مجموع الفتاوى/المجلد الرابع عشر/سئل عن قوله تعالى ولا تنكحوا المشركات
سئل عن قوله تعالى ولا تنكحوا المشركات
[عدل]سُئِلَ شيخ الإسلام، عن قوله تعالى: { وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ } 1، وقد أباح العلماء التزويج بالنصرانية واليهودية، فهل هما من المشركين أم لا؟
فأجاب:
الحمد لله، نكاح الكتابية جائز بالآية التي في المائدة قال تعالى: { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ } 2، وهذا مذهب جماهير السلف والخلف من الأئمة الأربعة وغيرهم، وقد روى عن ابن عمر؛ أنه كره نكاح النصرانية، وقال: لا أعلم شركا أعظم ممن تقول: إن ربها عيسى ابن مريم.
وهو اليوم مذهب طائفة من أهل البدع، وقد احتجوا بالآية التي في سورة البقرة وبقوله: { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } 3، والجواب عن آية البقرة من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن أهل الكتاب لم يدخلوا في المشركين، فجعل أهل الكتاب غير المشركين، بدليل قوله: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا } 4.
فإن قيل: فقد وصفهم بالشرك بقوله: { اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } 5، قيل: أهل الكتاب ليس في أصل دينهم شرك؛ فإن الله إنما بعث الرسل بالتوحيد، فكل من آمن بالرسل والكتب لم يكن في أصل دينهم شرك، ولكن النصارى ابتدعوا الشرك، كما قال: { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } 6، فحيث وصفهم بأنهم أشركوا فلأجل ما ابتدعوه من الشرك الذي لم يأمر الله به، وحيث ميزهم عن المشركين، فلأن أصل دينهم اتباع الكتب المنزلة التي جاءت بالتوحيد لا بالشرك.
فإذا قيل: أهل الكتاب لم يكونوا من هذه الجهة مشركين؛ فإن الكتاب الذي أضيفوا إليه لا شرك فيه، كما إذا قيل: المسلمون وأمة محمد لم يكن فيهم من هذه الجهة لا اتحاد، ولا رفض، ولا تكذيب بالقدر، ولا غير ذلك من البدع، وإن كان بعض الداخلين في الأمة قد ابتدع هذه البدع، لكن أمة محمد ﷺ لا تجتمع على ضلالة. فلا يزال فيها من هو متبع لشريعة التوحيد، بخلاف أهل الكتاب، ولم يخبر الله عز وجل عن أهل الكتاب أنهم مشركون بالاسم، بل قال: { عَمَّا يُشْرِكُونَ } بالفعل، وآية البقرة قال فيها: { المشركين } و { المشركات } بالاسم، والاسم أوكد من الفعل.
الوجه الثاني: أن يقال: إن شملهم لفظ { المشركين } في سورة البقرة كما وصفهم بالشرك، فهذا متوجه بأن يفرق بين دلالة اللفظ مفردا ومقرونا، فإذا أفردوا دخل فيهم أهل الكتاب، وإذا قرنوا بأهل الكتاب لم يدخلوا فيهم، كما قيل مثل هذا في اسم الفقير والمسكين ونحو ذلك، فعلى هذا يقال: آية البقرة عامة، وتلك خاصة، والخاص يقدم على العام.
الوجه الثالث: أن يقال: آية المائدة ناسخة لآية البقرة؛ لأن المائدة نزلت بعد البقرة باتفاق العلماء، وقد جاء في الحديث المائدة من 7.
هامش
- ↑ [البقرة: 221]
- ↑ [المائدة: 5]
- ↑ [الممتحنة: 10]
- ↑ [الحج: 17]
- ↑ [التوبة: 31]
- ↑ [يونس: 18، والروم: 40، والزمر: 67]
- ↑ [آخر ما وجد من الأصل]