البداية والنهاية/الجزء الثالث عشر/ثم دخلت سنة ثنتين وتسعين وستمائة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



ثم دخلت سنة ثنتين وتسعين وستمائة


في تاريخ ظهير الدين الكازروني ظهرت نار بأرض المدينة النبوية في هذه السنة، نظير ما كان في سنة أربع وخمسين على صفتها، إلا أن هذه النار كان يعلو لهيبها كثيرا، وكان تحرق الصخر ولا تحرق السعف، واستمرت ثلاثة أيام.

استهلت هذه السنة والخليفة الحاكم العباسي وسلطان البلاد الملك الأشرف بن المنصور ونائبه بمصر بدر الدين بيدرا، وبالشام عز الدين أيبك الحموي، وقضاة مصر والشام هم الذين كانوا في التي قبلها، والوزير شمس الدين بن السلعوس.

وفي جمادى الآخرة قدم الأشرف دمشق فنزل في القصر الأبلق والميدان الأخضر، وجهز الجيوش وتهيأ لغزو بلاد سيس، وقدم في غضون ذلك رسل صاحب بلاد سيس يطلبون الصلح، فشفع الأمراء فيهم فسلموا بهسنا وتل حمدون ومرعش، وهي أكبر بلادهم وأحسنها وأحصنها، وهي في فم الدربند.

ثم ركب السلطان في ثاني رجب نحو سلمية بأكثر الجيش صورة، أنه يريد أن يصيب الأمير حسام الدين لاجين، فأضافه الأمير مهنا بن عيسى، فلما انقضت الضيافة أمسك له حسام الدين لاجين، وكان عنده، فجاءه به فسجنه في قلعة دمشق، وأمسك مهنا بن عيسى، وولى مكانه محمد بن علي بن حديثة، ثم أرسل السلطان جمهور الجيش بين يديه إلى الديار المصرية صحبة نائبه بيدرا، ووزيره ابن السلعوس، وتأخر هو في خاصكيته ثم لحقهم.

وفي المحرم منها حكم القاضي حسام الدين الرازي الحنفي، بالتشريك بين العلويين والجعفرين في الدباغة، التي كانوا يتنازعونها من مدة مائتي سنة، وكان ذلك يوم الثلاثاء سادس عشرين المحرم، بدار العدل، ولم يوافقه ابن الخويي ولا غيره، وحكم للاعناكيين بصحة نسبهم إلى جعفر الطيار.

وفيها: رسم الأشرف بتخريب قلعة الشوبك فهدمت، وكانت من أحصن القلاع وأمنعها وأنفعها، وإنما خربها عن رأي عتبة العقبى، ولم ينصح للسلطان فيها ولا للمسلمين، لأنها كانت شجىً في حلوق الأعراب الذين هناك.

وفيها: أرسل السلطان الأمير علم الدين الدويداري إلى صاحب القسطنطينية وإلى أولاد بركة ومع الرسول تحفا كثيرة جدا، فلم يتفق خروجه حتى قتل السلطان فعاد إلى دمشق.

وفي عاشر جمادى الأولى درّس القاضي إمام الدين القزويني بالطاهرية البرانية، وحضر عنده القضاة والأعيان.

وفي الثاني والعشرين من ذي الحجة يوم الاثنين طهر الملك الأشرف أخاه الملك الناصر محمد وابن أخيه الملك المعظم مظفر الدين موسى بن الصالح علي بن المنصور، وعمل مهم عظيم ولعب الأشرف بالقبق وتمت لهم فرحة هائلة، كانت كالوداع لسلطنته من الدنيا.

وفي أول المحرم درّس الشيخ شمس الدين بن غانم بالعصرونية، وفي مستهل صفر درّس الشيخ كمال الدين بن الزملكاني بالرواحية، عوضا عن نجم الدين بن مكي بحكم انتقاله إلى حلب وإعراضه عن المدرسة المذكورة، ودخل الركب الشامي في آخر صفر.

وكان ممن حج في هذه السنة الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله، وكان أميرهم الباسطي ونالهم في معان ريح شديدة جدا مات بسببها جماعة، وحملت الريح جمالا عن أماكنها، وطارت العمائم عن الرؤوس، واشتغل كل أحد بنفسه.

وفي صفر منها: وقع بدمشق برد عظيم أفسد شيئا كثيرا من المغلات بحيث بيع القمح كل عشرة أواق بدرهم، ومات شيء كثير من الدواب، وفيه زلزلت ناحية الكرك، وسقط من تلفيتا أماكن كثيرة.

من الأعيان:

الشيخ الأرموي الشيخ الصالح القدوة العارف أبو إسحاق إبراهيم

بن الشيخ الصالح أبي محمد عبد الله بن يوسف بن يونس بن إبراهيم بن سلمان الأرموي، المقيم بزاويته بسفح قاسيون، كان فيه عبادة وانقطاع وله أوراد وأذكار، وكان محببا إلى الناس، توفي بالمحرم ودفن عند والده بالسفح.

ابن الأعمى صاحب المقامة

الشيخ ظهير الدين محمد بن المبارك بن سالم بن أبي الغنائم الدمشقي المعروف بابن الأعمى، ولد سنة عشرة وستمائة، وسمع الحديث، وكان فاضلا بارعا، له قصائد يمتدح بها رسول الله ، سماها الشفعية، عدد كل قصيدة اثنان وعشرون بيتا.

قال البرزالي: سمعته وله المقامة البحرية المشهورة، توفي في المحرم ودفن بالصوفية.

الملك الزاهر مجير الدين أبو سليمان

داود بن الملك المجاهد أسد الدين شيركوه صاحب حمص ابن ناصر الدين محمد بن الملك المعظم، توفي ببستانه عن ثمانين سنة، وصلّي عليه بالجامع المظفري، ودفن بتربته بالسفح، وكان دينا كثير الصلاة في الجامع، وله إجازة من المؤيد الطوسي وزينب الشعرية وأبي روح وغيرهم.

توفي في جمادى الآخرة.

الشيخ تقي الدين الواسطي أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد بن فضل الواسطي ثم الدمشقي الحنبلي

شيخ الحديث بالظاهرية بدمشق، توفي يوم الجمعة آخر النهار رابع عشرين جمادى الآخرة عن تسعين سنة، وكان رجلا صالحا عابدا، تفرد بعلو الرواية، ولم يخلف بعده مثله، وقد تفقه ببغداد، ثم رحل إلى الشام، ودرس بالصالحية مدة عشرين سنة، وبمدرسة أبي عمر، وولي في آخر عمره مشيخة الحديث بالظاهرية بعد سفر الفاروثي.

وكان داعية إلى مذهب السلف والصدر الأول، وكان يعود المرضى ويشهد الجنائز ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وكان من خيار عباد الله تعالى رحمه الله.

وقد درّس بعده بالصالحية الشيخ شمس الدين محمد بن عبد القوى المرداوي، وبدار الحديث الظاهرية شرف الدين عمر بن خواجا إمام الجامع المعروف بالناصح.

ابن صاحب حماة الملك الأفضل نور الدين علي بن الملك المظفر

تقي الدين محمود بن الملك المنصور محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب، توفي بدمشق وصلي عليه بجامعها، وخرج به من باب الفراديس محمولا إلى مدينة أبيه وتربتهم بها، وهو والد الأميرين الكبيرين بدر الدين حسن وعماد الدين إسماعيل الذي تملك حماة بعد مدة.

ابن عبد الظاهر محيي الدين عبد الله بن رشيد الدين عبد الظاهر بن نشوان بن عبد الظاهر بن علي بن نجدة السعدي

كاتب الإنشاء بالديار المصرية، وآخر من برز في هذا الفن على أهل زمانه، وسبق سائر أقرانه، وهو والد الصاحب فتح الدين النديم، وقد تقدم ذكر وفاته قبل والده، وقد كانت له مصنفات منها سيرة الملك الظاهر، وكان ذا مروءة، وله النظم الفائق والنثر الرائق.

توفي يوم الثلاثاء رابع رجب، وقد جاوز السبعين، ودفن بتربته التي أنشاها بالقرافة.

الأمير علم الدين سنجر الحلبي

الذي كان نائب قطز على دمشق، فلما جاءته بيعة الظاهر دعا لنفسه فبويع، وتسمى بالملك المجاهد، ثم حوصر وهرب إلى بعلبك فحوصر فأجاب إلى خدمة الظاهر فسجنه مدة وأطلقه وسجنه المنصور مدة وأطلقه الأشرف، واحترمه وأكرمه، بلغ الثمانين سنة وتوفي في هذه السنة.

البداية والنهاية - الجزء الثالث عشر
589 | 590 | 591 | 592 | 593 | 594 | 595 | 596 | 597 | 598 | 599 | 600 | 601 | 602 | 603 | 604 | 605 | 606 | 607 | 608 | 609 | 610 | 611 | 612 | 613 | 614 | 615 | 616 | 617 | 618 | 619 | 620 | 621 | 622 | 623 | 624 | 625 | 626 | 627 | 628 | 629 | 630 | 631 | 632 | 633 | 634 | 635 | 636 | 637 | 638 | 639 | 640 | 641 | 642 | 643 | 644 | 645 | 646 | 647 | 648 | 649 | 650 | 651 | 652 | 653 | 654 | 655 | 656 | 657 | 658 | 659 | 660 | 661 | 662 | 663 | 664 | 665 | 666 | 667 | 668 | 669 | 670 | 671 | 672 | 673 | 674 | 675 | 676 | 677 | 678 | 679 | 680 | 681 | 682 | 683 | 684 | 685 | 686 | 687 | 688 | 689 | 690 | 691 | 692 | 693 | 694 | 695 | 696 | 697