مجموع الفتاوى/المجلد الرابع عشر/فصل منشأ السيئات من الجهل والظلم

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


فصل منشأ السيئات من الجهل والظلم[عدل]

وأما السيئات، فمنشؤها الجهل والظلم، فإن أحدا لا يفعل سيئة قبيحة إلا لعدم علمه بكونها سيئة قبيحة، أو لهواه وميل نفسه إليها.

ولا يترك حسنة واجبة إلا لعدم علمه بوجوبها، أو لبغض نفسه لها.

وفى الحقيقة، فالسيئات كلها ترجع للجهل، وإلا فلو كان عالما علما نافعا بأن فعل هذا يضره ضررا راجحا ولم يفعله؛ فإن هذا خاصية العاقل؛ ولهذا إذا كان من الحسنات ما يعلم أنه يضره ضرارا راجحا، كالسقوط من مكان عال، أو في نهر يغرقه، أو المرور بجنب حائط مائل، أو دخول نار متأججة، أو رمي ماله في البحر ونحو ذلك، لم يفعله، لعلمه بأن هذا ضرر لا منفعة فيه. ومن لم يعلم أن هذا يضره كالصبى، والمجنون، والساهي، والغافل فقد يفعل ذلك.

ومن أقدم على ما يضره مع علمه بما فيه من الضرر عليه فلظنه أن منفعته راجحة.

فإما أن يجزم بضرر مرجوح، أو يظن أن الخير راجح، فلابد من رجحان الخير، إما في الظن وإما في المظنون، كالذي يركب البحر ويسافر الأسفار البعيدة للربح، فإنه لو جزم بأنه يغرق أو يخسر لما سافر، لكنه يترجح عنده السلامة والربح، وإن كان مخطئا في هذا الظن.

وكذلك الذنوب، إذا جزم السارق بأنه يؤخذ ويقطع، لم يسرق. وكذلك الزاني، إذا جزم بأنه يرجم، لم يزن. والشارب يختلف حاله، فقد يقدم على جلد أربعين وثمانين، ويديم الشرب مع ذلك؛ ولهذا كان الصحيح: أن عقوبة الشارب غير محدودة، بل يجوز أن تنتهي إلى القتل، إذا لم ينته إلا بذلك، كما جاءت بذلك الأحاديث، كما هو مذكور في غير هذا الموضع.

وكذلك العقوبات، متى جزم طالب الذنب بأنه يحصل له به الضرر الراجح لم يفعله، بل إما ألا يكون جازما بتحريمه، أو يكون غير جازم بعقوبته، بل يرجو العفو بحسنات، أو توبة، أو بعفو الله، أو يغفل عن هذا كله، ولا يستحضر تحريما، ولا وعيدا فيبقى غافلا غير مستحضر للتحريم، والغفلة من أضداد العلم.


هامش



مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد الرابع عشر
فصل في أسماء القرآن | فصل في الآيات الدالة على اتباع القرآن | سئل عن بعض الآحاديث هل هي صحيحة أم لا | فصل في ذكر فضائل الفاتحة | سورة الفاتحة | فصل في تفصيل حاجة الناس إلى الرب تبارك وتعالى | فصل في بيان أن الإنسان وجميع المخلوقات عباد لله | فصل في بيان أنه لا غنى عن الله تبارك وتعالى | فصل في بيان ما يصلح العباد من الأوامر والنواهي | فصل في ضرورة اقتفاء الصراط المستقيم | سورة البقرة | تفسير بعض آيات مشكلة في سورة البقرة | فصل في تفسيرقوله تعالى ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق | فصل في معنى المثل | تفسير بعض المشكل من الآيات | فصل في تقسيم ذمم أهل الكتاب | سئل عن معنى قوله تعالى ما ننسخ من آية | تفسير قوله تعالى يسألونك عن الشهر الحرام | سئل عن قوله تعالى ولا تنكحوا المشركات | فصل فيما يبطل الصدقة | فصل في تفسير قوله تعالى وإن تبدوا ما في أنفسكم | خواتيم سورة البقرة | فصل في الدعاء المذكور في آخر سورة البقرة | سورة آل عمران | فصل في كيفية شهادة الرب تبارك وتعالى | فصل في بيان حال الشهادة | فصل في بيان ما يتبع الشهادة من العزة والحكمة | فصل فيما تضمنته أية الشهادة | فصل في قوله تعالى وهو العزيز الحكيم | فصل في أهمية شهادة أولي العلم | فصل في بيان عظمت شهادة الرب تبارك وتعالى | فصل شهادة الرب بالسمع والبصر | فصل في بيان أن الصدق في جانب الله معلوم بالفطرة | فصل في بيان قوله تعالى لكن الله يشهد بما أنزل | فصل في بيان أن من شهادة الرب تبارك وتعالى ما يجعله في القلوب من العلم | سئل عن قوله تعالى ومن دخله كان آمنا | ما قاله الشيخ في قوله تعالى إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه | سورة النساء | سئل عن قوله تعالى واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن | فصل في قوله تعالى إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا | فصل في حكمة الجمع بين الخيلاء والفخر والبخل في الآيات | فصل في قول الناس الآدمي جبار ضعيف | تفسير قوله تعالى ما أصابك من حسنة فمن الله | فصل في قوله تعالى ما أصابك من حسنة فمن الله | فصل فيما يتناوله لفظ الحسنات والسيئات في القرآن الكريم | فصل في المعصية الثانية | فصل في معنى السيئات التي يعملها الإنسان | فصل ليس للقدرية أن يحتجوا بالآية من يعمل سوءا يجز به | فصل في ظن طائفة أن في الآية إشكالا | فصل في تأويل قوله تعالى وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك | فصل في ذكر كلام الجهمية | فصل في قول من قال لم فرق بين الحسنات والسيئات | فصل في أن الحسنات من فضل الله ومنه | فصل في أن الحسنات يضاعفها الله تبارك وتعالى | فصل في اضطراب الناس في مضاعفة الحسنات | فصل المقصود من الآية هو أن يشكر الإنسان ربه على هذه النعم | فصل في أن ما يحصل للإنسان من الحسنات أمر وجودي أنعم الله به عليه | فصل في تنازع الناس في الترك | فصل في أن الثواب والعقاب على أمر وجودي | فصل منشأ السيئات من الجهل والظلم | فصل في أن الغفلة والشهوة أصل الشر | فصل في بيان تفضل الله على العباد | فصل في الذنوب عقوبة للإنسان على عدم فعله ما خلق له | فصل في قوله تعالى ونقلب أفئدتهم وأبصارهم | فصل في أن السيئات ليس لها سبب إلا نفس الإنسان | فصل في أن السيئات خبيثة مذمومة | فصل في حتمية ألا يطلب العبد الحسنات إلا من الله تعالى | فصل في تفسير قوله تعالى ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن | فصل في تفسير قوله تعالى ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم | فصل في أنه لا يجوز الجدال عن الخائن | سورة المائدة | فصل في تفسير قوله تعالى أوفوا بالعقود | فصل في تفسير قوله تعالى قوله: سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك | تفسير آيات أشكلت | فصل في تفسير قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم | فصل في بيان ما جاءت به الشريعة الإسلامية | فصل في تفسير قوله تعالى عليكم أنفسكم | فصل في تفسير قوله تعالى فيقسمان بالله إن ارتبتم | سورة الأنعام | تفسير قوله تعالى ثم قضى أجلا | فصل في أن الله عز وجل يرفع درجات من يشاء بالعلم | تفسير بعض الآيات المشكلة | فصل في تفسير قوله تعالى وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا