مجموع الفتاوى/المجلد السادس عشر/سئل رحمه الله عن قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا
سئل رحمه الله عن قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا
[عدل]وَسُئِلَ رحمَهُ الله عن قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا } 1 هل هذا اسم رجل كان علي عهد النبي ﷺ أم لا؟ وإيش معنى قوله: { نَّصُوحًا }؟
فأجاب:
الحمد لله، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم: التوبة النصوح: أن يتوب من الذنب ثم لا يعود إليه، و"نصوح" هي صفة للتوبة، وهي مشتقة من النصح والنصيحة.
وأصل ذلك هو الخُلُوص. يقال: فلان ينصح لفلان، إذا كان يريد له الخير إرادة خالصة لا غش فيها، وفلان يغشه، إذا كان باطنه يريد السوء، وهو يظهر إرادة الخير كالدرهم المغشوش، ومنه قوله تعالى: { لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ } 2 أي: أخلصوا لله ورسوله قَصْدَهم وحبَّهم. ومنه قوله ﷺ في الحديث الصحيح: «الدين النصيحة، ثلاثا» قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم».
فإن أصل الدين هو حُسْن النية، وإخلاص القصد؛ ولهذا قال ﷺ: «ثلاث لايغِلُّ عليهن قلبُ مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم، تحيط من ورائهم» أي: هذه الخصال الثلاث لايحقد عليها قلب مسلم بل يحبها ويرضاها.
فالتوبة النصوح: هي الخالصة من كل غش، وإذا كانت كذلك كائنة فإن العبد إنما يعود إلى الذنب لبقايا في نفسه، فمن خرج من قلبه الشبهة والشهوة لم يعد إلى الذنب، فهذه التوبة النصوح، وهي واجبة بما أمر الله تعالى، ولو تاب العبد ثم عاد إلى الذنب، قَبِلَ الله توبته الأولي، ثم إذا عاد استحق العقوبة، فإن تاب، تاب الله عليه أيضا. ولايجوز للمسلم إذا تاب، ثم عاد أن يصِرَّ، بل يتوب، ولو عاد في اليوم مائة مرة، فقد روي الإمام أحمد في مسنده، عن علي، عن النبي ﷺ أنه قال: «إن الله يحب العبد المفتَّن التواب»، وفي حديث آخر: «لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار»، وفي حديث آخر: «ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم مائة مرة».
ومن قال من الجهال: إن نصوح اسم رجل كان على عهد النبي ﷺ، أُمِر الناس أن يتوبوا كتوبته، فهذا رجل مفتر كذاب، جاهل بالحديث والتفسير، جاهل باللغة ومعاني القرآن، فإن هذا امرؤ لم يخلقه الله تعالى، ولا كان في المتقدمين أحد اسمه نصوح، ولا ذكر هذه القصة أحد من أهل العلم، ولو كان كما زعم الجاهل، لقيل: توبوا إلى الله تَوْبةَ نصوح، وإنما قال: { تَوْبَةً نَّصُوحًا } والنصوح: هو التائب. ومن قال: إن المراد بهذه الآية رجل، أو امرأة اسمه نصوح، وإن كان علي عهد عيسى أو غيره، فإنه كاذب، يجب أن يتوب من هذه، فإن لم يتب وجبت عقوبته بإجماع المسلمين. والله أعلم.
هامش