السيرة الحلبية/ذكر كتابه إلى كسرى ملك فارس على يد عبد الله بن حذافة
أي لأنه كان يتردد عليه كثيرا
بعث رسول الله ﷺ عبد الله بن حذافة السهمي، وقيل أخاه خنيسا، وقيل أخاه خارجة، وقيل شجاع بن وهب، وقيل عمر بن الخطاب إلى كسرى، وبعث معه كتابا مختوما فيه «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، أدعوك بدعاية الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، أسلم تسلم، فإن أبيت فعليك إثم المجوس» أي الذين هم أتباعك. قال عبد الله بن حذافة : فأتيت إلى بابه وطلبت الإذن عليه حتى وصلت إليه، فدفعت إليه كتاب رسول الله، فقرىء عليه، فأخذه ومزقه.
أي وفي رواية: «أن كسرى لما علم بكتاب رسول الله، فأذن بحامل الكتاب أن يدخل عليه، فلما وصل أمر كسرى أن يقبض منه الكتاب، فقال: لا، حتى أدفعه إليك كما أمرني رسول الله، فقال كسرى ادنه، فدنا فناولته الكتاب، فدعا من يقرؤه، فقرأه فإذا فيه: من محمد رسول الله ﷺ إلى كسرى عظيم فارس، فأغضبه حين بدأ رسول الله ﷺ بنفسه وصاح ومزق الكتاب قبل أن يعلم ما فيه، وأمر بإخراج حامل ذلك الكتاب فأخرج، فلما رأى ذلك قعد على راحلته وسار، فلما ذهب عن كسرى سورة غضبه، بعث فطلب حامل الكتاب فلم يجده، فلما وصل إليه وأخبره الخبر قال: مزق كسرى ملكه».
وكتب كسرى إلى بعض أمرائه باليمن يقال له باذان: إنه بلغني أن رجلا من قريش خرج بمكة يزعم أنه نبي، فسر إليه فاستتبه، فإن تاب وإلا فابعث إليّ برأسه، يكتب إليّ هذا الكتاب: أي الذي بدأ فيه بنفسه وهو عبدي، أي وفي رواية: إن تكفيني رجلا خرج بأرضك يدعوني إلى دينه وإلا فعلت فيك كذا يتوعده، فابعث إليه برجلين جلدين فيأتياني به، فبعث باذان بكتاب كسرى إلى النبي ﷺ مع قهرمانه، وبعث معه رجلا آخر من الفرس، وبعث معهما إلى رسول الله ﷺ يأمره أن ينصرف معهما إلى كسرى، فخرجا وقدما الطائف، فوجدا رجلا من قريش في أرض الطائف. فسألاه عنه، فقال: هو بالمدينة. فلما قدما عليه المدينة قالا له: شاهنشاه ملك الملوك كسرى بعث إلى الملك باذان يأمره أن يبعث إليك من يأتي بك، وقد بعثنا إليك فإن أبيت هلكت وأهلكت قومك وخربت بلادك، وكانا على زي الفرس من حلق لحاهم وإعفاء شواربهم، فكره النظر إليهما، ثم قال لهما: ويلكما، من أمركما بهذا؟ قالا: أمرنا ربنا، يعنيان كسرى، فقال رسول الله ﷺ: ولكن أمرني ربي بإعفاء لحيتي وقص شاربي، ثم قال لهما: ارجعا حتى تأتياني غدا، وأتى رسول الله ﷺ الخبر من السماء بأن الله قد سلط على كسرى ابنه يقتله في شهر كذا في ليلة كذا، فلما كان الغد دعاهما وأخبرهما الخبر، وكتب رسول الله ﷺ إلى باذان: إن الله قد وعدني أن يقتل كسرى يوم كذا من شهر كذا. فلما أتى الكتاب باذان توقف، وقال إن كان نبيا فسيكون ما قال، فقتل الله كسرى في اليوم الذي قال رسول الله ﷺ على يد ولده شيرويه، قيل قتله ليلا بعد ما مضى من الليل سبع ساعات فيكون المراد باليوم في تلك الرواية مجرد الوقت: أي وفي رواية: قال لرسول باذان: اذهب إلى صاحبك وقل له إن ربي قد قتل ربك الليلة، ثم جاء الخبر بأن كسرى قتل تلك الليلة فكان كما أخبر، فلما جاءه هلاك كسرى قال: «لعن الله كسرى، أول الناس هلاكا فارس ثم العرب».
وعن جابر بن سمرة أنه قال: «لتفتحن عصابة من المسلمين أو المؤمنين أو رهط من أمتي كنوز كسرى التي في القصر الأبيض» فكنت أنا وأبي فيهم، وأصبنا من ذلك ألف درهم وقدم على باذان كتاب ولد كسرى شيرويه، فيه: أما بعد، فقد قتلت كسرى ولم أقتله إلا غضبا لفارس فإنه قتل أشرافهم. فتفرق الناس، فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن قبلك، وانظر الرجل الذي كان كسرى يكتب إليك فيه فلا تزعجه حتى يأتيك أمري فيه، فبعث باذان بإسلامه وإسلام من معه إلى رسول الله، هذا.
وفي رواية أنه قيل له: إن كسرى قد استخلف ابنته. فقال: «لا يفلح قوم تملكهم امرأة».