البداية والنهاية/الجزء الثالث عشر/ثم دخلت سنة أربع وستين وستمائة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



ثم دخلت سنة أربع وستين وستمائة


استهلت والخليفة الحاكم العباسي والسلطان الملك الظاهر وقضاة مصر أربعة.

وفيها: جعل بدمشق أربعة قضاة من كل مذهب قاض كما فعل بمصر عام أول، ونائب الشام آقوش النجيبي، وكان قاضي قضاة الشافعية ابن خلكان، والحنفية شمس الدين عبد الله بن محمد بن عطا، والحنابلة شمس الدين عبد الرحمن ابن الشيخ أبي عمر، والمالكية عبد السلام بن الزواوي، وقد امتنع من الولاية فألزم بها حتى قبل ثم عزل نفسه، ثم ألزم بها فقبل بشرط أن لا يباشر أوقافا ولا يأخذ جامكية على أحكامه.

وقال: نحن في كفاية فأعفى من ذلك أيضا رحمهم الله. وقد كان هذا الصنيع الذي لم يسبق إلى مثله قد فعل في العام الأول بمصر كما تقدم، واستقرت الأحوال على هذا المنوال.

وفيها: كمل عمارة الحوض الذي شرقي قناة باب البريد وعمل له شاذروان وقبة وأنابيب يجري منها الماء إلى جانب الدرج الشمالية.

وفيها: نازل ا لظاهر صفد واستدعى بالمنجانيق من دمشق وأحاط بها ولم يزل حتى افتتحها، ونزل أهلها على حكمه، فتسلم البلد في يوم الجمعة ثامن عشر شوال، وقتل المقاتلة وسبى الذرية، وقد افتتحها الملك صلاح الدين يوسف بن أيوب في شوال أيضا في أربع وثمانين وخمسمائة، ثم استعادها الفرنج فانتزعها الظاهر منهم قهرا في هذه السنة ولله الحمد.

وكان السلطان الظاهر في نفسه منهم شيء كثير فلما توجه إلى فتحها طلبوا الأمان، فأجلس على سرير مملكته الأمير سيف الدين كرمون التتري، وجاءت رسلهم فخلعوه وانصرفوا ولا يشعرون أن الذي أعطاهم العهود بالأمان إنما هو الأمير الذي أجلسه على السرير والحرب خدعة.

فلما خرجت الاسبتارية والداوية من القلعة وقد فعلوا بالمسلمين الأفاعيل القبيحة، فأمكن الله منهم فأمر السلطان بضرب رقابهم عن آخرهم، وجاءت البريدية إلى البلاد بذلك، فدقت البشائر وزينت البلاد، ثم بث السرايا يمينا وشمالا في بلاد الفرنج فاستولى المسلمون على حصون كثيرة تقارب عشرين حصنا، وأسروا قريبا من ألف أسير ما بين امرأة وصبي، وغنموا شيئا كثيرا.

وفيها: قدم ولد الخليفة المستعصم بن المستنصر من الأسر واسمه علي، فأكرم وأنزل بالدار الأسدية تجاه العزيزية، وقد كان أسيرا في أيدي التتار، فلما كسرهم بركه خان تخلص من أيديهم وسار إلى دمشق.

ولما فتح السلطان صفدا أخبره بعض من كان فيها من أسرى المسلمين أن سبب أسرهم أن أهل قرية فأرا كانوا يأخذونهم فيحملونهم إلى الفرنج فيبيعونهم منهم، فعند ذلك ركب السلطان قاصدا فأرا فأوقع بهم بأسا شديدا وقتل منهم خلقا كثيرا، وأسر من أبنائهم ونسائهم أخذا بثأر المسلمين جزاه الله خيرا.

ثم أرسل السلطان جيشا هائلا إلى بلاد سيس، فجاسوا خلال الديار وفتحوا سيس عنوة وأسروا ابن ملكها وقتلوا أخاه ونهبوها، وقتلوا أهلها وأخذوا بثار الإسلام وأهله منهم، وذلك أنهم كانوا أضر شيء على المسلمين زمن التتار، لما أخذوا مدينة حلب وغيرها أسروا من نساء المسلمين وأطفالهم خلقا كثيرا.

ثم كانوا بعد ذلك يغيرون على بلاد المسلمين في زمن هولاكو فكبته الله وأهانه على يدي أنصار الإسلام، هو وأميره كتبغا، وكان وأخذ سيس يوم الثلاثاء العشرين من ذي القعدة من هذه السنة، وجاءت الأخبار بذلك إلى البلاد وضربت البشائر.

وفي الخامس والعشرين من ذي الحجة دخل السلطان وبين يديه ابن صاحب سيس وجماعة من ملوك الأرمن أسارى أذلاء صغرة، والعساكر صحبته وكان يوما مشهودا.

ثم سار إلى مصر مؤيدا منصورا، وطلب صاحب سيس أن يفادي ولده، فقال السلطان لا نفاديه إلا بأسير لنا عند التتار يقال له سنقر الأشقر، فذهب صاحب سيس إلى ملك التتر فتذلل له وتمسكن وخضع له، حتى أطلقه له، فلما وصل سنقر الأشقر إلى السلطان أطلق ابن صاحب سيس.

وفيها: عمر الظاهر الجسر المشهور بين قرارا ودامية، تولى عمارته الأمير جمال الذين محمد بن بهادر وبدر الدين محمد بن رحال والي نابلس والأغوار، ولما تم بناؤه اضطرب بعض أركانه فقلق السلطان من ذلك وأمر بتأكيده فلم يستطيعوا من قوة جري الماء حينئذ.

فاتفق بإذن الله أن انسالت على النهر أكمة من تلك الناحية، فسكن الماء بمقدار أن أصلحوا ما يريدون، ثم عاد الماء كما كان وذلك بتيسير الله وعونه وعنايته العظيمة.

وفيها توفي من الأعيان:

أيد غدي بن عبد الله

الأمير جمال الدين العزيزي، كان من أكابر الأمراء وأحظاهم عند الملك الظاهر، لا يكاد الظاهر يخرج عن رأيه، وهو الذي أشار عليه بولاية القضاة من كل مذهب قاض على سبيل الاستقلال وكان متواضعا لا يلبس محرما، كريما وقورا رئيسا معظما في الدولة، أصابته جراحة في حصار صفد فلم يزل مريضا منها حتى مات ليلة عرفة، ودفن بالرباط الناصري بسفح قاسيون من صلاحية دمشق رحمه الله.

هولاكو خان بن تولي خان بن جنكيز خان

ملك التتار ابن ملك التتار، وهو والد ملوكهم، والعامة يقولون هولاوون مثل قلاوون، وقد كان هولاكو ملكا جبارا فاجرا كفارا لعنه الله.

قتل من المسلمين شرقا وغربا ما لا يعلم عددهم إلا الذي خلقهم وسيجازيه على ذلك شر الجزاء، كان لا يتقيد بدين من الأديان، وإنما كانت زوجته ظفر خاتون قد تنصرت وكانت تفضل النصارى على سائر الخلق، وكان هو يترامى على محبة المعقولات، ولا يتصور منها شيئا، وكان أهلها من أفراخ الفلاسفة لهم عنده وجاهة ومكانة، وإنما كانت همته في تدبير مملكته وتملك البلاد شيئا فشيئا، حتى أباده الله في هذه السنة.

وقيل في سنة ثلاث وستين ودفن في مدينة تلا، لا رحمه الله، وقام في الملك من بعده ولده أبغا خان وكان أبغا أحد إخوة عشرة ذكور، والله سبحانه أعلم وهو حسبنا ونعم الوكيل.

البداية والنهاية - الجزء الثالث عشر
589 | 590 | 591 | 592 | 593 | 594 | 595 | 596 | 597 | 598 | 599 | 600 | 601 | 602 | 603 | 604 | 605 | 606 | 607 | 608 | 609 | 610 | 611 | 612 | 613 | 614 | 615 | 616 | 617 | 618 | 619 | 620 | 621 | 622 | 623 | 624 | 625 | 626 | 627 | 628 | 629 | 630 | 631 | 632 | 633 | 634 | 635 | 636 | 637 | 638 | 639 | 640 | 641 | 642 | 643 | 644 | 645 | 646 | 647 | 648 | 649 | 650 | 651 | 652 | 653 | 654 | 655 | 656 | 657 | 658 | 659 | 660 | 661 | 662 | 663 | 664 | 665 | 666 | 667 | 668 | 669 | 670 | 671 | 672 | 673 | 674 | 675 | 676 | 677 | 678 | 679 | 680 | 681 | 682 | 683 | 684 | 685 | 686 | 687 | 688 | 689 | 690 | 691 | 692 | 693 | 694 | 695 | 696 | 697