انتقل إلى المحتوى

مجموع الفتاوى/المجلد الرابع/سئل عن رجل قال: إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الكبائر دون الصغائر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


سئل عن رجل قال: إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الكبائر دون الصغائر

[عدل]

سئلَ الشَّيْخُ رَحمَهُ الله عن رجل قال: إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الكبائر، دون الصغائر، فكفَّره رجل بهذه، فهل قائل ذلك مخطئ أو مصيب؟ وهل قال أحد منهم بعصمة الأنبياء مطلقًا؟ وما الصواب في ذلك؟

فَأَجَاب:

الحمد لله رب العالمين، ليس هو كافرًا باتفاق أهل الدين، ولا هذا من مسائل السب المتنازع في استتابة قائله بلا نزاع، كما صرح بذلك القاضي عياض وأمثاله مع مبالغتهم في القول بالعصمة، وفي عقوبة السَّابِّ؛ ومع هذا فهم متفقون على أن القول بمثل ذلك ليس هو من مسائل السب والعقوبة، فضلا أن يكون قائل ذلك كافرًا، أو فاسقًا؛ فإن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر، هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف، حتى إنه قول أكثر أهل الكلام، كما ذكر أبو الحسن الآمدي 1 أن هذا قول أكثر الأشعرية، وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل هو لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول، ولم ينقل عنهم ما يوافق القول. . . . 2

وإنما نقل ذلك القول في العصر المتقدم عن الرافضة، ثم عن بعض المعتزلة، ثم وافقهم عليه طائفة من المتأخرين.

وعامة ما ينقل عن جمهور العلماء، أنهم غير معصومين عن الإقرار على الصغائر ولا يقرون عليها، ولا يقولون: إنها لا تقع بحال، وأول من نقل عنهم من طوائف الأمة القول بالعصمة مطلقًا، وأعظمهم قولًا لذلك الرافضةُ، فإنهم يقولون بالعصمة حتى ما يقع على سبيل النسيان والسهو والتأويل.

وينقلون ذلك إلى من يعتقدون إمامته، وقالوا بعصمة علىّ، والاثني عشر، ثم الإسماعيلية الذين كانوا ملوك القاهرة، وكانوا يزعمون أنهم خلفاء علويون فاطميون، وهم عند أهل العلم من ذرية عُبَيد الله القَدَّاح، كانوا هم وأتباعهم يقولون بمثل هذه العصمة لأئمتهم ونحوهم، مع كونهم كما قال فيهم أبو حامد الغزالي في كتابه الذي صنفه في الرد عليهم - قال: ظاهر مذهبهم الرفض، وباطنه الكفر المحض.

وقد صنف القاضي أبو يعلى وصف مذاهبهم في كتبه، وكذلك غير هؤلاء من علماء المسلمين، فهؤلاء وأمثالهم من الغلاة القائلين بالعصمة، وقد يُكفِّرون من ينكر القول بها، وهؤلاء الغالية هم كفار باتفاق المسلمين، فمن كفر القائلين بتجويز الصغائر عليهم كان مضاهيًا لهؤلاء الإسماعيلية، والنصيرية، والرافضة، والاثني عشرية، ليس هو قول أحد من أصحاب أبي حنيفة، ولا مالك، ولا الشافعي، ولا المتكلمين المنتسبين إلى السنة المشهورين كأصحاب أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كُلاب، وأبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، وأبي عبد الله محمد بن كَرَّام 3، وغير هؤلاء، ولا أئمة التفسير ولا الحديث، ولا التصوف. ليس التكفير بهذه المسألة قول هؤلاء، فالمكفر بمثل ذلك يستتاب، فإن تاب وإلا عوقب على ذلك عقوبة تردعه وأمثاله عن مثل هذا، إلا أن يظهر منه ما يقتضي كفره وزندقته، فيكون حكمه حكم أمثاله.

وكذلك المُفَسِّق بمثل هذا القول يجب أن يُعَزَّر بعد إقامة الحجة عليه، فإن هذا تفسيق لجمهور أئمة الإسلام.

وأما التصويب والتخطئة في ذلك، فهو من كلام العلماء الحافظين من علماء المسلمين المنتسبين إلى السنة والجماعة، وتفصيل القول في ذلك يحتاج إلى بسط طويل لا تحتمله هذه الفتوى، والله أعلم.


هامش

  1. [هو أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد بن سالم التغلبي، ويلقب بسيف الدين الآمدي، كان في أول اشتغاله حنبلي المذهب، ثم انتقل إلى مذهب الإمام الشافعي، قام مدة ببغداد، ثم انحدر إلى الشام واشتغل بفنون المعقول، ثم انتقل إلى مصر، وله مصنفات كثيرة في أصول الفقه والدين والمنطق وغيرها، ولد سنة 551ه وتوفي سنة 631 ه]
  2. [بياض قدر ستة أسطر]
  3. [هو أبو عبد الله محمد بن كَرَّام السجستاني، شيخ الكَرّامية، ساقط الحديث على بدعه، كان يكثر عن الكذابين، قال عنه ابن حبان: خذل حتى أخذ من المذاهب أردأها، ومن الأحاديث أوهاها]


مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد الرابع
كتاب مفصل الاعتقاد | سئل ما قولكم في مذهب السلف في الاعتقاد ومذهب غيرهم من المتأخرين | فصل في كون أهل الحديث أعلم ممن بعدهم وأحكم وأن مخالفهم أحق بالجهل | فصل في أن كل من استحكم في بدعته يرى أن قياسه يطرد | إن الخارجين عن طريقة السابقين الأولين لهم في كلام الرسول ثلاث طرق | لفظ التأويل صار له بسبب تعدد الاصطلاحات ثلاثة معان | فصل في أن الرسل إما أنهم علموا الحقائق الخبرية والطلبية أو لم يعلموها | فصل في قول من قال إن الحشوية على ضربين | فصل في قول المعترض في الرد على الحنابلة | فصل الأقوال نوعان | قال الشيخ الاستدلال بكون الشيء بدعة على كراهيته قاعدة عظيمة عامة | سئل ما الدليل القاطع على تحقيق حق المسلمين وإبطال باطل الكافرين | فصل في طرق المخاطبة | سئل عن الروح هل هي قديمة أو مخلوقة | سئل الشيخ رحمه الله عن حقيقة ماهية الجن | سئل الشيخ رحمه الله عن الجان المؤمنين | قول الشيخ رحمه الله ردا لقول من قال: كل مولود على ما سبق له في علم الله أنه سائر إليه | سئل عن قوله صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة | فصل في ذكر الله الحفظة الموكلين ببني آدم الذين يحفظونهم ويكتبون أعمالهم | سئل شيخ الإسلام هل الملائكة الموكلون بالعبد هم الموكلون دائما | سئل عن قوله صلى الله عليه وسلم: إذا هم العبد بالحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة | سئل عن عرض الأديان عند الموت | سئل هل جميع الخلق حتى الملائكة يموتون | فصل في مذهب سائر المسلمين في إثبات القيامة الكبرى | سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن الروح المؤمنة | سئل هل يتكلم الميت في قبره | سئل شيخ الإسلام رحمه الله تعالى عن سؤال منكر ونكير الميت إذا مات | سئل عن الصغير وعن الطفل إذا مات هل يمتحن | سئل الشيخ رحمه الله عن الصغير هل يحيا ويسأل أو يحيا ولا يسأل | سئل شيخ الإسلام وهو بمصر عن عذاب القبر | سئل وهو بمصر عن عذاب القبر | سئل بماذا يخاطب الناس يوم البعث | سئل عن الميزان: هل هو عبارة عن العدل أم له كفتان | سئل عن الكفار: هل يحاسبون يوم القيامة أم لا | سئل عن العبد المؤمن هل يكفر بالمعصية أم لا | سئل عن رجل مسلم يعمل عملا يستوجب أن يبنى له قصر في الجنة | سئل عن الشفاعة في أهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم | سئل عن أطفال المؤمنين هل يدومون على حالتهم التي ماتوا عليها أم يكبرون ويتزوجون | سئل هل يتناسل أهل الجنة والولدان هل هم ولدان أهل الجنة | سئل عن رجل قيل له: إنه ورد عن النبي أن أهل الجنة يأكلون ويشربون فقال من أكل وشرب بال وتغوط | سئل هل أهل الجنة يأكلون ويشربون وينكحون بتلذذ كالدنيا | فصل أفضل الأنبياء بعد محمد صلى الله عليه وسلم إبراهيم الخليل | سئل فيمن يقول: إن غير الأنبياء يبلغ درجتهم بحيث يأمنون مكر الله | سئل عن رجل قال: إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الكبائر دون الصغائر | سئل عن رجلين تنازعا في أمر نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام | سئل هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى أحيا له أبويه حتى أسلما على يديه ثم ماتا بعد ذلك | سئل عن هذه الأحاديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى موسى وهو يصلي في قبره | سئل عن الذبيح من ولد خليل الله إبراهيم عليه السلام هل هو إسماعيل أو إسحاق | سئل عن الخضر وإلياس هل هما معمران | سئل هل كان الخضر عليه السلام نبيا أو وليا وهل هو حي إلى الآن | سئل عن النبي صلى الله عليه وسلم هل يعلم وقت الساعة | سئل عن صالحي بني آدم والملائكة أيهما أفضل | سئل عن المطيعين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم هل هم أفضل من الملائكة | سئل هل سجد ملائكة السماء والأرض أم ملائكة الأرض خاصة | فصل في التفضيل بين الملائكة والناس | سئل عن خديجة وعائشة أمي المؤمنين أيتهما أفضل | فصل وأفضل نساء هذه الأمة خديجة وعائشة وفاطمة | فصل في نساء النبي صلى الله عليه وسلم | فصل هل أبو بكر وعمر أفضل من الخضر | سئل عن رجلين اختلفا فقال أحدهما أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب أعلم وأفقه من علي بن أبي طالب | سئل عن رجل متمسك بالسنة ويحصل له ريبة في تفضيل الثلاثة على علي لقوله عليه السلام له أنت مني وأنا منك | سئل لا أفضل على علي غيره وإذا ذكرعلي صلى عليه مفردا هل يجوز له أن يخصه بالصلاة دون غيره | سئل عن قول الشيخ أبي محمد عبد الله بن أبي زيد في آخر عقيدته | سئل عما شجر بين الصحابة علي ومعاوية وطلحة وعائشة هل يطالبون به أم لا | فائدة: إن كان المختار الإمساك عما شجر بين الصحابة فلا يجب الاعتقاد بأن كل واحد من العسكر كان مجتهدا متأولا | فصل في أعداء الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين | سئل عن إسلام معاوية بن أبي سفيان متى كان | فصل في الطريق التي بها يعلم إيمان الواحد من الصحابة | فصل افترق الناس في يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ثلاث فرق | سئل عن جماعة يقولون: إن الدين فسد من حين أخذت الخلافة من علي بن أبي طالب | سئل هل يصح عند أهل العلم: أن عليا رضي الله عنه قاتل الجن في البئر | سئل عمن قال إن عليا قاتل الجن في البئر وأنه حمل على اثني عشر ألفا وهزمهم | سئل عن فاطمة أنها قالت يارسول الله إن عليا يقوم الليالي كلها إلا ليلة الجمعة | سئل عن رجل قال عن علي بن أبي طالب أنه ليس من أهل البيت ولا تجوز الصلاة عليه والصلاة عليه بدعة | سئل أن علي بن أبي طالب قال إذا أنا مت فأركبوني فوق ناقتي وسيبوني | فصل هل كل من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أفضل ممن لم يصحبه مطلقا | سئل عن رجلين تنازعا في ساب أبي بكر أحدهما يقول: يتوب الله عليه وقال الآخر لا يتوب الله عليه | سئل عن جماعة اجتمعوا على أمور متنوعة من الفساد وطعنوا في ابن مسعود وروايته | سئل عن رجل يناظر مع آخر في مسألة المصراة فطعن أحدهما في أبي هريرة وروايته | سئل عن فرقة من المسلمين يقرون بالشهادتين ويصومون إلا أنهم يكفرون سابي صحابة النبي