السيرة الحلبية/باب ذكر عمره
قد اعتمر: أي بعد الهجرة أربع عمر. فقد قال بعضهم: لا خلاف أن عمره لم تزد على أربع أي كلهن في ذي القعدة، مخالفا للمشركين، فإنهم كانوا يكرهون العمرة في أشهر الحج ويقولون هي من أفجر الفجور أي كما تقدم.
وأول تلك الأربعة عمرة الحديبية، أي وكانت في ذي القعدة التي صده فيها المشركون عن البيت.
وثانيها: عمرته من العام المقبل، أي وهي عمرة القضاء، وكانت في ذي القعدة كما تقدم. وعن قتادة «كان المشركون فجروا عليه حيث ردوه في الحديبية وكان في ذي القعدة، فاقتص الله منهم وأدخله مكة في ذلك الشهر الذي هو ذو القعدة، وأنزل الله {الشهر الحرام بالشهر الحرام}.
وثالثها: عمرته حين قسم غنائم حنين، وكانت من الجعرانة، وكانت في ذي القعدة، ودخل مكة ليلا، فقضى عمرته ثم خرج من ليلته فأصبح بالجعرانة كبائت بها. ومن ثم خفيت على الناس كما تقدم.
ورابعها: عمرته مع حجة الوداع: أي التي دخلت في الحج بناء على أنه أحرم قارنا أو التي أدخلها على الحج بناء على أنه أحرم بالحج خصوصية له، أو عينهما بعد أن أحرم مطلقا على ما تقدم فإنه أحرم لخمس بقين من ذي القعدة. وقد قالت عائشة «اعتمر رسول الله ﷺ ثلاثا سوى التي قرنها بحجة الوداع».
وأخرج البخاري ومسلم «أنه اعتمر أربع عمر كلها في ذي القعدة إلا التي في حجته» أي فإنه لم يوقعها في ذي القعدة، بل أوقعها في ذي الحجة تبعا للحج. وأما إحرامه بها فكان في ذي القعدة في خمس بقين منه كما تقدم.
وأخرجا أيضا أن عروة بن الزبير قال: كنت أنا وابن عمر مستندين إلى حجرة عائشة وإنا لنسمع صوتها بالسواك تستن، فقلت: يا أبا عبد الرحمن اعتمر رسول الله ﷺ في رجب؟ قال نعم، فقلت لعائشة: أي أمتاه ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت: وما يقول؟ قلت: يقول اعتمر رسول الله ﷺ في رجب، فقالت: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهدها، وفي رواية إلا وهو معه، وما اعتمر في رجب قط، أي وإنما اعتمر في ذي القعدة.
ولكن روى الدارقطني عنها أنها قالت «خرجت مع رسول الله ﷺ في عمرة في رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتممت» قال في الهدى إنه غلط عليها وهو الأظهر، فإنه ما اعتمر في رمضان قط. أقول: وزاد بعضهم أنه اعتمر أيضا عمرتين عمرة في رجب وعمرة في شوال فيكون اعتمر ستة، إلا أن يقال: يجوز أن يكون مستند القائل اعتمر في رجب قول ابن عمر المتقدم، وقد تقدم رده وجاز أن يكون قوله اعتمر في شوال أي خرج للعمرة في شوال وهي العمرة التي كانت في ضمن حجة الوداع، والله أعلم.