مجموع الفتاوى/المجلد السادس عشر/فصل في تفسير قوله تعالى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى
فصل في تفسير قوله تعالى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى
[عدل]قوله: { الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى } 1. العطف يقتضي اشتراك المعطوف والمعطوف عليه فيما ذكر وأن بينهما مغايرة إما في الذات وإما في الصفات.
وهو في الذات كثير، كقوله: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا } 2.
وأما في الصفات فمثل هذه الآية. فإن الذي خلق فسوى هو الذي قدر فهدى، لكن هذا الاسم والصفة ليس هو ذاك الاسم والصفة، ومثله قوله: { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ } 3، ومثله قوله: { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ } إلى قوله: { والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } 4، وقوله: { لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } 5، وقوله: { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ } 6، وقوله: { إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ } الآيات 7.
وقوله: { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } الآيات 8، فإنه من صدق وصبر ولم يسلم ولم يؤمن لم يكن ممن أعد الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا.
وكثيرًا ما تأتى الصفات بلا عطف، كقوله: { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ } 9، وقوله: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ } 10.
وقد تجيء خبرًا بعد خبر، كقوله: { وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } 11. ولو كان "فعال" صفة، لكان معرفًا، بل هو خبر بعد خبر. وقوله: { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ } 12، خبر بعد خبر، لكن بالعطف بكل من الصفات.
وأخبار المبتدأ قد تجيء بعطف وبغير عطف. وإذا ذكر بالعطف كان كل اسم مستقلا بالذكر، وبلا عطف يكون الثاني من تمام الأول بمعنى. ومع العطف لا تكون الصفات إلا للمدح والثناء، أو للمدح، وأما بلا عطف فهو في النكرات للتمييز، وفي المعارف قد يكون للتوضيح.
و { الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى } 13، وُصِفَ بكل صفة من هذه الصفات، ومُدِح بها، وأُثْنِىَ عليه بها. وكانت كل صفة من هذه الصفات مستوجبة لذلك.
هامش
- ↑ [الأعلى: 2، 3]
- ↑ [الحج: 17]
- ↑ [الحديد: 3]
- ↑ [البقرة: 3، 4]
- ↑ [النساء: 162]
- ↑ [المؤمنون: 1 3]
- ↑ [المعارج: 22 24]
- ↑ [الأحزاب: 35]
- ↑ [الحشر: 23]
- ↑ [الناس: 1 3]
- ↑ [البروج: 14 16]
- ↑ [الحديد: 3]
- ↑ [الأعلى: 2 - 4]