الموجودة الآن بمكة شرفها الله تعالى المشهورة بحمام النبي ﷺ لعلها بنيت في موضع اغتسل فيه مرة، هذا كلامه.
وأرسل وصيفة فأبطأت عليه، فقال لها: لولا خوف القصاص لأوجعتك بهذا السواك. وما ضرب بيده الشريفة امرأة ولا خادما من أهله.
قال: وعن خادمه أنس : ما أمرني رسول الله ﷺ بأمر فتوانيت عنه، أو ما صنعته فلامني، ولا لامني أحد من أهله إلا قال دعوه. وفي لفظ: خدمته في السفر والحضر عشر سنين والله ما قال لي في شيء صنعته لم صنعت هذا هكذا ولا لشيء لم أصنعه لم لم تصنع هذا هكذا؟ وهذا يدل على أنه خدمه أنس له عند قدومه المدينة، وتقدم أن في بعض الروايات ما يدل على أن ابتداء خدمة أنس له في فتح خيبر، وتقدم ما فيه.
ووصف في الكتب القديمة بأن حلمه يسبق غضبه، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما.
وقد تقدمت قصته مع اليهودي الذي طلب منه وفاء ما اقترض منه قبل حلول الأجل ونظيرها.
وعن عائشة أنه لم يكن فحاشا. استأذن على النبي ﷺ رجل، فلما رآه قال: بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة، فلما جلس تطلق النبي في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل قالت له عائشة : يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه. فقال: يا عائشة متى عهدتني فحاشا؟ إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره.
قال ابن بطال : إن هذا الرجل هو عيينة بن حصن، لأنه كان يقال له الأحمق المطاع، وهو إنما تطلق في وجهه تألفا له ليسلم قومه، لأنه كان المطاع فيهم. وأما ذمه له فلأنه يعلم ما يقع منه بعد، فإنه ارتد في زمن الصديق وحارب ثم رجع وأسلم.
أي وقد قيل إن سبب نزول قوله تعالى: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا} الآية أن عيينة هذا قال للنبي، وقد قال له أسلم قال: على أن تبني لي مقصورة في مسجدك هذا أكون أنا وقومي فيها وتكون أنت معي.
ومن تأمل سيرته مع أهله وأصحابه وغيرهم من الفقراء والأيتام والأرامل والضعفاء والمساكين علم أنه بلغ الغاية في التواضع ورقة القلب ولين الجانب.
وعن أنس : أرسلني رسول الله ﷺ في حاجة يوما. فقلت: والله لا أذهب وفي نفسي أني أذهب، فخرجت على صبيان يلعبون في السوق، وإذا رسول الله ﷺ قد قبض ثيابي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك فقال: يا أنيس اذهب حيث أمرتك. فقلت نعم أنا أذهب يا رسول الله ا هـ.
وكان أحسن الناس خلقا، وأرجح الناس حلما، وأعظم الناس عفوا، وأسخى الناس كفا.
وكان أجود بالخير من الريح المرسلة، وقال يوما لأصحابه وقد اضطروه إلى شجرة فخطفت رداؤه الشريف فوقف، ثم قال: أعطوني ردائي، لو كان لي عدد هذه العضاه نعما لقسمته بينكم.
وفي رواية: «لو أن لي مثل جبال تهامة ذهبا لقسمته بينكم ثم لا تجدوني كذوبا، ولا بخيلا، ولا جبانا» كما تقدم.
وكان أشجع الناس قلبا، وأشد الناس بأسا وأشد الناس حياء. وكان أشد حياء من البنت البكر في خدرها أي بيتها وسترها، وكان إذا فرح، غض طرفه، وإذا أخذه العطاس وضع يده أو ثوبه على فيه وخفض صوته، وربما غطى وجهه بيده أو ثوبه.
وكان يحب الفأل الحسن، ويغير الاسم القبيح بالحسن كما تقدم، وربما غير الحسن بالقبيح كما تقدم. وكان يقول لأصحابه: إذا أرسلتم لي رسولا فليكن حسن الاسم، حسن الوجه.
من ذلك أن شخصا كان سادنا: أي خادما الصنم، وكان يسمى غاوي بن ظالم. فبينما هو عند صنمه إذ أقبل ثعلبان إلى الصنم ورفع كل واحد منهما رجله وبال على رأس ذلك الصنم، فلما رأى ذلك كسر ذلك الصنم وأنشد:
أربُّ يبول الثعلبان برأسه ** لقد ذل من بالت عليه الثعالب
وأتى رسول الله، فقال له كيف اسمك؟ فقال: غاوي بن ظالم. فقال له: بل أنت راشد بن عبد ربه.
ومن هذا السياق يعلم أن الثعلبان بفتح الثاء المثلثة مثنى ثعلب لا بضمها ذكر الثعالب كما قيل.
ومن تغيير الاسم القبيح بالحسن ما وقع له في غزوة ذي قرد أنه مر على ماء فسأل عنه، فقيل له: هذا اسمه بئسان وهو مالح. فقال: لا، بل اسمه نعمان وهو طيب، فانقلب عذبا. واشتراه طلحة بن عبيد الله ثم تصدق به، فلما جاء إليه وأخبره بذلك قال له رسول الله ﷺ: ما أنت يا طلحة إلا فياض فسمي طلحة الفياض.
وكان يشاور أصحابه في الأمر. قالت عائشة : ما رأيت رجلا أكثر مشاورة للرجال من رسول الله .
وكان إذا حلف قال: لا ومقلب القلوب، وربما قال في يمينه وأستغفر الله، وإذا اجتهد في اليمين قال: لا، والذي نفس أبي القاسم بيده، وربما قال: والذي نفس محمد بيده، وربما قال في يمينه: لا، وأستغفر الله والذي نفسي بيده.
وكان أكثر الناس إغضاء عن العورات. وكان إذا كره شيئا عرف في وجهه، ولم يشافه أحدا بمكروه حتى إذا بلغه عن أحد ما يكرهه لم يقل ما بال فلان يقول أو يفعل كذا. بل يقول: ما بال أقوام يقولون أو يفعلون كذا.
لا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح، أوسع الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشيرة. ما دعاه أحد من أصحابه أو أهل بيته إلا قال لبيك، يخالط أصحابه، ويحادثهم، ويداعب، أي يمازح صبيانهم، ويجلسهم في حجره الشريف.
أي فقد كان يصفّ أولاد عمه العباس عبد الله وعبيد الله وغيرهما ويقول: من سبق إليّ فله كذا، فيستبقون إليه فيقعدون على صدره الشريف فيقبلهم ويلتزمهم. ويجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين، ويعود المرضى في أقصى المدينة، ويشهد الجنائز، ويقبل عذر المعتذر. ما وضع أحد فمه في أذنه إلا استمر صاغيا له حتى يفرغ من حديثه ويذهب، وما أخذ أحد بيده فيرسل يده منه حتى يكون الآخذ هو الذي يرسلها.
وكان يبدأ من لقيه بالسلام، ويبدأ أصحابه بالمصافحة، ولم ير قط مادا رجليه بين أصحابه. يكرم من يدخل عليه، وربما بسط له رداءه وآثره بالوسادة التي تحته، ويعزم عليه بالجلوس عليها إن أبى، ويدعو أصحابه بأحب أسمائهم ويكنيهم، ولا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف صلاته، وسأله عن حاجته، فإذا فرغ عاد إلى صلاته، وطعن في الحديث الذي ورد بذلك، وإذا سمع بكاء الصغير وهو يصلي تجوّز فيها: أي خففها.
أكثر الناس شفقة على خلق الله تعالى وأرأفهم بهم وأرحمهم بهم، قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} ومن ثم رغب إلى الله تعالى أن يجعل سبه ولعنه لأحد من المسلمين رحمة له: أي إذا كان لا يستحق ذلك السب في باطن الأمر ويستحقه في ظاهر الأمر. أي وقال: «من لا يرحم لا يرحم» أوصل الناس للرحم، وأقومهم بالوفاء وحسن العهد.
وكان يقول: «إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد».
وكان يركب الحمار: أي وربما ركبه عريانا ويردف خلفه. فعن أنس : رأيته يوما على حمار خطامه ليف، أي وقد جاء أن ركوب الحمار براءة من الكبر، وكان يجلس على الأرض، وكان يشرب قائما وقاعدا وينتعل قائما وقاعدا، ويصلي منتعلا وحافيا.
وفي لفظ: كان أكثر صلاته في نعليه وكان يحب التيامن في شأنه كله في طهوره وترجله وتنعله، وكان يحب السواك حتى لقد أحفى لثته. وكان يكتحل بالإثمد عند النوم ثلاثا في كل عين. وفي لفظ: ثلاثا في اليمنى ومرتين في اليسرى. وقال: «عليكم بالإثمد، فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر، وإنه من خير أكحالكم» وكان يعود المساكين ويجلس بين أصحابه.
«وحج على رحل رث عليه قطيفة ما تساوي أربعة دراهم، وقال: اللهم اجعله حجا مبرورا لا رياء فيه ولا سمعة» كما تقدم، وأهدى في حجة ذلك مائة بدنة كما تقدم.
وكان يفلي ثوبه، أي وإن كان من خصائصه أن القُمَّل لا يؤذيه، ويحلب شاته، ويخصف نعله، ويرقع ثوبه ويخدم نفسه، ويعلف ناضحه وهو الجمل الذي يسقي عليه الماء، ويقمّ البيت.
قال وعن عائشة : كان رسول الله ﷺ يعمل عمل البيت، وأكثر ما يعمل الخياطة، ما يرى فارغا قط في بيته، إما يخصف نعلا لرجل مسكين، أو يخيط ثوبا لأرملة انتهى، ويأكل مع الخادم، ويحمل بضاعته من السوق، ويحب الطيب، ويأمر به.
وكان يتطيب بالمسك والغالية، ويتبخر بالعود والعنبر والكافور، ويأمر أصحابه بالمشي أمامه. ويقول: «خلوا ظهري للملائكة» زاهدا في الدنيا. ما ترك درهما ولا دينارا.
توفي ودرعه مرهونة، وتقدم أنها ذات الفضول عند يهودي وتقدم أنه أبو الشحم على نفقة عياله، وتقدم أن ذلك كان ثلاثين صاعا من شعير، وكان الأجل سنة.
وكان يقول: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا». ما شبع ثلاثة أيام تباعا من خبز البر حتى فارق الدنيا. وعن النعمان بن بشير قال: لقد رأيت نبيكم وما يجد من الدقل ما يملأ بطنه.
وفي رواية: ما شبع يومين من خبز الشعير. أي ومعلوم أن ذلك إنما هو لتتأسى به أمته في الإعراض عن الدنيا. قالت عائشة : قال لي رسول الله: «إني عرض عليّ أن يجعل لي بطحاء مكة ذهبا، فقلت: لا يا رب، أجوع يوما، وأشبع يوما، فأما اليوم الذي أجوع فيه فأضرع إليك وأدعوك، وأما اليوم الذي أشبع فيه فأحمدك وأثني عليك».
قال: «مالي وللدنيا، إنما أنا في الدنيا كرجل سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة حتى مال الفيء فتركها ولم يرجع إليها».
وقال: «ما أبالي بما رددت به عني الجوع» ولم ينخل له دقيق الشعير. قال: وعن عائشة أنها قالت: والذي بعث محمدا بالحق ما رأى منخلا، ولا أكل خبزا منخولا منذ بعثه الله تعالى إلى أن قبض. فقيل لها: كيف كنتم تصنعون بالشعير؟ قالت: كنا نقول أف أف انتهى، أي فيطير ما طار، وما بقي عجناه: ولا خبز له مرقق. ولا أكل النقي من الخبز.
وعن أنس قال: جاءت فاطمة بكسرة خبز إلى النبي، فقال: «ما هذه الكسرة يا فاطمة؟ قالت: قرص خبزته فلم تطب نفسي حتى أتيتك بهذه الكسرة، فقال: أما إنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام» أي فإنه كان يبيت الليالي المتابعة طاويا. ولا أكل على خوان قط، إنما كان يأكل على السفرة، وربما وضع طعامه على الأرض. أي وخطب يوما فقال: والله ما أمسى في بيت محمد صاع من طعام وإنها لتسعة أبيات. قال الحسن: والله ما قالها استقلالا لرزق الله، ولكن أراد أن تتأسى به أمته.
وعن أبي هريرة : كان يمر هلال ثم هلال لا يوقد في بيت من بيوت رسول الله ﷺ نار لا لخبز ولا لطبخ، فقيل له: بأي شيء كانوا يعيشون يا أبا هريرة؟ فقال: بالأسودين الماء والتمر.
وعن ابن عباس قال: والله لقد كان يأتي على آل محمد الليالي ما يجدون فيها عشاء.
وعن عائشة : أهدى لنا أبو بكر شاة قالت إني لأقطعها مع رسول الله ﷺ في ظلمة البيت، فقال لها قائل: أما كان لكم سراج؟ فقالت: لو كان لنا ما نسرج به أكلناه.
وكان لا يجمع في بطنه بين طعامين، إن أكل لحما لم يزد عليه، وإن أكل تمرا لم يزيد عليه، وإن أكل خبزا لم يزد عليه، ولم يكن له إلا ثوب واحد من قطن، قصير الكمين، كمه إلى الرسغ، وطوقه مطلق من غير أزرار. أي وفي لفظ: كان قميص رسول الله ﷺ قطنا، قصير الطول، قصير الكمين، كمه إلى الرسغ.
وكان له جبة ضيقة الكمين، وكان له رداء طوله أربعة أذرع وعرضه ذراعان وشبر من نسج عمان.
وكان له بردة يمانية طولها ستة أذرع في عرض ثلاثة أذرع وشبر، كان يلبسهما في يوم الجمعة والعيدين ثم يطويان.
وكان له رداء أخضر طوله أربعة أذرع وعرضه ذراعان وشبر تداولته الخلفاء.
وكان له عمامة تسمى السحاب، كساها علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، فكان ربما طلع عليه علي كرم الله وجهه فيقول: أتاكم عليّ في السحاب، يعني عمامته التي وهبها له .
وكان إذا اعتم يرخي عمامته بين كتفيه، وكان يلبس القلنسوة اللاطئة: أي اللاصقة بالرأس، وذات الآذان كان يلبسها في الحروب، والقلانس الطول إنما حدثت في أيام الخليفة المنصور.
وكان يقول: «فرق بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس» أي فإنه كان يلبس القلانس تحت العمائم، ويلبس القلانس بغير عمائم ويلبس العمائم بغير قلانس.
وكان له عمامة سوداء دخل يوم فتح مكة لابسها. وعن جابر بن عبد الله قال: «كان للنبي عمامة سوداء يلبسها في العيدين ويرخيها خلفه».
وجاء أن جبريل ﵇ كانت عمامته يوم غرق فرعون سوداء. ومقدار عمامته الشريفة لم يثبت في حديث. قال بعض الحفاظ أنها كانت نحو العشرة أذرع أو فوقها بيسير، وكانت له خرقة إذا توضأ تمسح بها، هذا.
وفي (سفر السعادة): لم يكن ينشف أعضاءه بعد الوضوء بمنديل ولا منشفة، وإن أحضروا له شيئا من ذلك أبعده. والحديث المروي عن عائشة : كانت له نشافة يتنشف بها بعد الوضوء. وحديث معاذ في معناه كلاهما ضعيف وقال: تنشيف الأعضاء من الوضوء لم يصح فيه حديث.
وكانت له ملحفة مورسة إذا أراد أن يدور على نسائه رشها بالماء أي لتظهر رائحتها. وكان يصبغ قميصه ورداءه وعمامته بالزعفران. أي وفي لفظ: كان يصبغ ثيابه كلها بالزعفران حتى العمامة.
وعن أبي هريرة قال: خرج علينا رسول الله ﷺ وعليه قميص أصفر ورداء أصفر وعمامة صفراء.
وعن ابن أبي أوفي : كان أحب الصبغ إلى رسول الله ﷺ الصفرة. وقال الحافظ الدمياطي : ويعارض هذه الأحاديث ما روي في الصحيح أن رسول الله ﷺ نهى عن المزعفر، وفي لفظ: نهى عن أن يتزعفر الرجل.
أي وقد يقال: على تقدير صحة تلك الأحاديث فهي منسوخة، أو كان ذلك من خصوصياته . وقد صح أنه اشترى السراويل. واختلف هل لبسها؟ فقيل نعم، ففي الأوسط للطبراني ومسند أبي يعلى عن أبي هريرة قال: دخلت يوما السوق مع رسول الله ﷺ فجلس إلى بزازين، فاشترى سُراويل بأربعة دراهم، وكان لأهل السوق وزّان، فقال له رسول الله ﷺ أوزن وأرجح. وأخذ رسول الله ﷺ السراويل فذهبت لأحمله عنه، فقال: «صاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله إلا أن يكون ضعيفا يعجز عنه فيعينه أخوه المسلم. قلت يا رسول الله إنك لتلبس السراويل. قال: أجل في السفر والحضر، وبالليل وبالنهار، فإني أمرت بالستر، فلم أجد شيئا أستر منه» ومخرجه هو وشيخه ضعيفان.
وكان يقول: «اللهم توفني فقيرا ولا توفني غنيا، واحشرني في زمرة المساكين، وفي لفظ آخر «اللهم أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين، فإن أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة، أتتني الدنيا خضرة حلوة، ورفعت إليّ رأسها وتزينت لي، فقلت: إني لا أريدك، لا حاجة لي فيك. ولو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقي الكافر منها شربة ماء» انتهى.
وعن ابن عباس : كان النبي ﷺ يبيت هو وأهله الليالي المتتابعة طاويا لا يجدون عشاء.
قال: وكان يقول: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، الفاقة أحب إليّ من اليسار» وعن عائشة قالت: «كنت أرثي له من الجوع، وأقول نفسي لك الفداء، لو تبلغت من الدنيا بقدر ما يقويك ويمنع عنك الجوع، فيقول: يا عائشة إن إخواني من أولي العزم من الرسل قد صبروا على ما هو أشد من هذا، فمضوا على حالهم، فتقدموا على ربهم، فأكرمهم وأجزل ثوابهم أخشى إن ترفعت في معيشتي أن يقصر بي دونهم، فأصبر أياما يسيرة أحب إليّ من أن ينقص حظي غدا في الأخرى، وما من شيء أحب إليّ من اللحوق بإخواني».
قال: وقال: «يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولالآل محمد. يا عائشة إن الله لم يرض من أولي العزم من الرسل إلا بالصبر، وقال: {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل} والله أصبرن جهدي ولا قوة إلا بالله» انتهى.
وكان يقول: «لا تطروني كما أطرت النصاري عيسى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله» وكان على غاية من الإعراض عن الدنيا، وكان يصلي على الحصير وعلى الفروة المدبوغة، وربما نام على الحصير فأثرت في جسده الشريف.
وكان ينام على شيء أدم محشو ليفا، فقيل له في ذلك؟ فقال: «ما لي وللدنيا؟ ».
وعن عائشة : «دخلت امرأة من الأنصار فرأت ذلك الأدم». وفي لفظ رأت فراش رسول الله ﷺ عباءة مثنية فانطلقت فبعثت إليه بفراش حشوة صوف، فدخل عليّ رسول الله ﷺ فقال: ما هذا؟ فقلت: يا رسول الله فلانة الأنصارية دخلت عليّ فرأت فراشك فذهبت فبعثت هذا، فقال: رديه، فلم أرده وأعجبني أن يكون في بيتي حتى قال ذلك ثلاث مرات، فقال: والله يا عائشة لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة».
وعنها أنها كانت تفرش تلك العباءة مثنية طاقين، ففي بعض الليالي ربعتها، فنام عليها ثم قال: «يا عائشة ما لفراشي الليلة ليس كما يكون؟ قلت: يا رسول الله ربعتها، قال: فأعيديه كما كان».
وكان إذا استجدّ ثوبا قال: «اللهم لك الحمد، أنت كسوتنيه، أسألك من خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له». وكان يقول لأصحابه كلهم : «إذا لبس أحدكم ثوبا فليقل الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي، وأتجمل به في حياتي» قال: وكان أرجح الناس عقلا: والعقل مائة جزء: تسعة وتسعون في النبي، وجزء في سائر الناس.
وعن وهب بن منبه: قرأت في أحد وسبعين كتابا أنه أرجح الناس وأفضلهم رأيا. وفي رواية: وجدت في جميعها أن الله تعالى لم يعط جميع الناس من بدء الدنيا إلى انتهائها من العقل في جنب عقله إلا كحبة بين رمال الدنيا. ومما يتفرع على العقل اقتناء الفضائل، واجتناب الرذائل، وإصابة الرأي، وجودة الفطنة وحسن السياسة والتدبير، وقد بلغ من ذلك الغاية التي لم يبلغها بشر سواه.
ومما يكاد يقضي منه العجب حسن تدبيره للعرب الذين هم كالوحوش الشاردة، كيف ساسهم، واحتمل جفاهم، صبر على أذاهم إلى أن انقادوا إليه، واجتمعوا عليه، واختاروه على أنفسهم، وقاتلوا دونه أهلهم وآباءهم وأبناءهم وهاجروا في رضاه أوطانهم انتهى، والله أعلم.