السيرة الحلبية/سرية غالب بن عبد الله الليثي رضي الله تعالى عنه إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد رضي الله تعالى عنه
أي في بني مرة بفدك
لما قدم غالب من الكديد مؤيدا منصورا بعثه في مائتي رجل إلى حيث أصيب أصحاب بشير بن سعد، وذلك في بني مرة بفدك، وكان قبل قدوم غالب هيأ الزبير لذلك وعقد له لواء، فلما قدم غالب قال للزبير اجلس، فصار غالب إلى أن أصبح القوم فأغاروا عليهم، وكان غالب قد أوصاهم بعدم مخالفتهم له، وآخى بين القوم، فساقوا نعما وقتلوا منهم.
قال: لما دنا غالب منهم ليلا، قام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإني أوصيكم بتقوى الله تعالى وحده لا شريك له وأن تطيعوني ولا تخالفوا لي أمرا فإنه «لا رأي لمن لا يطاع» وفي رواية: لا تعصوني، فإن رسول الله ﷺ قال: «من يطع أميري فقد أطاعني، ومن عصاه فقد عصاني» وإنكم متى تعصوني فإنكم تعصون نبيكم، ثم ألف بين القوم، فقال: يا فلان أنت وفلان، ويا فلان أنت وفلان، لا يفارق رجل منكم زميله، فإياكم أن يرجع الرجل منكم فأقول له أين صاحبك؟ فيقول لا أدري، فإذا كبرت فكبروا، فلما أحاطوا بالقوم كبر غالب وكبروا معه وجردوا السيوف، فخرج الرجال فقاتلوا ساعة، ووضع المسلمون فيهم السيف، وكان شعار المسلمين «أمِت أمِت» وكان في القوم أسامة بن زيد ، وتفقده غالب فلم يره، وبعد ساعة: أي من الليل أقبل، فلامه غالب وقال: ألم تر إلى ما عهدت إليك، فقال: خرجت في أثر رجل منهم جعل يتهكم بي حتى إذا دنوت منه وضربته بالسيف قال: «لا إله إلا الله» فقال له الأمير: بئسما فعلت وما جئت به، تقتل امرأ يقول: «لا إله إلا الله» فندم أسامة وساق المسلمون النعم والشاء والذرية، فكان سهم كل رجل عشرة أبعرة، وعدل البعير بعشرة من الغنم انتهى، وتقدمت الحوالة على هذه، وتقدم ما فيها.
وقوله هنا حتى إذا دنوت منه وضربته بالسيف قال: «لا إله إلا الله» يقتضي أنه إنما قال: «لا إله إلا الله» بعد ضربه بالسيف. إلا أن يحمل على الإرادة، وتقدم أنه طعنه برمحه، فليتأمل.