البداية والنهاية/الجزء التاسع/ذكر الساعات التي على بابه
قال القاضي عبد الله بن أحمد بن زبر: إنما سمي باب الجامع القبلي باب الساعات لأنه عمل هناك بلشكار الساعات، كان يعمل بها كل ساعة تمضي من النهار، عليها عصافير من نحاس، وحية من نحاس وغراب، فإذا تمت الساعة خرجت الحية، فصفرت العصافير، وصاح الغراب، وسقطت حصاة في الطست، فيعلم الناس أنه قد ذهب من النهار ساعة، وكذلك سائرها.
قلت: هذا يحتمل أحد شيئين: إما أن تكون الساعات كانت في الباب القبلي من الجامع، وهو الذي يسمى باب الزيادة، ولكن قد قيل: إنه محدث بعد بناء الجامع، ولا ينفي ذلك أن الساعات كانت عنده في زمن القاضي ابن زبر، وإما أنه قد كان في الجامع في الجانب الشرقي منه في الحائط القبلي باب آخر في محاكاة باب الزيادة، وعنده الساعات ثم نقلت بعد هذا كله إلى باب الوراقين اليوم، وهو باب الجامع من الشرق، والله أعلم.
قلت: باب الوراقين قبلي أيضا، فيضاف إلى الجمع نسبة إلى من يدخل منه إلى الجامع الله أعلم، أو لمجارته للجامع ولبابه.
قلت: فأما القبة التي في وسط صحن الجامع التي فيها الماء الجاري، ويقول العامة لها قبة أبي نواس فكان بناؤها في سنة تسع وستين وثلاثمائة أرخ ذلك ابن عساكر عن خط بعض الدماشقة.
وأما القبة الغربية العالية التي في صحن الجامع التي يقال لها قبة عائشة، فسمعت شيخنا الذهبي يقول: إنها إنما بنيت في حدود سنة ستين ومائة في أيام المهدي بن منصور العباسي، وجعلوها لحواصل الجامع وكتب أوقافه، وأما القبة الشرقية التي على باب مسجد علي فيقال: إنها بنيت في زمن الحاكم العبيدي في حدود سنة أربع ومائة.
وأما الفوارة التي تحت درج جيرون فعملها الشريف فخر الدولة أبو علي حمزة بن الحسن بن العباس الحسني، وكأنه كان ناظرا بالجامع وجر إليها قطعة من حجر كبير من قصر حجاج، وأجرى منها الماء ليلة الجمعة لسبع ليال خلون من ربيع الأول سنة سبع عشرة وأربعمائة وعملت حولها قناطر، وعقد عليها قبة، ثم سقطت القبة بسبب جمال تحاكت عندها وازدحمت، وذلك في صفر سنة سبع وخمسين وأربعمائة، فأعيدت ثم سقطت أعمدتها وما عليها من حريق اللبادين والحجارة في شوال سنة اثنتين وستين وخمسمائة، ذكر ذلك كله الحافظ ابن عساكر.
قلت: وأما القصعة التي كانت في الفوارة، فما زالت وسطها، وقد أدركتها كذلك، ثم رفعت بعد ذلك.
وكان بطهارة جيرون قصعة أخرى مثلها، فلم تزل بها إلى أن تهدمت اللبادين بسبب حريق النصارى في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، ثم استؤنف بناء الطهارة على وجه آخر أحسن مما كانت، وذهبت تلك القصعة فلم يبق لها أثر، ثم عمل الشاذروان الذي شرقي فوارة جيرون، بعد الخمسمائة - أظنه - سنة أربع عشرة وخمسمائة، والله سبحانه وتعالى أعلم.