مجموع الفتاوى/المجلد الرابع عشر/فصل في تقسيم ذمم أهل الكتاب
فصل في تقسيم ذمم أهل الكتاب
وقال شيخ الإسلام قدَّسَ اللَّه روحهُ:
قسم الله من ذمه من أهل الكتاب إلى مُحَرِّفين وأمِّييّن، حيث يقول: { أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنا قَلِيلا فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } 1.
وفى هذا عبرة لمن ركب سُنَّتَهم من أمتنا؛ فإن المنحرفين في نصوص الكتاب والسنة كالصفات ونحوها من الأخبار والأوامر قوم يحرفونه إما لفظا وإما معنى، وهم النافون لما أثبته الرسول ﷺ جحودا وتعطيلا، ويدعون أن هذا موجب العقل الصريح القاضى على السمع.
وقوم لا يزيدون على تلاوة النصوص لا يفقهون معناها، ويدعون أن هذا موجب السمع الذي كان عليه السلف، وأن الله لم يرد من عباده فهم هذه النصوص، فهم { لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ } 2، أي تلاوة { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } 3.
ثم يصنف أقوام علوما يقولون: إنها دينية، وإن النصوص دلت عليها والعقل، وهى دين الله مع مخالفتها لكتاب الله، فهؤلاء الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون: هو من عند الله بوجه من الوجوه.
فتدبر كيف اشتملت هذه الآيات على الأصناف الثلاثة، وقوله في صفة أولئك: { أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ } 4، حال من يكتم النصوص التي يحتج بها منازعه، حتى إن منهم من يمنع من رواية الأحاديث المأثورة عن الرسول ﷺ، ولو أمكنهم كتمان القرآن لكتموه، لكنهم يكتمون منه وجوه دلالته من العلوم المستنبطة منه، ويعوضون الناس عن ذلك بما يكتبونه بأيديهم ويضيفونه إلى أنه من عند الله.
هامش