السيرة الحلبية/سرية أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه إلى أبنى
بضم الهمزة ثم موحدة، ثم نون مفتوحة مقصورة: اسم موضع بين عسقلان والرملة.
وفي كلام السهيلي : وهي قرية عند مؤنة التي قتل عندها زيد بن حارثة، .
لما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة أمر بالتهيؤ لغزو الروم، فلما كان من الغد دعا أسامة ابن زيد فقال: سر إلى موضع قتل أبيك فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، فاغز صباحا على أهل أبنى، وحرق عليهم، وأسرع السير لتسبق الأخبار، فإن ظفرك الله عليهم فأقل اللبث فيهم، وخذ معك الأدلاء وقدم العيون والطلائع معك.
فلما كان يوم الأربعاء بدأ به وجعه فحم وصدع، فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواء بيده، ثم قال: اغز باسم الله وفي سبيل الله، وقاتل من كفر بالله، فخرج بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة، وعسكر بالجرف، فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا اشتد لذلك، منهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص ، فتكلم قوم وقالوا: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين والأنصار، أي لأن سن أسامة كان ثمان عشرة، وقيل تسع عشرة سنة، وقيل سبع عشرة سنة.
ويؤيد ذلك أن الخليفة المهدي لما دخل البصرة رأى إياس بن معاوية الذي ضرب به المثل في الذكاء وهو صبي وخلفه أربعمائة من العلماء وأصحاب الطيالسة. فقال المهدي: أف لهذه العثانين، أما كان فيهم شيخ يتقدمهم غير هذا الحدث، ثم التفت إليه المهدي وقال: كم سنك يا فتى؟ فقال: سني ـ أطال الله بقاء أمير المؤمنين ـ سن أسامة بن زيد بن حارثة لما ولاه رسول الله ﷺ جيشا فيه أبو بكر وعمر . فقال: تقدم، بارك الله فيك، وكان سنة سبع عشرة سنة.
ومما يؤثر عنه: من لم يعرف عيبه فهو أحمق، فقيل له ما عيبك يا أبا واثلة؟ قال: كثرة الكلام، وقيل كان عمر أسامة عشرين سنة.
ولما بلغ رسول الله مقالتهم وطعنهم في ولايته مع حداثة سنه غضب غضبا شديدا، وخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة، وصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد أيها الناس، فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله وايم الله إن كان لخليقا بالإمارة، وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليّ، وإنهما مظنة لكل خير، فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم، وتقدم أنه كان يقال له الحب ابن الحب. وكان رسول الله ﷺ يمسح خشمه وهو صغير بثوبه.
ثم نزل فدخل بيته وذلك في يوم السبت لعشر خلون من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله ﷺ ويخرجون إلى العسكر بالجرف، وثقل رسول الله، فجعل يقول: أرسلوا بعث أسامة، أي واستثنى أبا بكر وأمره بالصلاة بالناس.
أي فلا منافاة بين القول بأن أبا بكر كان من جملة الجيش وبين القول بأنه تخلف عنه، لأنه كان من جملة الجيش أوّلا، وتخلف لما أمره بالصلاة بالناس.
وبهذا يرد قول الرافضة طعنا في أبي بكر أنه تخلف عن جيش أسامة ، لما علمت أن تخلفه عنه كان بأمر منه لأجل صلاته بالناس، وقول هذا الرافضي مع أنه لعن المتخلف عن جيش أسامة مردود، لأنه لم يرد اللعن في حديث أصلا.
فلما كان يوم الأحد اشتد على رسول الله ﷺ وجعه، فدخل أسامة من عسكره والنبي ﷺ مغمور، فطأطأ رأسه فقبله وهو لا يتكلم، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعهما على أسامة . قال أسامة: فعرفت أنه يدعو لي، ورجع أسامة إلى عسكره، ثم دخل عليه يوم الاثنين. فقال له: اغد على بركة الله تعالى، فودعه أسامة وخرج إلى معسكره وأمر الناس بالرحيل، فبينما هو يريد الركوب إذا رسول الله أمه أم أيمن قد جاءه يقول: إن رسول الله ﷺ يموت.
وفي لفظ: فسار حتى بلغ الجرف فأرسلت إليه امرأته فاطمة بنت قيس تقول له: لا تعجل، فإن رسول الله ﷺ ثقيل، فأقبل وأقبل معه عمر وأبو عبيدة بن الجراح ، فانتهوا إلى رسول الله ﷺ وهو يموت، فتوفي رسول الله ﷺ حين زاغت الشمس.
أي وفي لفظ أنه لما نزل بذي خشب قبض النبي، فدخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة، ودخل بريدة بلواء أسامة حتى أتى به إلى رسول الله ﷺ فغرزه عنده.
فلما بويع لأبي بكر بالخلافة أمر بريدة أن يذهب باللواء إلى بيت أسامة وأن يمضي أسامة لما أمر به.
فلما مات ارتدت العرب، أي فإنه لما اشتهرت وفاة النبي، ظهر النفاق، وقويت نفوس أهل النصرانية واليهودية، وصارت المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية، وارتدت طوائف من العرب وقالوا نصلي ولا ندفع الزكاة وعند ذلك كلم أبو بكر في منع أسامة من السفر: أي قالوا له كيف يتوجه هذا الجيش إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة؟ فأبى أي وقال: والله الذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله ﷺ ما أرد جيشا وجهه رسول الله، ولا حللت لواء عقده. وفي لفظ: والله لأن تخطفني الطير أحب إلي من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله.
أقول: ذكر بعضهم أن أسامة وقف بالناس عند الخندق وقال لسيدنا عمر: ارجع إلى خليفة رسول الله ﷺ فاستأذنه أن يأذن لي أن أرجع بالناس، فإن معي وجوه الناس ولا آمن على خليفة رسول الله ﷺ وثقله وأثقال المسلمين أن يتخطفهم المشركون، وقالت له الأنصار : فإن أبى أبو بكر إلا أن يمضي: أي الجيش فأبلغه منا السلام، واطلب إليه أن يولي أمرنا رجلا أقدم سنا من أسامة، فقدم عمر على أبي بكر وأخبره بما قال أسامة، فقال أبو بكر: والله لو تخطفني الذئاب والكلاب لم أرد قضاء قضى به رسول الله. قال عمر : فإن الأنصار أمروني أن أبلغك أنهم يطلبون أن تولي أمرهم رجلا أقدم سنا من أسامة، فوثب أبو بكر وكان جالسا وأخذ بلحية عمر وقال: ثكلتك أمك وعدمتك يا بن الخطاب، استعمله رسول الله ﷺ وتأمرني أن أنزعه، فخرج عمر إلى الناس فقال: امضوا ثكلتكم أمهاتكم، ما لقيت اليوم بسببكم من خليفة رسول الله ﷺ خيرا، هذا كلامه.
وفيه أن هذا مخالف لما تقدم من صعوده المنبر وإنكاره على من طعن في ولاية أسامة، إذ يبعد عدم بلوغ ذلك للأنصار ، إلا أن يقال: لعل من قال لسيدنا عمر هذه المقالة جمع من الأنصار لم يكونوا سمعوا ذلك ولا بلغهم، أو جوزوا أن الصديق يوافق على ذلك حيث رأى فيه المصلحة، وسيدنا عمر جوّز ذلك حيث لم يتكفل بالرد عليهم بأنه أنكر على من طعن في ولاية أسامة ، فليتأمل، والله أعلم.
وكلم أبو بكر أسامة في عمر أن يأذن له في التخلف ففعل، ولعل ذلك كان تطبيبا لخاطر أسامة، ومن ثم كان عمر لا يلقى أسامة إلا قال السلام عليك أيها الأمير كما يأتي، فلما كان هلال شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة خرج أسامة : أي في ثلاثة آلاف فيهم ألف فرس، وودعه سيدنا أبو بكر بعد أن سار إلى جنبه ساعة ماشيا، وأسامة راكب، وعبد الرحمن بن عوف يقود براحلة الصديق، فقال أسامة: يا خليفة رسول الله إما أن تركب وإما أن أنزل، فقال: والله لستَ بنازل، ولستُ براكب ثم قال له الصديق، : أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك.
وقد وقع نظير ذلك لرسول الله ﷺ لما بعث معاذا إلى اليمن شيعه وهو يمشي تحت راحلة معاذ وهو يوصيه.
ثم إن أسامة سار إلى أهل أُبنَى، فشنّ عليهم الغارة: أي فرق الناس عليهم، وكان شعارهم «يا منصور أمِت» فقتل من قتل وأسر من أسر، وحرق منازلهم وحرق أرضها فأزال نخلها، وأجال الخيل في عرصاتها، ولم يقتل من المسلمين أحد. وكان أسامة على فرس أبيه وقتل قاتل أبيه ، وأسهم للفرس سهمين وللفارس سهما، وأخذ لنفسه مثل ذلك، فلما أمسى أمر الناس بالرحيل، وأسرع السير، وبعث مبشرا إلى المدينة بسلامتهم.
وخرج أبو بكر في المهاجرين والأنصار ممن لم يكن في تلك السرية يتلقون أسامة ومن معه، وسروا بسلامتهم، ودخل أسامة واللواء بين يديه حتى انتهى إلى باب المسجد ثم انصرف إلى بيته.
أي وكان في خروج هذا الجيش نعمة عظيمة، فإنه كان سببا لعدم ارتداد كثير من الطوائف العرب أرادوا ذلك. وقالوا: لولا قوة أصحاب محمد ما خرج مثل هؤلاء من عندهم، فثبتوا على الإسلام.
أي وكان عمر بن الخطاب حتى بعد أن ولي الخلافة إذا رأى أسامة قال: السلام عليك أيها الأمير، فيقول أسامة: غفر الله لك يا أمير المؤمنين، تقول لي هذا؟ فيقول: لا أزال أدعوك ما عشت الأمير. مات رسول الله ﷺ وأنت عليّ أمير. وفي السيرة الشامية سرايا أخر تركنا ذكرها تبعا للأصل.
وفي السنة الثامنة أمر عتاب بن أسيد أن يحج بالناس وهو بمكة.
وقد كان استعمله عليها لما أراد الخروج إلى حنين، وقيل لما رجع من حنين. واستمر أميرا على مكة حتى توفي رسول الله، فأقره الصديق إلى أن توفي، وكانت وفاته يوم وفاة الصديق ، أي لأنه أطعم سم سنة في اليوم الذي فيه الصديق ذلك، وكان ذلك الحج على ما كانت عليه العرب في الجاهلية من حج الكفار مع المسلمين، لكن كان المسلمون بمعزل عنهم في الموقف.
ولما دخلت سنة تسع استعمل أبا بكر الصديق على الحج، فخرج في ثلاثمائة رجل من المدينة، وبعث معه بعشرين بدنة قلدها وأشعرها بيده الشريفة، وساق أبو بكر خمس بدنات، ثم تبعه عليّ كرم الله وجهه على ناقة رسول الله ﷺ القصواء: أي بفتح القاف والمد. وقيل بالضم والقصر ونسب للخطأ، فقال له أبو بكر استعملك رسول الله ﷺ على الحج؟ قال: لا، ولكن بعثني أقرأ براءة على الناس، وأنبذ إلى كل ذي عهد عهده، وكان العهد بين رسول الله ﷺ وبين المشركين عاما وخاصا، فالعام أن لايصعد أحد عن البيت جاءه، ولا يخاف أحد في الأشهر الحرم كما تقدم، والخاص بين رسول الله ﷺ وبين قبائل العرب إلى آجال مسماة.
وفي كلام السيهلي : لما أردف أبو بكر بعليّ رجع أبو بكر للنبي وقال: يا رسول الله هل أنزل فيّ القرآن؟ قال: لا ولكن أردت أن يبلغ عني من هو من أهل بيتي، فمضى أبو بكر فحج بالناس: أي في ذي الحجة لا في ذي القعدة كما قيل من أجل النسيء الذي كان في الجاهلية، يؤخرون له الأشهر الحرم، أي فإن براءة نزلت: أي صدرها، وإلا فقد نزل منها قبل ذلك في غزوة تبوك {انفروا خفافا وثقالا} الآيات، وكان نزول صدرها بعد سفر أبي بكر فقيل له: لو بعثت بها إلى أبي بكر، فقال: لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي.
ثم دعا عليا كرم الله وجهه، فقال: اخرج بصدر براءة وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى، فقرأ علي بن أبي طالب كرم الله وجهه براءة يوم النحر: أي الذي هو يوم الحج الأكبر عند الجمرة الأول وقال: «لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان».
وعن أبي هريرة قال: «أمرني علي كرم الله وجهه أن أطوف في المنازل من منى ببراءة فكنت أصيح حتى صحل حلقي، فقيل له: بماذا كنت تنادي؟ فقال: بأربع: أن لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وأن لا يحج بعد العام مشرك، وأن لا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عهد فله عهد أربعة أشهر ثم لا عهد له، وأول تلك الأربعة يوم النحر من ذلك العام ـ ومن لا عهد له فعهده إلى انقضاء المحرم».
وكان المشركون إذا سمعوا النداء ببراءة يقولون لعلي كرم الله وجهه: سترون بعد الأربعة أشهر، فإنه لا عهد بيننا وبين ابن عمك إلا الطعن والضرب.
وإنما أمر بما ذكر، لأنهم كانوا يحجون مع المسلمين ويرفعون أصواتهم بقولهم: لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك. أي وتقدم سبب الاتيان بذلك، ويطوف رجال منهم عراة ليس على رجل منهم ثوب بالليل، فيقول الواحد منهم: أطوف بالبيت كما ولدتني أمي ليس عليّ شيء من الدنيا خالطه الظلم: أي وفي لفظ التي قارفنا فيها الذنوب.
وكان لا يطوف الواحد منهم بثوب إلا بثوب من ثياب الحمس وهم قريش، يستعيره أو يكتريه، وإذا طاف بثوب من ثيابه ألقاه بعد طوافه فلا يمسه هو ولا أحد غيره أبدا، فكانوا يسمون تلك الثياب اللعنى.
وفي الكشاف: كان أحدهم يطوف عريانا ويدع ثيابه وراء المسجد، وإن طاف وهي عليه ضرب وانتزعت منه، لأنهم قالوا لا نعبد الله في ثياب أذنبنا فيها. وقيل تفاؤلا بأن يعروا من الذنوب كما يعرون من الثياب.
وكانت النساء يطفن كذلك، وقيل كانت الواحدة تلبس درعا مفرجا. وقد طافت امرأة عريانة ويدها على قبلها وهي تقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله ** فما بدا منه فلا أحله
فأنزل الله تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} فأبطلت ذلك سورة براءة في تلك السنة، أي وقيل الزينة المشط، وقيل الطيب.
وكان بنو عامر في أيام الحج لا يأكلون الطعام إلا قوتا، ولا يأكلون دسما يعظمون بذلك حجتهم، فقال المسلمون فإنا أحق أن نفعل ذلك، فقيل لهم: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا}.
ويحكى أن بعض الأطباء الحذاق من النصارى، قال لبعض الحكماء: ليس في كتابكم من علم الطب شيء. والعلم علمان: علم الأبدان وعلم الأديان. فقال له: قد جمع الله الطب كله في بعض آية من كتابه، قال له: وما هي، قال: قوله: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا}، فقال النصراني: ولا يؤثر عن رسولكم شيء من الطب؟ قال: قد جمع رسول الله ﷺ الطب في ألفاظ يسيرة. قال: وما هي؟ قال قوله: «المعدة بيت الداء، والحمية رأس كل دواء، وأعط كل بدن ما عودته». فقال ذلك الطبيب: ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس شيئا.
وبينت براءة أن من كان له عهد فعهده إلى مدته، ومن لم يكن له عهد فأجله إلى أربعة أشهر. وفي لفظ: لما لحق علي كرم الله وجهه أبا بكر ، قال له أبو بكر: أمير أو مأمور؟ قال: بل مأمور.
وزعمت الرافضة أنه عزل أبا بكر عن إمارة الحج بعليّ. وعبارة بعض الرافضة: ولما تقدم أبو بكر بسورة براءة رده بعد ثلاثة أيام بوحي من الله. وكيف يرضى العاقل إمامة من لا يرتضيه النبي ﷺ بوحي من الله لأداء عشر آيات من براءة، هذا كلامه.
قال الإمام ابن تيمية : وهذا أبين من الكذب، فإن من المعلوم المتواتر أن أبا بكر لم يعزل، وأنه حج بالناس، وكان عليّ كرم الله وجهه من جملة رعيته في تلك السفرة، يصلي خلفه كسائر المسلمين، ولم يرجع إلى المدينة حتى قضى الحج في ذلك العام.
وإنما أردف أبا بكر بعلي كرم الله وجهه لنبذ العهود، وكان من عادة العرب لا ينبذ العهد إلا المطاع أو رجل من أهل بيته، أي فلو تلا أبو بكر ما فيه نقض عهد عاهد عليه رسول الله ﷺ ربما تعللوا وقال قائلهم: هذا خلاف ما نعرف، فأزاح الله عللهم بكون ذلك على يد رجل من بني أبي رسول الله ﷺ الأدنى إليه ممن له ذرية وهو عبد المطلب، قال: وهذا غير بعيد من افتراء الرافضة وبهتانهم، أي وعلى عادة العرب بما ذكر جاء قوله: «لا يبلغ عني إلا رجل من أهل بيتي» كما تقدم. وفي لفظ «إلا رجل مني» أي لا يبلغ عني عقد العقود ولا حلها إلا رجل مني، أي من بني أبي الأدنى ولا أب له ذرية أدنى إليه من عبد المطلب.
ولا يجوز حمل ذلك على تبليغ الأحكام والقرآن، إذ كل أحد من المسلمين مأذون له في تبليغ ذلك عنه.
وفي هذه السنة التي هي سنة تسع تتابعت الوفود على رسول الله ﷺ حتى قيل لها سنة الوفود.