مجموع الفتاوى/المجلد الرابع عشر/سورة الفاتحة
سورة الفاتحة
قال الله عز وجل في أول السورة: { الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين } فبدأ بهذين الاسمين: الله، والرب.
والله هو الإله المعبود، فهذا الاسم أحق بالعبادة؛ ولهذا يقال: الله أكبر، الحمد لله، سبحان الله لا إله إلا الله.
والرب هو المربي الخالق الرازق الناصر الهادي. وهذا الاسم أحق باسم الاستعانة والمسألة؛ ولهذا يقال: { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ } 1، { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } 2، { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي } 3، { ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا } 4، { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } 5، فعامة المسألة والاستعانة المشروعة باسم الرب.
فالاسم الأول يتضمن غاية العبد ومصيره ومنتهاه، وما خلق له، وما فيه صلاحه وكماله، وهو عبادة الله، والاسم الثاني يتضمن خلق العبد ومبتداه، وهو أنه يربه ويتولاه مع أن الثاني يدخل في الأول دخول الربوبية في الإلهية، والربوبية تستلزم الألوهية أيضا، والاسم "الرحمن" يتضمن كمال التعلقين، وبوصف الحالين فيه تتم سعادته في دنياه وأخراه.
ولهذا قال تعالى: { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ } 6، فذكر هنا الأسماء الثلاثة: "الرحمن" و "ربي" و "الإله"، وقال: { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ } كما ذكر الأسماء الثلاثة في أم القرآن، لكن بدأ هناك باسم الله؛ ولهذا بدأ في السورة ب { إيَّاكّ نّعًبٍد } فقدم الاسم وما يتعلق به من العبادة؛ لأن تلك السورة فاتحة الكتاب وأم القرآن، فقدم فيها المقصود الذي هو العلة الغائية، فإنها علة فاعلىة للعلة الغائية. وقد بسطت هذا المعنى في مواضع؛ في أول التفسير وفى قاعدة المحبة والإرادة وفي غير ذلك.
- فصل في تفصيل حاجة الناس إلى الرب تبارك وتعالى
- فصل في بيان أن الإنسان وجميع المخلوقات عباد لله
- فصل في بيان أنه لا غنى عن الله تبارك وتعالى
- فصل في بيان ما يصلح العباد من الأوامر والنواهي
- فصل في ضرورة اقتفاء الصراط المستقيم
هامش