مجموع الفتاوى/المجلد الرابع/سئل عن رجل قال: إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الكبائر دون الصغائر
سئل عن رجل قال: إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الكبائر دون الصغائر
[عدل]سئلَ الشَّيْخُ رَحمَهُ الله عن رجل قال: إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الكبائر، دون الصغائر، فكفَّره رجل بهذه، فهل قائل ذلك مخطئ أو مصيب؟ وهل قال أحد منهم بعصمة الأنبياء مطلقًا؟ وما الصواب في ذلك؟
فَأَجَاب:
الحمد لله رب العالمين، ليس هو كافرًا باتفاق أهل الدين، ولا هذا من مسائل السب المتنازع في استتابة قائله بلا نزاع، كما صرح بذلك القاضي عياض وأمثاله مع مبالغتهم في القول بالعصمة، وفي عقوبة السَّابِّ؛ ومع هذا فهم متفقون على أن القول بمثل ذلك ليس هو من مسائل السب والعقوبة، فضلا أن يكون قائل ذلك كافرًا، أو فاسقًا؛ فإن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر، هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف، حتى إنه قول أكثر أهل الكلام، كما ذكر أبو الحسن الآمدي 1 أن هذا قول أكثر الأشعرية، وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل هو لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول، ولم ينقل عنهم ما يوافق القول. . . . 2
وإنما نقل ذلك القول في العصر المتقدم عن الرافضة، ثم عن بعض المعتزلة، ثم وافقهم عليه طائفة من المتأخرين.
وعامة ما ينقل عن جمهور العلماء، أنهم غير معصومين عن الإقرار على الصغائر ولا يقرون عليها، ولا يقولون: إنها لا تقع بحال، وأول من نقل عنهم من طوائف الأمة القول بالعصمة مطلقًا، وأعظمهم قولًا لذلك الرافضةُ، فإنهم يقولون بالعصمة حتى ما يقع على سبيل النسيان والسهو والتأويل.
وينقلون ذلك إلى من يعتقدون إمامته، وقالوا بعصمة علىّ، والاثني عشر، ثم الإسماعيلية الذين كانوا ملوك القاهرة، وكانوا يزعمون أنهم خلفاء علويون فاطميون، وهم عند أهل العلم من ذرية عُبَيد الله القَدَّاح، كانوا هم وأتباعهم يقولون بمثل هذه العصمة لأئمتهم ونحوهم، مع كونهم كما قال فيهم أبو حامد الغزالي في كتابه الذي صنفه في الرد عليهم - قال: ظاهر مذهبهم الرفض، وباطنه الكفر المحض.
وقد صنف القاضي أبو يعلى وصف مذاهبهم في كتبه، وكذلك غير هؤلاء من علماء المسلمين، فهؤلاء وأمثالهم من الغلاة القائلين بالعصمة، وقد يُكفِّرون من ينكر القول بها، وهؤلاء الغالية هم كفار باتفاق المسلمين، فمن كفر القائلين بتجويز الصغائر عليهم كان مضاهيًا لهؤلاء الإسماعيلية، والنصيرية، والرافضة، والاثني عشرية، ليس هو قول أحد من أصحاب أبي حنيفة، ولا مالك، ولا الشافعي، ولا المتكلمين المنتسبين إلى السنة المشهورين كأصحاب أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كُلاب، وأبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، وأبي عبد الله محمد بن كَرَّام 3، وغير هؤلاء، ولا أئمة التفسير ولا الحديث، ولا التصوف. ليس التكفير بهذه المسألة قول هؤلاء، فالمكفر بمثل ذلك يستتاب، فإن تاب وإلا عوقب على ذلك عقوبة تردعه وأمثاله عن مثل هذا، إلا أن يظهر منه ما يقتضي كفره وزندقته، فيكون حكمه حكم أمثاله.
وكذلك المُفَسِّق بمثل هذا القول يجب أن يُعَزَّر بعد إقامة الحجة عليه، فإن هذا تفسيق لجمهور أئمة الإسلام.
وأما التصويب والتخطئة في ذلك، فهو من كلام العلماء الحافظين من علماء المسلمين المنتسبين إلى السنة والجماعة، وتفصيل القول في ذلك يحتاج إلى بسط طويل لا تحتمله هذه الفتوى، والله أعلم.
هامش
- ↑ [هو أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد بن سالم التغلبي، ويلقب بسيف الدين الآمدي، كان في أول اشتغاله حنبلي المذهب، ثم انتقل إلى مذهب الإمام الشافعي، قام مدة ببغداد، ثم انحدر إلى الشام واشتغل بفنون المعقول، ثم انتقل إلى مصر، وله مصنفات كثيرة في أصول الفقه والدين والمنطق وغيرها، ولد سنة 551ه وتوفي سنة 631 ه]
- ↑ [بياض قدر ستة أسطر]
- ↑ [هو أبو عبد الله محمد بن كَرَّام السجستاني، شيخ الكَرّامية، ساقط الحديث على بدعه، كان يكثر عن الكذابين، قال عنه ابن حبان: خذل حتى أخذ من المذاهب أردأها، ومن الأحاديث أوهاها]