السيرة الحلبية/سرية غالب بن عبد الله الليثي رضي الله تعالى عنه إلى بني عوال وبني عبد بن ثعلبة بالميفعة
اسم محل وراء بطن نخل
بعث رسول الله ﷺ غالب بن عبد الله الليثي في مائة وثلاثين رجلا لبني عوال وبني بن ثعلبة بالميفعة، ودليلهم يسار مولى رسول الله، فهجموا عليهم جميعا ووقعوا في وسط محالهم، فقتلوا جمعا من أشرافهم واستاقوا نعما وشاء، ولم يأسروا أحدا وفي هذه السرية قتل أسامة بن زيد الرجل الذي قال: لا إله إلا الله، وهو مرداس بن نهيك. وفي سيرة الحافظ الدمياطي نهيك بن مرداس، والأول هو الذي في الكشاف، وقال له النبي: «هلا شققت عن قلبه أصادق هو أم كاذب؟ » فعن أسامة : «بعثنا رسول الله، فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم، فلما أعييناه قال: لا إله إلا الله، فكف الأنصاري، وطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا على رسول الله ﷺ قال: «يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ قلت: إنما قالها متعوّذا، فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم» أي تمنيت أن أكون أسلمت اليوم فيكفر عني ما صنعت، قال: كذا وقع في الأصل أن قتل أسامة للرجل الذي قال لا إله إلا الله كان في هذه السرية، وقد تبع في ذلك ابن سعد.
وإنما كان ذلك في سرية أسامة بن زيد للحرقة بضم الحاء المهملة وفتح الراء وبالقاف ثم تاء تأنيث بطن من جهينة، وسيأتي عن أسامة «بعثنا رسول الله ﷺ إلى الحرقة من جهينة، فصبحناها، فكان رجل يدعى مرداس بن نهيك إذا أقبل القوم كان من أشدهم علينا، وإذا أدبروا كان من حاميتهم فهزمناهم، فتبعته أنا ورجل من الأنصار، فرفعت عليه السيف، فقال لا إله إلا الله» وزاد في رواية: «محمد رسول الله، فكف الأنصاري، فطعنته برمحي حتى قتلته، ثم وجدت في نفسي من ذلك موجدة شديدة حتى ما أقدر على أكل الطعام، حتى قدمت على رسول الله ﷺ فقبلني واعتقني» قال بعضهم: «كان إذا بعث أسامة بن زيد يسأل عنه أصحابه، ويحب أن يثنى عليه خيرا، فلما رجعوا لم يسألهم عنه، فجعل القوم يحدثون رسول الله ﷺ ويقولون: يا رسول الله لو رأيت ما فعل أسامة ولقيه رجل، فقال الرجل لا إله إلا الله، فشد عليه أسامة فقتله وهو يعرض عنهم، فلما أكثروا عليه رفع رأسه الشريف لأسامة فقال: يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله، فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ فقال أسامة : إنما قالها خوفا من السلاح» وفي رواية: «إنما كان متعوّذا من القتل، قال أسامة : ولا زال رسول الله ﷺ يكرر عليّ حتى تمنيت أني لم أسلم إلا يومئذ» انتهى.
والذي في الكشاف في تفسير قوله تعالى: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا} أصله أن مرداس بن نهيك رجل من أهل فدك أسلم ولم يسلم من قومه غيره فغزتهم سرية لرسول الله ﷺ وكان عليها غالب بن فضالة الليثي ، فهربوا وبقي مرداس لثقته بإسلامه. فلما رأى الخيل ألجأ غنمه إلى عاقول من الجبل وصعد، فلما تلاحقوا وكبروا كبر ونزل وقال: «لا إله إلا الله محمد رسول الله» السلام عليكم، فقتله أسامة بن زيد واستاق غنمه، فأخبر رسول الله ﷺ بذلك فوجدوا وجدا شديدا وقال: قتلتموه إرادة ما معه، ثم قرأ الآية على أسامة، فقال: يا رسول الله استغفر لي، قال: فكيف بلا إله إلا الله؟ فما زال يكررها حتى وددت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ، ثم استغفر لي وقال: أعتق رقبة، وسيأتي نحو ذلك في سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى مصاب بشير بن سعد.
ويبعد تعدد هذه الواقعة سيما في مواطن ثلاثة أو أربعة، وكون يسار مولى رسول الله ﷺ كان دليلا في هذه السرية يقتضي أنها متقدمة على سرية العرنيين، فقد تقدم أنهم قتلوه ثم رأيته في النور قال: ولعل هذا غير ذاك، لكن لم أر له ذكرا في الموالي إلا أن يكون أحد موالي أقاربه فنسب إليه، ومن ثم لم يشهد أسامة مع علي كرم الله وجهه قتالا، وقال له: لو أدخلت يدك في فم تنين لأدخلت يدي معها، ولكنك قد سمعت ما قال لي رسول الله ﷺ حين قتلت ذلك الرجل الذي شهد أن لا إله إلا الله وقلت له: أعطي الله عهدا أن لا أقتل رجلا بقول لا إله إلا الله، والله أعلم.