البداية والنهاية/الجزء الثالث عشر/ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين وستمائة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين وستمائة


في صفر منها قدم الظاهر إلى دمشق وقد بلغه أن أبغا وصل إلى بغداد فتصيد تلك الناحية، فأرسل إلى العساكر المصرية أن يتأهبوا للحضور، واستعد السلطان لذلك.

وفي جمادى الآخرة أحضر ملك الكرج لبين يديه بدمشق، وكان قد جاء متنكرا لزيارة بيت المقدس فظهر عليه فحمل إلى بين يديه فسجنه بالقلعة.

وفيها: كمل بناء جامع دير الطين ظاهر القاهرة، وصلى فيه الجمعة.

وفيها: سار السلطان إلى القاهرة فدخلها في سابع رجب.

وفي أواخر رمضان دخل الملك السعيد ابن الظاهر إلى دمشق في طائفة من الجيش، فأقام بها شهرا ثم عاد.

وفي يوم عيد الفطر ختن السلطان ولده خضرا الذي سماه باسم شيخه، وختن معه جماعة من أولاد الأمراء، وكان وقتا هائلا.

وفيها: فوض ملك التتار إلى علاء الدين صاحب الديوان ببغداد النظر في تستر وأعمالها، فسار إليها ليتصفح أحوالها فوجد بها شابا من أولاد التجار يقال له (لي)قد قرأ القرآن وشيئا من الفقه و(الإشارات)لابن سينا، ونظر في النجوم.

ثم ادعى أنه عيسى ابن مريم، وصدقه على ذلك جماعة من جهلة تلك الناحية، وقد أسقط لهم من الفرائض صلاة العصر وعشاء الآخرة، فاستحضره وسأله عن ذلك فرآه ذكيا، إنما يفعل ذلك عن قصد، فأمر به فقتل بين يديه جزاه الله خيرا، وأمر العوام فنهبوا أمتعته وأمتعة العوام ممن كان اتبعه.

من الأعيان:

مؤيد الدين أبو المعالي الصدر الرئيس

أسعد بن غالب المظفري ابن الوزير مؤيد الدين أسعد بن حمزة بن أسعد بن علي بن محمد التميمي ابن القلانسي.

جاوز التسعين وكان رئيسا كبيرا واسع النعمة، لا يغفل أن يباشر شيئا من الوظائف وقد ألزموه بعد ابن سويد بمباشرة مصالح السلطان فباشرها بلا جامكية، وكانت وفاته ببستانه، ودفن بسفح قاسيون يوم الثلاثاء ثالث عشر المحرم.

والد الصدر عز الدين حمزة رئيس البلدين دمشق والقاهرة، وحدهم مؤيد الدين أسعد بن حمزة الكبير كان وزيرا للملك الأفضل علي بن الناصر فاتح القدس، كان رئيسا فاضلا، له كتاب (الوصية في الأخلاق المرضية) وغير ذلك، وكانت له يد جيدة في النظم، فمن ذلك قوله:

يا رب جد لي إذا ما ضمني جدثي ** برحمة منك تنجيني من النار

أحسن جواري إذا أمسيت جارك في ** لحدي فإنك قد أوصيت بالجار

وأما والد حمزة بن أسعد بن علي بن محمد التميمي فهو العميد، وكان يكتب جيدا وصنف تاريخا فيما بعد سنة أربعين وأربعمائة إلى سنة وفاته في خمس وخمسمائة.

الأمير الكبير فارس الدين أقطاي

المستعربي أتابك الديار المصرية، كان أولا مملوكا لابن يمن، ثم صار مملوكا للصالح أيوب فأمره، ثم عظم شأنه في دولة المظفر وصار أتابك العساكر، فلما قتل امتدت أطماع الأمراء إلى المملكة فبايع أقطاي الملك الظاهر فتبعه الجيش على ذلك، وكان الظاهر يعرفها له ولا ينساها، ثم قبل وفاته بقليل انهضم عند الظاهر، ومات في هذه السنة بالقاهرة.

الشيخ عبد الله بن غانم ابن علي بن إبراهيم بن عساكر بن الحسين المقدسي

له زاوية بنابلس، وله أشعار رائقة، وكلام قوي في علم التصوف، وقد طول اليونيني ترجمته وأورد من أشعاره شيئا كثيرا.

قاضي القضاة كمال الدين أبو الفتح عمر بن بندار بن عمر بن علي التفليسي الشافعي

ولد بتفليس سنة إحدى وستمائة، وكان فاضلا أصوليا مناظرا، ولي نيابة الحكم مدة ثم استقل بالقضاء في دولة هلاوون - هولاكو - وكان عفيفا نزها لم يرد منصبا ولا تدريسا مع كثرة عياله وقلة ماله، ولما انقضت أيامهم تغضب عليه بعض الناس ثم ألزم بالمسير إلى القاهرة، فأقام بها يفيد الناس إلى أن توفي في ربيع الأول من هذه السنة، ودفن بالقرافة الصغرى.

إسماعيل بن إبراهيم بن شاكر بن عبد الله التنوخي

وتنوخ من قضاعة، كان صدرا كبيرا، وكتب الإنشاء للناصر داود بن المعظم، وتولى نظر المارستان النوري وغيره، وكان مشكور السيرة، وقد أثنى عليه غير واحد، وقد جاوز الثمانين، ومن شعره قوله:

خاب رجاء امرئ له أمل ** بغير رب السماء قد وصله

أيبتغي غيره أخو ثقة ** وهو ببطن الأحشاء قد كفله

وله أيضا:

خرس اللسان وكل عن ** أوصافكم ماذا يقول وأنتم ما أنتم

الأمر أعظم من مقالة قائل ** قد تاه عقل أن يعبر عنكم

العجز والتقصير وصفي دائما ** والبر والإحسان يعرف منكم

ابن مالك صاحب الألفية

الشيخ جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك أبو عبد الله الطائي الجياني النحوي، صاحب التصانيف المشهورة المفيدة، منها (الكافية الشافية) وشرحها، و(التسهيل) وشرحه، و(الألفية) التي شرحها ولده بدر الدين شرحا مفيدا.

ولد بجيان سنة ستمائة وأقام بحلب مدة، ثم بدمشق.

وكان كثير الاجتماع بابن خلكان وأثنى عليه غير واحد، وروى عنه القاضي بدر الدين بن جماعة، وأجاز لشيخنا علم الدين البرزالي.

توفي ابن مالك بدمشق ليلة الأربعاء ثاني عشر رمضان، ودفن برتبة القاضي عز الدين بن الصائغ بقاسيون.

النصير الطوسي

محمد بن عبد الله الطوسي، كان يقال له المولى نصير الدين، ويقال الخواجا نصير الدين، اشتغل في شبيبته وحصل علم الأوائل جيدا، وصنف في ذلك في علم الكلام، وشرح (الإشارات) لابن سينا، ووزر لأصحاب قلاع الألموت من الإسماعيلية، ثم وزر لهولاكو، وكان معه في واقعة بغداد، ومن الناس من يزعم أنه أشار على هولاكو خان بقتل الخليفة فالله أعلم، وعندي أن هذا لا يصدر من عاقل ولا فاضل.

وقد ذكره بعض البغاددة فأثنى عليه، وقال: كان عاقلا فاضلا كريم الأخلاق ودفن في مشهد موسى بن جعفر في سرداب كان قد أعد للخليفة الناصر لدين الله، وهو الذي كان قد بنى الرصد بمراغة، ورتب فيه الحكماء من الفلاسفة والمتكلمين والفقهاء والمحدثين والأطباء وغيرهم من أنواع الفضلاء.

وبنى له فيه قبة عظيمة، وجعل فيه كتبا كثيرة جدا، توفي في بغداد في ثاني عشر ذي الحجة من هذه السنة، وله خمس وسبعون سنة، وله شعر جيد قوي وأصل اشتغاله على المعين سالم بن بدار بن علي المصري المعتزلي المتشيع، فنزع فيه عروق كثيرة منه، حتى أفسد اعتقاده.

الشيخ سالم البرقي

صاحب الرباط بالقرافة الصغرى، كان صالحا متعبدا يقصد للزيارة والتبرك بدعائه، وله اليوم أصحاب معروفون على طريقه.

البداية والنهاية - الجزء الثالث عشر
589 | 590 | 591 | 592 | 593 | 594 | 595 | 596 | 597 | 598 | 599 | 600 | 601 | 602 | 603 | 604 | 605 | 606 | 607 | 608 | 609 | 610 | 611 | 612 | 613 | 614 | 615 | 616 | 617 | 618 | 619 | 620 | 621 | 622 | 623 | 624 | 625 | 626 | 627 | 628 | 629 | 630 | 631 | 632 | 633 | 634 | 635 | 636 | 637 | 638 | 639 | 640 | 641 | 642 | 643 | 644 | 645 | 646 | 647 | 648 | 649 | 650 | 651 | 652 | 653 | 654 | 655 | 656 | 657 | 658 | 659 | 660 | 661 | 662 | 663 | 664 | 665 | 666 | 667 | 668 | 669 | 670 | 671 | 672 | 673 | 674 | 675 | 676 | 677 | 678 | 679 | 680 | 681 | 682 | 683 | 684 | 685 | 686 | 687 | 688 | 689 | 690 | 691 | 692 | 693 | 694 | 695 | 696 | 697