انتقل إلى المحتوى

مجموع الفتاوى/المجلد الرابع عشر/فصل في تفسيرقوله تعالى ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
مجموع فتاوى ابن تيميةالتفسير المؤلف ابن تيمية
فصل في تفسيرقوله تعالى ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق


فصل في تفسيرقوله تعالى ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق

[عدل]

وقال شيخ الإِسَلام قدَّسَ اللَّه روحهُ:

قال الله تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ } 1، وقال تعالى: { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ } 2، وقد قال تعالى: { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ } 3، قال طائفة من السلف: الغيب هو الله، أو من الإيمان بالغيب الإيمان بالله. ففي موضع نفى عن نفسه أن يكون غائبا، وفى موضع جعله نفسه غيبا.

ولهذا اختلف الناس في هذه المسألة، فطائفة من المتكلمين من أصحابنا وغيرهم كالقاضي وابن عقيل 4 وابن الزاغوني 5 يقولون بقياس الغائب على الشاهد، ويريدون بالغائب الله، ويقولون: قياس الغائب على الشاهد ثابت بالحد والعلة والدليل والشرط. كما يقولون في مسائل الصفات في إثبات العلم والخبرة والإرادة وغير ذلك. وأنكر ذلك عليهم طائفة منهم الشيخ أبو محمد في رسالته إلى أهل رأس العين، وقال: لا يسمى الله غائبا، واستدل بما ذكر.

وفصل الخطاب بين الطائفتين: أن اسم الغيب والغائب من الأمور الإضافية يراد به ما غاب عنا فلم ندركه، ويراد به ما غاب عنا فلم يدركنا؛ وذلك لأن الواحد منا إذا غاب عن الآخر مغيبا مطلقا لم يدرك هذا هذا ولا هذا هذا، والله سبحانه شهيد على العباد، رقيب عليهم، مهيمن عليهم، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، فليس هو غائبا، وإنما لما لم يره العباد كان غيبا؛ ولهذا يدخل في الغيب الذي يؤمن به وليس هو بغائب؛ فإن الغائب اسم فاعل من قولك: غاب يغيب فهو غائب والله شاهد غير غائب، وأما الغيب فهو مصدر غاب يغيب غيبا، وكثيرا ما يوضع المصدر موضع الفاعل كالعدل والصوم والزور، وموضع المفعول كالخلق والرزق ودرهم ضرب الأمير.

ولهذا يقرن الغيب بالشهادة، وهى أيضا مصدر، فالشهادة هي المشهود أو الشاهد، والغيب هو إما المغيب عنه فهو الذي لا يشهد نقيض الشهادة، وإما بمعنى الغائب الذي غاب عنا فلم نشهده فتسميته باسم المصدر فيه تنبيه على النسبة إلى الغير، أي: ليس هو بنفسه غائبا، وإنما غاب عن الغير أو غاب الغير عنه.

وقد يقال: اسم الشهادة، والغيب يجمع النسبتين، فالشهادة ما شهدنا وشهدناه، والغيب ما غاب عنا وغبنا عنه فلم نشهده، وعلى كل تقدير فالمعنى في كونه غيبا هو انتفاء شهود ناله، وهذه تسمية قرآنية صحيحة، فلو قالوا: قياس الغيب على الشهادة لكانت العبارة موافقة، وأما قياس الغائب ففيه مخالفة في ظاهر اللفظ ولكن موافقة في المعنى؛ فلهذا حصل في إطلاقه التنازع.


هامش

  1. [المؤمنون: 17]
  2. [الأعراف: 6، 7]
  3. [البقرة: 3]
  4. [هو أبو الوفاء على بن عقيل البغدادى، عالم العراق وشيخ الحنابلة ببغداد في وقته، اشتغل بمذهب المعتزلة في حداثته، وقال عنه ابن حجر: نعم كان معتزليا، ثم أشهد على نفسه أنه تاب عن ذلك وصحت توبته، له تصانيف كثيرة، منها كتاب الفنون الذي يزيد على أربعمائة مجلد، توفى سنة 315ه]
  5. [هو أبو الحسن على بن عبيد الله بن نصر بن الزاغونى، مؤرخ فقيه، من أعيان الحنابلة، له تصانيف كثيرة في الفقه والأصول والحديث، منها: الإقناع والواضح وغيرهما. ولد سنة 455 ه، وتوفى سنة 527 هـ]


مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد الرابع عشر
فصل في أسماء القرآن | فصل في الآيات الدالة على اتباع القرآن | سئل عن بعض الآحاديث هل هي صحيحة أم لا | فصل في ذكر فضائل الفاتحة | سورة الفاتحة | فصل في تفصيل حاجة الناس إلى الرب تبارك وتعالى | فصل في بيان أن الإنسان وجميع المخلوقات عباد لله | فصل في بيان أنه لا غنى عن الله تبارك وتعالى | فصل في بيان ما يصلح العباد من الأوامر والنواهي | فصل في ضرورة اقتفاء الصراط المستقيم | سورة البقرة | تفسير بعض آيات مشكلة في سورة البقرة | فصل في تفسيرقوله تعالى ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق | فصل في معنى المثل | تفسير بعض المشكل من الآيات | فصل في تقسيم ذمم أهل الكتاب | سئل عن معنى قوله تعالى ما ننسخ من آية | تفسير قوله تعالى يسألونك عن الشهر الحرام | سئل عن قوله تعالى ولا تنكحوا المشركات | فصل فيما يبطل الصدقة | فصل في تفسير قوله تعالى وإن تبدوا ما في أنفسكم | خواتيم سورة البقرة | فصل في الدعاء المذكور في آخر سورة البقرة | سورة آل عمران | فصل في كيفية شهادة الرب تبارك وتعالى | فصل في بيان حال الشهادة | فصل في بيان ما يتبع الشهادة من العزة والحكمة | فصل فيما تضمنته أية الشهادة | فصل في قوله تعالى وهو العزيز الحكيم | فصل في أهمية شهادة أولي العلم | فصل في بيان عظمت شهادة الرب تبارك وتعالى | فصل شهادة الرب بالسمع والبصر | فصل في بيان أن الصدق في جانب الله معلوم بالفطرة | فصل في بيان قوله تعالى لكن الله يشهد بما أنزل | فصل في بيان أن من شهادة الرب تبارك وتعالى ما يجعله في القلوب من العلم | سئل عن قوله تعالى ومن دخله كان آمنا | ما قاله الشيخ في قوله تعالى إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه | سورة النساء | سئل عن قوله تعالى واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن | فصل في قوله تعالى إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا | فصل في حكمة الجمع بين الخيلاء والفخر والبخل في الآيات | فصل في قول الناس الآدمي جبار ضعيف | تفسير قوله تعالى ما أصابك من حسنة فمن الله | فصل في قوله تعالى ما أصابك من حسنة فمن الله | فصل فيما يتناوله لفظ الحسنات والسيئات في القرآن الكريم | فصل في المعصية الثانية | فصل في معنى السيئات التي يعملها الإنسان | فصل ليس للقدرية أن يحتجوا بالآية من يعمل سوءا يجز به | فصل في ظن طائفة أن في الآية إشكالا | فصل في تأويل قوله تعالى وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك | فصل في ذكر كلام الجهمية | فصل في قول من قال لم فرق بين الحسنات والسيئات | فصل في أن الحسنات من فضل الله ومنه | فصل في أن الحسنات يضاعفها الله تبارك وتعالى | فصل في اضطراب الناس في مضاعفة الحسنات | فصل المقصود من الآية هو أن يشكر الإنسان ربه على هذه النعم | فصل في أن ما يحصل للإنسان من الحسنات أمر وجودي أنعم الله به عليه | فصل في تنازع الناس في الترك | فصل في أن الثواب والعقاب على أمر وجودي | فصل منشأ السيئات من الجهل والظلم | فصل في أن الغفلة والشهوة أصل الشر | فصل في بيان تفضل الله على العباد | فصل في الذنوب عقوبة للإنسان على عدم فعله ما خلق له | فصل في قوله تعالى ونقلب أفئدتهم وأبصارهم | فصل في أن السيئات ليس لها سبب إلا نفس الإنسان | فصل في أن السيئات خبيثة مذمومة | فصل في حتمية ألا يطلب العبد الحسنات إلا من الله تعالى | فصل في تفسير قوله تعالى ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن | فصل في تفسير قوله تعالى ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم | فصل في أنه لا يجوز الجدال عن الخائن | سورة المائدة | فصل في تفسير قوله تعالى أوفوا بالعقود | فصل في تفسير قوله تعالى قوله: سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك | تفسير آيات أشكلت | فصل في تفسير قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم | فصل في بيان ما جاءت به الشريعة الإسلامية | فصل في تفسير قوله تعالى عليكم أنفسكم | فصل في تفسير قوله تعالى فيقسمان بالله إن ارتبتم | سورة الأنعام | تفسير قوله تعالى ثم قضى أجلا | فصل في أن الله عز وجل يرفع درجات من يشاء بالعلم | تفسير بعض الآيات المشكلة | فصل في تفسير قوله تعالى وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا