مجموع الفتاوى/المجلد الرابع عشر/فصل في قوله تعالى إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا
فصل في قوله تعالى إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا
[عدل]وقال:
قوله تعالى: { إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ } في النساء 1، وفى الحديد أنه { لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ } 2، قد تؤولت في البخل بالمال والمنع، والبخل بالعلم ونحوه، وهى تعم البخل بكل ما ينفع في الدين والدنيا من علم ومال وغير ذلك، كما تأولوا قوله: { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } 3، النفقة من المال، والنفقة من العلم. وقال معاذ في العلم: تعلمه لمن لا يعلمه صدقة. وقال أبو الدرداء: ما تصدق رجل بصدقة أفضل من موعظة يعظ بها جماعة، فيتفرقون وقد نفعهم الله بها، أو كما قال. وفى الأثر: نعمت العطية ونعمت الهدية، الكلمة من الخير يسمعها الرجل، ثم يهديها إلى الأخ له، أو كما قال.
وهذه صدقة الأنبياء وورثتهم العلماء؛ ولهذا كان الله، وملائكته، وحيتان البحر، وطير الهواء، يصلون على معلم الناس الخير، كما أن كاتم العلم يلعنه الله ويلعنه اللاعنون، وبسط هذا كثير في فضل بيان العلم وذم ضده.
والغرض هنا أن الله يبغض المختال الفخور البخيل به، فالبخيل به الذي منعه، والمختال إما أن يختال فلا يطلبه ولا يقبله، وإما أن يختال على بعض الناس فلا يبذله، وهذا كثيرا ما يقع عند بعض الناس أنه يبخل بما عنده من العلم، ويختال به، وأنه يختال عن أن يتعدى من غيره، وضد ذلك التواضع في طلبه، وبذله، والتكرم بذلك.
هامش