مجموع الفتاوى/المجلد الرابع عشر/فصل في قوله تعالى وهو العزيز الحكيم
فصل في قوله تعالى وهو العزيز الحكيم
وقوله: { هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } 1 إثبات لعزته وحكمته، وفيها رد على الطائفتين الجبرية والقدرية فإن الجبرية أتباع جهم ليس له عندهم في الحقيقة حكمة؛ ولهذا لما أرادت الأشعرية أن تفسر حكمته فسروها إما بالقدرة، وإما بالعلم، وإما بالإرادة.
ومعلوم أنه ليس في شيء من ذلك إثبات لحكمته؛ فإن القادر والعالم والمريد قد يكون حكيمًا وقد لا يكون، والحكمة أمر زائد على ذلك، وهم ويقولون: إن الله لا يفعل لحكمة، ويقولون أيضا: الفعل لغرض إنما يكون ممن ينتفع ويتضرر، ويتألم ويلتذ؛ وذلك ينفى عن الله.
والمعتزلة أثبتوا أنه يفعل لحكمة، وسموا ذلك غرضا، هم وطائفة من المثبتة؛ لكن قالوا: الحكمة أمر منفصل عنه لا يقوم به، كما قالوا في كلامه وإرادته، فاستطال عليهم المجبرة بذلك، فقالوا: الحكيم: من يفعل لحكمة تعود إلى نفسه، فإن لم تعد إلى نفسه لم يكن حكيما بل كان سفيها.
فيقال للمجبرة: ما نفيتم به الحكمة هو بعينه حجة من نفى الإرادة من المتفلسفة ونحوهم، قالوا: الإرادة لا تكون إلا لمن ينتفع ويتضرر، ويتألم ويلتذ، وإثبات إرادة بدون هذا لا يعقل، وأنتم تقولون: نحن موافقون للسلف وسائر أهل السنة على إثبات الإرادة، فما كان جوابا لكم عن هذا السؤال فهو جواب سائر أهل السنة لكم، حيث أثبتم إرادة بلا حكمة يراد الفعل لها. وقد بسط هذا في غير هذا الموضع، وبين ما في لفظ هذه الحجة من الكلمات المجملة، والله أعلم.
هامش
- ↑ [آل عمران: 18]