البداية والنهاية/الجزء التاسع/فأما الحسن بن أبي الحسن
فاسم أبيه يسار، وأبرد هو: أبو سعيد البصري مولى زيد بن ثابت، ويقال: مولى جابر بن عبد الله، وقيل: غير ذلك، وأمه: خيرة مولاة لأم سلمة، كانت تخدمها وربما أرسلتها في الحاجة فتشتغل عن ولدها الحسن وهو رضيع، فتشاغله أم سلمة بثدييها فيدران عليه فيرتضع منهما، فكانوا يرون أن تلك الحكمة والعلوم التي أوتيها الحسن من بركة تلك الرضاعة من الثدي المنسوب إلى رسول الله ﷺ، ثم كان وهو صغير تخرجه أمه إلى الصحابة فيدعون له.
وكان في جملة من يدعو له عمر بن الخطاب، قال: اللهم فقهه في الدين وحببه إلى الناس.
وسئل مرة أنس بن مالك عن مسألة فقال: سلوا عنها مولانا الحسن، فإنه سمع وسمعنا، فحفظ ونسينا.
وقال أنس مرة: إني لأغبط أهل البصرة بهذين الشيخين - الحسن وابن سيرين -.
وقال قتادة: ما جالست رجلا فقيها إلا رأيت فضل الحسن عليه.
وقال أيضا: ما رأت عيناي أفقه من الحسن.
وقال أيوب: كان الرجل يجالس الحسن ثلاث حجج ما يسأله عن مسألة هيبة له.
وقال الشعبي لرجل يريد قدوم البصرة: إذا نظرت إلى رجل أجمل أهل البصرة وأهيبهم فهو الحسن، فأقرأه مني السلام.
وقال يونس بن عبيد: كان الرجل إذا نظر إلى الحسن أنتفع به وإن لم ير عمله ولم يسمع كلامه.
وقال الأعمش: ما زال الحسن يعي الحكمة حتى نطق بها.
وكان أبو جعفر إذا ذكره يقول: ذاك الذي يشبه كلامه كلام الأنبياء.
وقال محمد بن سعد: قالوا: كان الحسن جامعا للعلم والعمل، عالما رفيعا فقيها مأمونا عابدا زاهدا ناسكا كثير العلم والعمل فصيحا جميلا وسيما.
وقدم مكة فأجلس على سرير، وجلس العلماء حوله، واجتمع الناس إليه فحدثهم.
قال أهل التاريخ: مات الحسن عن ثمان و ثمانين سنة، عام عشر ومائة، في رجب منها، بينه وبين محمد بن سيرين مائة يوم.