مجموع الفتاوى/المجلد الرابع عشر/فصل في بيان عظمت شهادة الرب تبارك وتعالى
فصل في بيان عظمة شهادة الرب تبارك وتعالى
وإذا كانت شهادة الله تتضمن بيانه للعباد، ودلالته لهم، وتعريفهم بما شهد به لنفس، فلابد أن يعرفهم أنه شهد، فإن هذه الشهادة أعظم الشهادات، وإلا فلو شهد شهادة لم يتمكن من العلم بها لم ينتفع بذلك، ولم تقم عليهم حجة بتلك الشهادة، كما أن المخلوق إذا كانت عنده شهادة لم يبينها بل كتمها لم ينتفع أحد بها، ولم تقم بها حجة.
ولهذا ذم سبحانه من كتم العلم الذي أنزله وما فيه من الشهادة، كما قال تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللهِ } 1، أي: عنده شهادة من الله وكتمها، وهو العلم الذي بينه الله، فإنه خبر من الله وشهادة منه بما فيه.
وقد ذم من كتمه، كما كتم بعض أهل الكتاب ما عندهم من الخبر والشهادة لإبراهيم وأهل بيته، وكتموا إسلامهم، وما عندهم من الأخبار بمثل ما أخبر به محمد ﷺ، وبصفته وغير ذلك، قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ } 2، وقال تعالى: { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } 3.
والشهادة لابد فيها من علم الشاهد وصدقه وبيانه، لا يحصل مقصود الشهادة إلا بهذه الأمور؛ ولهذا ذم من يكتم ويحرف، فقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } 4.
وفى الصحيحين عن حكيم بن حزام عن النبي ﷺ قال: «البَيِّعَان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صَدَقا وبَيَّنَا بُورِك لهما في بَيْعِهما، وإن كذبا وكَتَما مُحِقَتْ بركة بيعهما».
هامش